في ذكرى تعيينه شيخا للأزهر.. الحقيقة الكاملة وراء شائعة ارتداد الشيخ الفحام عن الإسلام
تحل اليوم الجمعة الذكرى الـ 52 على صدور قرار الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بتولى الشيخ محمد الفحام منصب شيخ الأزهر الشريف، والذى أصدره يوم “5 رجب 1389هـ، 17 من سبتمبر 1969م” وذلك خلفًا للشيخ حسن المأمون، ليحمل الرقم الثالث والأربعين في قائمة مشايخ الأزهر الشريف، حيث استمر في منصبه حتى 1973.
ومن أبرز الملفات المثيرة للجدل التى اقترنت باسم شيخ الأزهر السابق هو شائعة ارتداده عن الإسلام في نهاية حياته، والتى حاول البعض الترويج لها بعض رحيله عن منصبه.
سيناريوهات القصة
وأثير جدل كبير حول أمرين يخصان الدكتور محمد الفحام شيخ الأزهر السابق، أولهما حول ما إذا كان الشيخ الفحام ترك مشيخة الأزهر مستقيلًا أم مقالًا؟ والثاني شائعة ارتداده عن الإسلام بعد شفاء ابنته من مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، وقد شفيت منه بعد علاجها فى مصحة بالخارج، وقيل إن هذا الموضوع علم به الرئيس فقام بإقالته.
وحسب زعم هذه الرواية فأن ابنة الشيخ الفحام كانت مريضة بمرض خطير وأخذها لتعالج في أحد مستشفيات الغرب وبالتحديد في فرنسا، وكان كل حجرة بهذا المستشفى معلق فوق سريرها صليب، فلما رآه الشيخ الفحام طلب أن يرفع الصليب لأنه شيخ للأزهر، فقالوا له "هذا نظام المستشفى ولا يمكن أن نرفع الصليب من أي حجرة في المستشفى، فسكت على مضض، ونامت ابنته ونام هو على كرسي بجانبها، ورأت حلمًا في الليل أن السيد المسيح يظهر لها بملابس نورانية، أراها يده الاثنتين المجروحتين، وجاء بجانبها ووضع يده على الورم الخبيث وقال لها "قومي يا بنتي إنتي خفيتي، أنا يسوع المسيح اللي أبوك كان عايز يشيل الصليب بتاعي من الحجرة بتاعتك وانتوا هتؤمنوا بي وأبوكي هيؤمن بي وهتبشروا بي وهتحملوا الإنجيل".
وقامت ابنة الشيخ الفحام من النوم، وأحست أنها إنسانة جديدة، ووضعت يدها على مكان الألم والورم فلم تجد شيئا وزال الورم، فأيقظت أباها من النوم وقالت له: "أنا يا بابا شفيت"، فرد عليها: "انتي يا بنتى.. إنتي اتجننتي إزاي واقفة انتي عيانة!!"، فقالت: "أنا خفيت يسوع المسيح اللي إنت قلت شيلوا الصليب بتاعه جاني وشفاني"، وطلب الشيخ الفحام الراهبات وقال لهن: "أنا عايزكم تكشفوا على بنتى حالا"، وذهبوا بها إلى الأشعة وعملوا أشعة ثانية وعندما قارنوا الأشعة الجديدة مع القديمة لم يجدوا أثرًا للورم.
حق الرد
وجاء الرد على هذه الرواية على لسان حفيد الراحل وهو محمد إبراهيم الفحام في تعليق يحمل عنوان "رحم الله جدي" وقال فيه: عندما "استقال" الدكتور محمد الفحام من مشيخة الأزهر -وهو ليس أول المستقيلين ولا أول المقَالين من مشيخة الأزهر- كان يناهز الـ80 من العمر، فكم يكون عمر ابنته المزعوم إصابتها بمرض عضال كما تدعون؟ لماذا لم تتناول وسائل الإعلام الغربية المسيحية هذا الخبر الجلل وهذا السبق الصحفي في حينه، علمًا بأن الحكومات الإسلامية أو المصرية على وجه التحديد ليس لها أي ثقل للضغط على أي أصغر وسيلة إعلام غربية لمنع الاحتفال أو الاحتفاء بهذا الخبر ولو حتى بصورة "فوتوشوبية" لتأكيد الخبر؟، ولما كانت الأوسمة والجوائز التى حصل عليها من الحكومة المصرية ومن بعض الدول الإسلامية والشرقية بعد تركه منصبه كشيخ للأزهر، وكذلك سجلات مجمع اللغة العربية -الموجود بحي الزمالك بالقاهرة- والمسجل بها مرات حضوره وكلماته في هذا المكان المحترم تؤكد عدم رحيله من أرض مصر على الإطلاق بعد تركه لمنصبه.
