من يتحمل نفقات انتقال أصحاب المعاشات للمستشفيات؟
الدستور كفل خدمات التأمين الاجتماعي والصحي للمواطنين، وألزم الدولة بعلاج المواطنين ورعايتهم طبيًا، والمشرع سواء في قانون التأمين الاجتماعي القديم أو قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات قرر سريان الأحكام المتعلقة بالعلاج والرعاية الطبية الواردة في هذين القانونين علي أصحاب المعاشات ما لم يطلبوا عدم الانتفاع بها في تاريخ تقديم طلب صرف المعاش، وذلك مقابل التزامهم بأداء اشتراكات شهرية تحصل منهم بنسبة 1% من المعاش الذي يتقاضونه نظير أداء هذه الخدمة.
وهذه النسبة يتم توجيهها إلي صندوق علاج الأمراض وإصابات العمل المنشأ لهذا الغرض والذي تتولى إدارته الهيئة العامة للتأمين الصحي طبقا لأحكام القانون، وما يخصص لهذا الصندوق من أموال ويوجه إليه من اشتراكات أصحاب المعاشات بالنسبة المذكورة، يمثل الوعاء الذي يتعين أن ينفق منه على كل ما يتعلق بالرعاية الطبية لأصحاب المعاشات ونفقات علاجهم.
وانتقال المريض المستحق للمعاش لتلقي العلاج والرعاية الطبية، يمثل واقعًا لا يجوز فصله بحال من الأحوال عن تلقيه لما يحتاجه من العلاج والرعاية الطبية المقررة لحالته الصحية، ومن ثم تلتزم الجهة الإدارية القائمة علي إدارة هذا الصندوق بأداء كافة ما يتكبده المستحق من نفقات في سبيل انتقاله لتلقي العلاج والرعاية الطبية المقررة، والقول بغير ذلك من شأنه أن يؤدي إلى نتائج لا تستقيم والمنطق السليم.
التأمين الصحي
إذ يقع الالتزام علي الهيئة العامة للتأمين الصحي بأداء كل من مصروفاته ومنها مصروفات الانتقال بطبيعة الحال للخدمة العلاجية المقدمة للمستحق للمعاش ورعايته طبيًا في حال ما احتاج لذلك في محل إقامته، في حين لا تلتزم بجزء من هذه المصروفات ومنها مصروفات الانتقال في حالة ما توجه مريض المعاش لتلقي العلاج والرعاية الطبية خارج محل إقامته.
ولا وجه إلى تطبيق حكم المادة (80) من قانون التأمين الاجتماعي في شان تحمل مصروفات انتقال المستحق للمعاش، ذلك أن النص قاطع الدلالة على تحمل الجهة المختصة بصرف تعويض الأجر مصاريف انتقال المريض بوسائل الانتقال العادية من محل الإقامة إلى مكان العلاج إذا كان يقع خارج المدينة التي يقيم بها، وبوسائل الانتقال الخاصة متى قرر الطبيب المعالج أن حالة المريض الصحية لا تسمح باستعماله وسائل الانتقال العادية لمن كان بالخدمة.
وأما من يتقاضى المعاش ويتلقى العلاج والرعاية الطبية، فإن الصندوق المنشأ لهذا الغرض هو الذي يتكفل بمصروفات الانتقال، وعلى هذا الأساس فإنه لا يستقيم ولا يجوز التجزئة والتفرقة دون مبرر قانوني فيما يتحمله هذا الصندوق بالنسبة إلي مصروفات ونفقات العلاج والرعاية الطبية للمستحق للمعاش ومنها بطبيعة الحال مصروفات الانتقال لتلقي العلاج بين العلاج الذي يتم داخل محل إقامة المريض والعلاج الذي يتم خارج محل الإقامة، ويكون مقتضي ذلك ولازمه أن تلتزم الهيئة العامة للتأمين الصحي بأداء مصاريف الانتقال لتلقي العلاج والرعاية الطبية للمستحق للمعاش.
والمشرع في المادة (۷۸) من قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات رقم 148 لسنة ۲۰۱۹ قد أعفى صراحة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي من التزامها بصرف مصاريف الانتقال للمرضى أصحاب المعاشات، فإن ذلك يتفق صراحة مع هذا الاتجاه الذي يؤكد وقوع هذا الالتزام علي عاتق الهيئة العامة للتأمين الصحي، سواء نشأ الحق في صرف مصاريف الانتقال للمستحق للمعاش في ظل أحكام قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة ۱۹۷۰ أو في ظل أحكام قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الصادر بالقانون رقم 148 لسنة ۲۰۱۹.
أجهزة طبية
والمريض بالفشل الكلوي المزمن يحتاج أثناء عمل جلسة الغسيل الكلوي إلى الخضوع عدة ساعات لإشراف أطباء متخصصين ذوي خبرة، ويستلزم ذلك أجهزة طبية يصعب توافرها في محل إقامته، ومن ثم فإنه يقوم بالانتقال من محل إقامته إلى مكان تلقي العلاج، وقد يتطلب ذلك وسيلة انتقال خاصة وذلك حسبما يقرر الطبيب المعالج، إذ يلزمه الراحة والهدوء قبل جلسة الغسيل الكلوي وبعدها، وإلا كان العلاج ضربًا من العبث.
ليس هذا فحسب بل يصبح تهديدًا بالخطر على حياة المريض، لذلك كان الانتقال إلى المستشفى والعودة منها بوسيلة انتقال خاصة أمرًا ضروريًا للعلاج المذكور، إذ هو لصيق به ويدور معه وجودًا وعدمًا، ومن ثم فإنه واجب إعمالًا للقاعدة الأصولية التي تقضي بأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فبدون الانتقال إلى مكان العلاج لا يتم العلاج وتقديم الرعاية الطبية حيث يدخل في هذه الرعاية بحكم اللزوم مصاريف الانتقال لتلقي هذا النوع من العلاج.
وعن تقدير مصاريف الانتقال فإن كلًا من قانون التأمين الاجتماعي وقانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات جاءا خلوًا من هذا التقدير، ولذلك وجب على المحكمة المختصة التصدي لهذا التقدير باعتباره تعويضًا لما يتكبده المريض من مصاريف فعلية، بحيث يأتي هذا التقدير ملائمًا لكل حالة على حدة من واقع ما تنطق به الأوراق والتي تجعل هذا التقدير قريب من النفقات الفعلية دون تبذير أو تقتير في المال العام.. وللحديث بقية.