هل يخضع القاضي للمسئولية في نطاق عمله؟
الأصل في التشريع أن القاضي غير خاضع في نطاق عمله للمساءلة القانونية، والاستثناء أن المشرع حصرها في نطاق ضيق محكم بالنص على أسبابها في المادة ٤٩٤ من قانون المرافعات، وقد وازن المشرع بهذا التشريع بين حق القاضي في توفير الضمانات له فلا يتحسب في قضائه إلا وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفذ الجهد في الرد على من ظن الجور به وآثر الكيد له، وبين حق المتقاضى في الاطمئنان بأن قاضيه مقيد بالعدل في حكمه فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه، فله أن ينزله منزلة الخصومة يدين بها قضاءه ويبطل أثره.
وهذا كله يجد حده الطبيعى في أن القضاء ولاية تقدير وأمانة تقرير، وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجور والانحراف في القصد، وقد حدد المشرع أسباب المخاصمة التي تتمثل في الغش والتدليس والغدر والخطأ المهني الجسيم، والمقصود بالغش والتدليس والغدر هو انحراف القاضي في عمله عن العدالة وعما يقتضيه واجب القانون قاصدًا هذا الانحراف وبسوء نية إيثارًا لأحد الخصوم أو نكاية في آخر أو تحقيقًا لمصلحة خاصة للقاضي، والخطأ المهني الجسيم هو وقوع القاضي في خطأ فاضح أو إهمال مفرط ما كان له أن يتردى فيهما لو أهتم بواجبات وظيفته الاهتمام العادي ولو بقدر يسير بحيث لا يفرق هذا الخطأ في جسامته عن الغش سوى كونه أوتي بحسن نية يستوى في ذلك أن يتعلق الخطأ بالمبادئ القانونية أو بالوقائع المادية.
ولذا أفرد المشرع دعوى مخاصمة القضاة بقواعد وإجراءات خاصة، بقصد توفير الضمانات للقاضي في عمله، وأحاط ذلك بسياج من الحماية، بما يجعل القضاة في مأمن من كيد العابثين الذين يحاولون النيل منهم، والمساس بكرامتهم وهيبتهم، بمقاضاتهم لمجرد التشهير بهم، ومن ثم وجب الالتزام بأحكام تلك القواعد الخاصة، والتي من بينها أن الفصل في دعوى المخاصمة يتم على مرحلتين:
الأولى: مرحلة الفصل في تعلق أوجه المخاصمة بالدعوى، وجواز قبولها.
الثانية: مرحلة الفصل في موضوعها إذا قضى بجواز المخاصمة، إما برفضها، أو بصحتها والتعويض وبطلان التصرف.
أسباب المخاصمة
وقد حدد المشرع حالات وأسباب المخاصمة على سبيل الحصر، ومنها وقوع الغش والتدليس، والخطأ المهني الجسيم، والمقصود بالغش في هذا المقام:
1ـ إرتكاب القاضي الظلم عن قصد بدافع المصلحة الشخصية أو الكراهية لأحد الخصوم، أو محاباة الطرف الآخر.
2ـ أما الخطأ المهني الجسيم، فهو الخطأ الذي ينطوي على أقصى ما يمكن تصوره من الإهمال في أداء الواجب، ويكون ارتكابه نتيجة غلط فاضح ما كان لينساق إليه لو اهتم بواجبه الاهتمام العادي، أو بسبب إهماله إهمالًا مفرطًا يعبر عن خطأ فاحش، مثل الجهل الفاضح بالمبادئ الأساسية للقانون.
ومن ثم فإن فهم رجل القضاء للقانون على نحو معين، لا يعد خطأً مهنيًا جسيمًا، ولو خالف فيه إجماع الشراح، ولا تقديره لواقعة معينة، أو إساءة الاستنتاج، كما لا يدخل في نطاق الخطأ المهني الجسيم، الخطأ في استخلاص الوقائع، أو في تفسير القانون، أو قصور الأسباب، ومن ثم يخرج عن نطاق هذا الخطأ كل رأي أو تطبيق قانوني ينتهي إليه القاضي بعد إمعان النظر والإجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة، ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء.
ولهذا رتب المشرع على القضاء بعدم جواز المخاصمة أو رفضها، الحكم على طالب المخاصمة بالغرامة المنصوص عليها، ومصادرة الكفالة، مع التعويضات إن كان لها وجه، كما رتب على القضاء بصحة المخاصمة الحكم على القاضي المخاصم بالتعويضات، والمصاريف، وبطلان تصرفه.
حق القاضي
وفي هذا السياق وازن المشرع بين حق القاضي في توفير الضمانات له فلا يتحسب في قضاءه سوى وجه الحق ولا يهتز وجدانه من مظنة النيل منه أو يستنفد الجهد في سبيل الرد على من ظن الجور وآثر الكيد له، وبين حق المتقاضي في الاطمئنان إلى أن قاضية مقيد بالعدل في حكمه، فإن جنح عنه لم تغلق الأبواب في وجهه، فله أن يسلك طريق الخصومة التي يدين بها قضاءه ويبطل أثره، وكل هذا بجد حده الطبيعي في أن القضاء ولاية تقدير وأمانه تقرير وأن مجرد الخلاف أو الخطأ لا يسقط بهما منطق العدل وإنما يسقطه الجور والانحراف في القصد.
وبذلك لا يعتبر خطأ مهنيًا جسيمًا فهم رجل القضاء للقانون على نحو معين ولو خالف فيه إجماع الفقهاء، ولا تقديره لواقعه معينه أو إساءة الاستنتاج، كما لا يدخل في نطاق الخطأ المهني الجسيم الخطأ في استخلاص الوقائع أو تفسير القانون أو قصور الأسباب، ويخرج من نطاق هذا الخطأ كل رأي أو تطبيق قانوني يخلص إليه القاضي بعد إمعان النظر والاجتهاد في استنباط الحلول للمسألة القانونية المطروحة ولو خالف في ذلك أحكام القضاء وآراء الفقهاء.. وللحديث بقية