من حقوقه على أُمَّته
مِن فَضْل الله - تعالى - علينا أن بعث فينا مُحمَّدًا رسولًا نبيًّا عربيًّا، جاءنا بالهدى ودين الحق ليغيّر معالم التاريخ الإنساني، ويفيض بالرحمة العامة للإنس والجنِّ، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107].
وقد جعل الله تعالى لهذا النبي الكريم حقوقًا تتجلى فيها مكانته، وتظهر فيها فضيلته وعظمته، ومن هذه الحقوق: وجوب الإيمان به، وتصديقه فيما أخبر به من أمور الوحي والشرع، لكل من سمع به وعلم بمجيئه، في زمنه أو بعد زمنه طوال مدة رسالته، قال تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [ سورة التغابن: 8]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾ [الحديد: 28].
ولا شك أن الإيمان به وتصديقه يستلزم وجوب طاعته، وحُسن اتباعه، والاقتداء بهديه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ [سورة الأنفال:20]، وفي الصحيحين عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ»، وفي صحيح البخاري أيضًا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى قَالَ: مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
حقوق رسول الله
وهذا التوجيه النبوي في ثواب من أطاعه متفرعٌ عن الأمر الإلهي بوجوب طاعته، والاقتداء به في جميع أحواله وأعماله، ذلك النموذج الإنساني الكامل في أخلاقه، الكامل في أدبه، الكامل في سلوكه وتصرفاته، الكامل في عبادته لله تعالى والرغبة في رضاه وقربه، الكامل في إنسانيته التي شملت الصغير قبل الكبير، والفقير قبل الغني، والضعيف قبل القوي، والبعيد قبل القريب، تلك الإنسانية التي لم تجامل أو تحابي!!
ومن حقوقه: وجوب محبته، وإعلان توقيره وتبجيله، ونُصرته في حياته ونصرة دينه بعد مماته، قال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157]، بل وتقديم محبته على محبة من سواه من نفس أو ولد، ففي الصحيحين من حديث أنسٍ رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه مِن والِده ووَلَده، والناسِ أجمعين»، إن هذه المحبة حقه على أمته، فقد هداها إلى الحق المبين، وأخرجها من ظلمات الشرك إلى أنوار الإيمان، وبلغها عن ربِّه، ونصحها في كل أمر يصلح أحوالها، ويهذّب أخلاقها، حتى بلغ هذا الحب ما عند مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «وما كان أحدٌ أحبَّ إليّ من رسول الله، ولا أجلّ في عيني منه، وما كنتُ أطيق أن أملأ عيني منه إجلالًا له، ولو سُئِلتُ أن أصِفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه».
ومن حقوقه في عصرنا: حفظ سنته الشريفة والدفاع عنها، والعمل بهدايتها، والتقرُّب إلى الله تعالى بذلك، ودراسة سيرته للوقوف على كامل أخلاقه، وعظيم أدبه، وجميل صفاته التي حبَّبَته إلى الناس صغيرًا وكبيرًا، وكافرًا ومسلمًا، فما رآه أحد إلا أحبه، نسأل الله تعالى أن يرزقنا حبّه واتباعه، ويعيننا على طاعته، ونشر سنته، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.