رئيس التحرير
عصام كامل

قصة خيالية نقصّها عبر خط الزمن (3)

هذه المقالات ليست غيبة أو نميمة أو بهتانا، إنما هي  قصص من «وحي الخيال»، قد تجد أبطالها في حياتنا العامة، ومن الضروري أن تتابع تلك الحلقات لتصل إلى فك شفرة الفساد، والتغلب عليه، فهيا بنا..

 

اكتشف الأستاذ يحيى سرقة حافظة نقوده يوم قبض المرتب، ولأنها لم تكن أول مرة تحدث مثل هذه السرقات، فقد قرر الأستاذ فكري وكيل إدارة المدرسة ضرورة الإمساك باللص، خاصة وأن الاستاذ يحيى كان ممسكًا بالحافظة منذ دقائق، أي أن اللص لم يبتعد، وقرر حضرة الوكيل فكري تفتيش الجميع، طلاب ومدرسين عند الخروج من الفصول
 


وبدأ تفتيش فصل «أبو الشرف» وخرج أستاذ الفصل، ورضي أن يتم تفتيشه حتى يرفع الحرج عن باقي الطلاب، وإذا بطالب يصرخ ويتأوه ويسقط على الأرض، فيتحرك الجميع نحوه، إنه ضياء ولكن الأستاذ فكري توقع أن يكون ذلك محاولة للإفلات من التفتيش، فتحرك بنفسه، وأمسك بضياء وفتشه فلم يجد شيئًا، فأحتجز حقيبته، وأمر طالبين بأخذه سريعًا إلى الحكيم الصحي قبل أن يغادر غرفته، ثم استكمل تفتيش حقيبة ضياء ولم يجد شيئًا، ثم جاء دور «أبو الشرف» فتقدم بهدوئه المعتاد ولم يجدوا معه شيئا، فاستأذن من الناظر فكري ليطمئن على ضياء ويحمل له حقيبته، فوافق الأستاذ وهو سعيد بشهامة «أبو الشرف».
 

الحافظة بحقيبة بدوي

 

واستمر التفتيش إلى أن وجدوا الحافظة بحقيبة بدوي الذي كان أول من اندفع لينقذ ضياء فهما صديقان منذ سنوات، واستغل «أبو الشرف» تلك اللحظة ليضع الحافظة فى حقيبة بدوي، ووسط الدهشة كان قرار الأستاذ عبدالعزيز، رئيس مجلس الأمناء نهائيًا لا رجعة فيه، نقل بدوي إلى مدرسة أخرى لخطورته على الطلاب والمدرسين، نعم.. بدوي الذي دافع عن «أبو الشرف» أكثر من مرة يُستبعد من المدرسة بسببه.

 

لم يكن رحيل بدوي بهذا الشكل وليد الصدفة، أو هو الأول من نوعه، فقد كان «أبو الشرف» سببًا في ذلك لعدد من زملائه، فقد رفض في المرحلة الإعدادية الالتحاق بالشرطة المدرسية، ولكنه سعى في الثانوية لأن يكون كلبًا بوليسيًا، فقد اعتاد أن ينقل أخبار الأساتذة إلى الأستاذ عبد العزيز رئيس مجلس الأمناء يوميًا بحجة إطلاعه على محتوى الإذاعة المدرسية لليوم التالي والحصول على موافقته.

 

والحقيقة أنه كان يُقدم له تقريرًا عما يدور بالمدرسة، وكثيرًا ما كان يضع تفاصيل من عنده، بما يخدم أهدافه ويجعل المدرسة ساحة حربٍ ملتهبة، ولم يكن الأستاذ عبد العزيز يشك فيه باعتباره الكلب الوفي، للبقاء بدائرة النفوذ.
 

الفتى الشهم 

 

وعندما انتبه ضياء لجريمته اضطر لالتزام الصمت، فقد أبلغه «أبو الشرف» أن الاعتراف بما حدث لن يفيد بدوي بل سيضرهما معًا، فقد افتعل واقعة الألم في بطنه بتعليمات «أبو الشرف» ولكنه لم يكن يدرك أنه سيضع الحافظة في حقيبة أحد، وخاصة بدوي ذلك الفتى الشهم الذي دافع عنه وتلقى اللكمات بدلًا منه.
 

أما المفاجآة فقد تمثلت في أنهم وجدوا الحافظة، والتي كانت كبيرة الحجم لتتسع للبطاقة الشخصية الورقية التي كانت تصدر قبل الرقم القومي، أما المرتب فقد وضعه «أبو الشرف» بين صفحات كتاب الدين الذي يحمله كل يوم، حتى يُقسم لزملائه أن بالحقيبة كتاب الدين، فلا يتقاذفونها بينهم كالكرة، وهو واقف بينهم كالأبله، وفقد الأستاذ يحيى مرتبه، وفقد ضياء صديقه بدوي وربح «أبو الشرف» جولة جديدة من جولات الخِيانة.

وذات مرة اتخذ «أبو الشرف» أسلوبًا جديدًا وهو الاستيلاء على أموال المدرسة المُخصَّصَة لإصلاح وشراء المقاعد، فقد كانت بشائر الانفتاح قد ظهرت، واتجهت الدولة إلى اللامركزية، وقرر أن يستغل التحول الاقتصادي الجديد ليتربح منه، معتمدًا على خطة بسيطة، فقد اتفق مع مدرس التربية الرياضية على أن يتولى عملية الإشراف على الإصلاح بدلا من الأستاذ نور الدين، مدير إدارة المدرسة إلذي كبر في السن، وكان حرصه الأول والأخير على المال العام.

 

القصة قديمة

واقتنع مدرس التربية الرياضية بأن هذا الإجراء سيؤدى إلى سعادة الطلاب، لأنهم سيجلسون على مقاعد مُلونة، مصنوعة من أجود الأخشاب، مثل النماذج التي عرضها عليه «أبو الشرف» في ورشة النجارة التي يمتلكها حمادة جلجل زميل وصديق بطل قصتنا الخيالية.
 

وكان الاتفاق أن يتم توريد المقاعد الجديدة وإصلاح القديمة، ولكن بأسعار تختلف عن التي تعاقد بموجبها الأستاذ نور الدين في الماضي، ورغم أن هذه القصة قديمة، إلا أن مقاعد المدرسة حتى الأن هي تلك التي تعاقد عليها الأستاذ نور، وما أحضره «أبو الشرف» وحمادة جلجل، فقد تَكَسَّر خلال أسبوعين فقط، وكاد المُدرس أن يُحْبس، ولكن الله ستر، لأنه كان من ضحاياه .

حدثت كل هذه الكوارث و«أبو الشرف» يظن أن سره في بير، ولكن المفاجآة أن هناك من يعرف كل تفاصيل اجرامه، انه «أبو رشاد العمدة» زميله الأحدث في الدراسة، صاحب قلبٍ ميت، لا يخاف ولا يعبأ باللصوص لأن اصوله العريقة علمته الشجاعة، وتولى بعض الاعمال التي أسندت لـ«أبو الشرف» فلم يفتش وراءه مكتفيًا بإزاحته ذليلًا، ولكن استطاع «أبو الشرف» بأساليبه القذرة ان يعود مجددًا لهذه الأعمال المالية، وكان أول ما فعله محاولة رصد أخطاء لـ«أبو رشاد العمدة» ولما فشل، افتعل وقائع تافهة وحرض شهود الزور حتى ينال من المحترمين الذين يعرفون أصله، وحقيقته كما يعرفون جرائمه.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية