رئيس التحرير
عصام كامل

ترويع الآمنين مَنْهِيّ عنه في الإسلام

الأمن نعمة عظيمة ينبغي المحافظة عليها، وقد منع الإسلام كل ما من شأنه أن ينال منها، ولعِظم هذه النعمة نجد أن الله تعالى قد أثنى على قريش وامتن عليهم بها، فقال تعالى: “لإيلاف قريش ﴿١﴾ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴿٢﴾ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَـذَا الْبَيْتِ ﴿٣﴾ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴿٤﴾” وقد حرّم الله تعالى ترويع الآمنين، فقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا (58)”

 

وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ترويع الآمنين وتخويفهم، فحرم مجرد رفع السلاح، وتبرأ من فاعله، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا» (أخرجه البخاري في صحيحه برقم (6874)، ومسلم في صحيحه برقم (98)). وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من فعل ذلك لعنته الملائكة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» [أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2616)] ففي هذا الحديث دليل على تأكيد حرمة دم المسلم، وفيه النهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرض له بما يؤذيه.

تحريم ترويع الآمنين

 

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم العلة من تحريم رفع السلاح، وهي أنه ربما يغويه الشيطان فيقتل أخاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزِع في يده، فيقع في حفرة من النار» [أخرجه البخاري في صحيحه برقم (7072)، ومسلم في صحيحه برقم (2617)].

 

وقد حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم ترويع الآمنين حتى وإن كان على سبيل المزاح، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: «ما يضحككم؟» فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا» [أخرجه أحمد في مسنده].

قال المناوي في فيض القدير: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا» - بالتشديد - أي يفزع مسلمًا، وإن كان هازلًا كإشارته بسيف، أو حديدة، أو أفعى، أو أخذ متاعه فيفزع؛ لفقده لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، فالمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

 

ولخطورة ترويع الآمنين فقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة الدماء في آخر لقاء جماهيري بينه وبين جموع المسلمين في حجة الوداع، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، وإنما دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دمُ ابنِ ربيعة بن الحارث، كان مسترضِعًا في بني سعد فقتلته هذيل، فإنه موضوع كله» [أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1218)].

 

وينبغي أن نعلم أن تحريم ترويع الآمنين ليس مقصورًا على المسلمين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُجز قتلَ غير المسلمين من مواطني الدول الإسلامية، وأوجب الوفاءَ بالعهد المعقود معهم، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي قال: «مَن قتل معاهَدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا» [أخرجه البخاري في صحيحه برقم (3166)].

ومن هنا ينبغي المحافظة على أمن الناس وأمانهم، حيث سعت الشريعة الإسلامية إلى تحقيق الأمن والطمأنينة في حياة الأفراد والمجتمعات، واتخذت في سبيل حفظ نفوسهم وأموالهم وأعراضهم عدة إجراءات تحفُّظية، وتدابير وقائية من شأنها أن تحفظ على المكلفين سلامتهم.

الجريدة الرسمية