دعوة للجمال أسفل الكباري
لماذا لا تتحول الكباري وأعمدتها إلى لوحات فنية؟ لماذا لا تتحول أسوار المدارس إلى بانوراما للأعمال الفنية؟ لماذا لا تتحول أى مساحات جدارية إلى أعمال تشكيلية؟ قد يسأل سائل وما هو السبب وراء هذه الدعوة والناس مشغولة بلقمة العيش ومغروسة في همومها ومشاكلها وما العائد منها؟ ومن يتحمل هذه التكلفة؟ ومن يقوم بهذه الأعمال وهل هناك جدوى منها؟
نعم هذه أسئلة مشروعة، لكن السبب من إثارة هذه القضية هو نوع من حروب إعادة الوعى من خلال نشر وترسيخ قيم الجمال والوعى بين المواطنين وعلاج الأفكار السلبية وتحسين السلوكيات، فالجمال والنظافة إذ إنتشرت قيمها كان العائد منهما كبيرا جدا على النفس والحياة والإنتاج ذاته.
وفى قضيتنا هذه أعتقد إن أعداد الفنانين التشكيليين وطلاب الفنون في مصر كافية لتحويل الساحات والأسوار وأسفل الكباري في القاهرة والمحافظات إلى معارض للفن التشكيلي بل وإحياء لفكرة المعابد الفرعونية بشكل حديث، مثلا يوجد 5 كليات فنون جميلة في القاهرة والإسكندرية والأقصر والمنيا والمنصورة وتوجد العديد من كليات التربية الفنية بأقسامها المختلفة وأقسام الفنون في العديد من الكليات والمعاهد، وفي مصر مئات الآلاف من خريجي هذه الكليات على مدى السنوات الماضية وفنانين في أكثر من 500 قصر ثقافة ومثلهم على الأقل في الأندية ومراكز الشباب، كل هؤلاء يمكن الاستفادة بهم في هذا المشروع، إما بأعمالهم الفنية أو بإشراف الأساتذة منهم على الشباب الذي سيقوم بالمهمة .
مشروعات جمالية
والسؤال التالي من يقوم بعمليات الرسم والتجميل؟
أعتقد أن طلابنا في الكليات الفنية ومدارسنا ومعاهدنا هم "دينامو" التنفيذ.. تعالو مثلا نضرب مثالا عندما تكلف أقسام الفنون في الكليات طلابها بأن تكون مشروعات التخرج على جدران المنشأت بدلا من لوحات وأعمال ترمى في المخازن، تخيلوا معي القاهرة والمحافظات والقرى والنجوع وقد تحولت كباريها وأسوار مدارسها أو بعض المنشأت فيها إلى معارض للفنون التشكيلية سواء بتقليد اللوحات العالمية أو العربية أو المصرية القديمة والمعاصرة أو بابداعات المعاصرين ومع كل لوحه جدارية نبذة عن صاحب اللوحة ومدرسته الفنية.
والسؤال المبدئى من أين نمول هذه المشروعات الجمالية؟
في البداية لابد أن يكون العمل تطوعيا لفنانينا الكبار وجزء من أنشطة طلابنا في المدارس ومشروعات التخرج في الأقسام الفنية في الجامعات، وأن يتكفل بشراء المواد الخام كل مؤسسات المجتمع المدنى والمحيطين بالموقع وأعتقد أن البعض من هؤلاء إذا رأوا بأعينهم التجربة تنفذ على أرض الواقع فلن يبخلوا بأموالهم التي تقدم في صورة أدوات ومواد خام.
واعتقد ان المحلات والمساحات التي يمكن تأجيرها أسفل الكباري يمكن أن تتولى عملية التمويل وكذلك شركات الدهانات يمكنها المساهمة وكل ذلك مقابل لوحة صغيرة في كل مكان بإهداء المتبرع وفريق العمل
وإذا كان الجمال هو الهدف ومحاربة القبح بالفن هو الهدف والأساس فأعتقد أن المردود السياسي والاجتماعي والثقافي سيكون كبيرا أيضا. وإقتصاديا يمكن أن ينعكس هذا الجمال على حركة السياحة وتصدير صورة حضارية لنا فرغم الأزمات الاقتصادية والسعى وراء لقمة العيش للبقاء أحياء، فإننا لم ننسى الفنون التي تعطى لها بعدا ومعنى.
الفن ومواجهة التطرف
وفى نفس الوقت فإن هذه المعارض المفتوحة في الشوارع ستلغي العزلة المفروضة على الفنان وستقضي على الصورة النمطية للفنانين بأنهم فئة من الناس خارجة عن المجتمع ومتطلباته. ويمكن إستخدام المواد رخيصة مثل الأسمنت والرمل مثلا لصب نماذج من الأعمال النحتية، أو إخراج أعمال الفنانين من المخازن أو ما شابه ذلك، وبشكل يكاد يكون مجانى سنجعل الميادين معارض للتماثيل والشوارع بانوراما للرسوم التشكيلية مما سينعكس بلا شك على الصحة النفسية للمواطنين فالفن له تأثير على النفس لا يقدر.
وطبعا هناك مدارس عديدة للفنون ويمكن إختيار المدرسة الملائمة لطبيعة الأنشطة والحياة في كل مكان. فهذا مكان يصلح لاستلهام التراث فيه وهذا مكان راقي تلائمه الأعمال الحديثة فيه، وذاك مكان شعبى يمكن استلهام البيئة الشعبية فيه.. وهكذا نربط الناس بالفن ونجعله جزء من وجدانهم.
ولأن هذه المشروعات تتجلى فيها روح التطوع والعمل الجماعي فمن خلاله سنرسخ هذه القيم في نفوس أطفالنا وشبابنا حتى ينطلقوا الى المجتمع بإيمانهم بالعمل الجماعي ونبذ الفردية.. ومن خلال هذه الأعمال ستنتشر قيم التسامح ورحابة الفكر وتنمية قيم الجمال مما سيحد حتما من انتشار الجرائم وسنوفر ما ينفق على مواجهة الجريمة بتجفيف منابعها من جهة وزرعها ببذور الفن والجمال.
سيكون هذا الفن بمثابة جيوش من الجمال لمواجهة دعاوى العنف والتطرف وستكون الرد العملى على دعاوى الظلامية بتحريم الفن التشكيلى فمن يرى الفن ويتذوقه لن يكون يوما إرهابيا أو متطرفا أو حاملا أدوات القتل سواء بالرشاش والقنبلة أو بالكلمة أو اللكمة!
yousrielsaid@yahoo.com