هل تجهز الحكومة على حركة التضامن ؟!
تاريخ التضامن الأفروآسيوي (14)
كانت هذه محاولة متواضعة مني لتوثيق تاريخ حركة التضامن بين شعوب أفريقيا وآسيا، وفي بعض الأحايين كانت تنضم إليهما أمريكا اللاتينية، في مواجهة قوى الاستعمار التي لا تزال على عهدها وديدنها، وإن كانت تتلون كل يوم بشكل جديد، مستخدمة أحدث أساليب العلم والتكنولوجيا.. ومع تغير ظروف العالم وانتهاء الحرب الباردة وظهور قضايا جديدة، طورت المُنظمة دستورها وأهدافها في مؤتمرها بمدينة حيدر آباد الهندية في ديسمبر 2008.. وأصبحت تركز على هدفين مركزيين هُما حماية الدولة الوطنية في الداخل، وحفظ الأمن والسلم في الخارج.
وتفرع عن ذلك احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، والتنسيق للإسراع بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وحماية البيئة.. ودعم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتحقيق العدالة والديمُقراطية في العلاقات الدولية، وحل المنازعات بالطرق السلمية، ووقف سباق التسلح.
وتوالى على رئاسة المُنظمة شخصيات عامة مصرية كان لها دورها الوطني والثقافي. وهم على الترتيب؛ الأديب ووزير الثقافة يوسف السباعي الذي أعطى دفعة قوية للمنظمة في بدايتها وكرس استقلالها بحكم صلته بالرئيس عبد الناصر وأنه أحد الضُباط الأحرار، والكاتب والشاعر والمؤلف المسرحي عبد الرحمن الشرقاوي صاحب رواية الأرض ومسرحية الحسين ثائرا، ودكتور مُراد غالب سفير مصر في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا ووزير الخارجية والإعلام الأسبق، والكاتب أحمد حمروش، والذي أرَّخ لثورة 1952 في خمسة مُجلدات وكان من الضباط الاحرار. وحاليًا يرأس المنظمة الدكتور حلمي الحديدي، الذي شغل عدة مناصب سياسية وتنفيذية، كان من بينها وزير الصحة، وعضوية البرلمان بغرفتيه؛ الشعب والشورى.
مواكبة العصر
ويشغل موقع السكرتير العام للمنظمة المناضل العراقي نوري عبد الرازق، منذ نشأتها وحتى الآن، وهو صاحب الخبرات السياسية الواسعة. وإلى عهد قريب كان للعديد من الدول الأعضاء مندوبون مقيمون في المنظمة، ولعل آخرهم كان السفير الفلسطيني سعيد كمال، رحمه الله، إلا أن ضعف الموارد المالية اضطر الدول إلى سحب مندوبيها من مقر المنظمة.
ومما لا شك فيه أن وجود المُنظمة في القاهرة، بمقرها الرابض على الضفة الشرقية للنيل بشارع عبد العزيز آل سعود، بمنطقة المنيل، يُضيف إلى قوة مصر الناعمة ويُدعمُ صوتها في المحافل الشعبية الإفريقية والآسيوية وعلى مستوى العالم.
ومن البديهي أن تسعى المنظمة جاهدة إلى مواكبة العصر، واستخدام أحدث وسائل التكنولوجيا، والتحول الرقمي، وتجديد خطابها مع تغير الظروف والمواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يبذل رئيس المنظمة الحالي جهده لإنجازه، وإن كان تقدمه في السن، (اقترب من العقد التاسع)، فضلًا عن ضعف الموارد، يعوقان أي محاولة للتغيير.
الكرة الآن في ملعب وزارة الخارجية التي يقع على عاتقها عبء الإشراف على المنظمة، فعليها أن تدفع بدم جديد، وترشح شخصية سياسية، سفير سابق مثلًا، لينوب عن الحديدي، ويتحمل معه أعباء الإدارة، ويكتسب منه المزيد من الخبرات، إلى أن يتولى رسميًّا، بقرار من وزير الخارجية، رئاسة المنظمة، ويبدأ عهدًا جديدًا، مفعمًا بالحيوية والرؤية الثاقبة، لا سيما أن دستور المنظمة يعطي رئيسها حق الاستمرار مدى الحياة، وهو ما يجب أن يتغير في أقرب جمعية عمومية ليصير مدتين فقط؛ "4 + 4 سنوات مثلًا"؛ سعيًا من أجل التجديد المستمر.
القوة الناعمة
منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية، تمثل إحدى أخطر أدوات القوة الناعمة لمصر، وعلى القيادة السياسية إعادة النظر، مليًّا، في فكرة إغلاق هذا الصرح التاريخي، وتسريح موظفيه، وشطب ملف التضامن الأفروآسيوي من قائمة اهتمامات الخارجية المصرية، الأمر الذي يعني بتر ذراع مهم من أذرع السياسة الخارجية المصرية، مع أن الإبقاء على هذه الذراع (والعمل على تقويتها) لا يكلف الدولة ما تنفقه على أصغر سفارة في أصغر دولة.
الغريب أن دولًا مثل: الهند والمغرب أبدت ترحيبًا، أكثر من مرة، باستضافة مقر المنظمة، وهو ما يعني تغيير اللائحة التنفيذية لها، بأن ينتقل المقر من مصر، ويصير الرئيس غير مصري (من دولة المقر)، في الوقت الذي هبت الحكومة، عن بكرة أبيها، للإبقاء على مقر الاتحاد الأفريقي لكرة القدم في مصر، بعد أن هدد الرئيس السابق لـ "الكاف" بالعمل على نقله منها، وتم توفير مقر له في مدينة السادس من أكتوبر، وتخصيص ميزانية معتبرة لإنشائه.
باختصار نحن نعمل جاهدين لتوفيراللازم لكرة القدم، ونبخل على منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية التي تضم عشرات الدول من قارتين، يمثلان أهمية بالغة للأمن القومي المصري.
خلاصة القول؛ إن الكرة الآن في ملعب وزارة الخارجية المصرية.