وتابع: هذه الكذبة الساذجة، التى استغل مروجوها شخصية الدكتور الفحام التى تتسم بالسماحة والبشاشة والتواضع وتعدد العلاقات الطيبة بجميع رجال الدين الإسلامي والمسيحي وحتى أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى مثل الشيعة وغيرها، بالإضافة لواقعة استقالته من منصبه والتي كانت نتيجة لكبر سن الدكتور الفحام وحالته الصحية ولوجود خلافات بينه ووزير الأوقاف في هذه الفترة، حيث كانت وزارة الأوقاف تشرف بطريقة غير منطقية على الأزهر الشريف وعلى تحركات شيخ الأزهر نفسه.
وقال: تم حل هذا الخلاف في وقت لاحق في عهد المرحوم فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود، وبما أنني أحد أحفاد هذا العالم الجليل فأقول "الدكتور محمد الفحام توفاه الله عام 1980 في بيته بالإسكندرية ودفن في مدافن العائلة الموجودة في الإسكندرية (مدافن المنارة) وذلك عن عمر يناهز السادسة والثمانين عامًا، بعد أن أصيب بكسر في عظام الحوض أثناء الوضوء، وكان صائما رغم كبر سنه، وقبل وفاته تمت تسمية الشارع الذي يسكن فيه (شارع أبي قور سابقا- بالإبراهيمية) شارع الشيخ الدكتور محمد محمد الفحام، وبعد وفاته توفى ثلاثة من أبنائه وتعيش عائلته بأكملها في مصر، وأخيرا أرجو أن تكون الحقيقة واضحة -لمن أراد الحقيقة- وأرجو إعمال الفكر والعقل لدرء هذه الشائعة التى أقل ما يقال عنها بأنها ساذجة، وتندرج تحت مسمى القصص الساخرة غير المحبوكة، رحم الله جدي وألحقني معه في الفردوس الأعلى.
سيناريو آخر
وكان من ضمن الرويات التى قيلت عن سبب اتهام الشيخ الفحام باعتناق المسيحية هو العلاقة الودودة والطيبة مع رجال الدين المسيحي، وحسب رواية أًصحاب هذا الزعم، يرجع ذلك إلى حادث ظهور السيدة العذراء في كنيسة الزيتون في الثاني من أبريل عام 1968م، وأنه ذهب للكنيسة ورأى بالفعل العذراء لكنه أقنع نفسه أنها وساوس من الشيطان، لكنه ذهب عدة مرات وفي كل مرة كان يرى العذراء.
وتقول تلك الرواية: في النهاية استسلم الشيخ الفحام للأمر الواقع لكنه رفض في داخله أن يكون ظهور العذراء في الكنيسة دليلا على صحة اعتقاد المسيحيين وخطأ عقيدة المسلمين، وبدأ يقرأ الكتاب المقدس، وهكذا بدأ التحول الأول في حياة الفحام- حسب الرواية.
ومن الردود على تلك الشائعة أيضًا ما ذكره الكاتب الإسلامي عبد اللطيف في تصريحات له، قائلًا إن الشيخ الفحام كان شخصية فقهية ولغوية كبيرة ونفى أن يكون قد ترك الإسلام قبل وفاته، كما تحدث حفيده "محمد إبراهيم محمد الفحام" إلى بعض وسائل الإعلام نافيًا ما تردد عن تلك الشائعة، وذكر أن أسباب استقالته من مشيخة الأزهر هو وجود خلافات بين المشيخة ووزارة الأوقاف لهيمنة وزارة الأوقاف على تحركات شيخ الأزهر في السفر للخارج وهو ما رفضه الفحام، ولهذا ولاعتبارات صحية قدم استقالته وقبلها الرئيس السادات.
وقال محمد ابراهيم الفحام أن جده رد على مزاعم هؤلاء في حياته عبر سلسلة حلقات بإذاعة القرآن الكريم بعنوان: "إن الدين عند الله الإسلام" قائلًا إن من أشاعوا ذلك استغلوا انفتاحه على رجال الدين المسيحي وسماحته معهم.
أبرز المحطات في حياة الشيخ الفحام
1. ولد الشيخ الفحام في الثالث عشر من يونيو عام 1903م، وحفظ القرآن الكريم وجوده في صغره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية ولفت فيه انتباه أساتذته حسبما يذكر موقع دار الإفتاء المصرية، فكان مولعًا بجميع المعارف والعلوم خاصة علم المنطق وعلم الجغرافيا، بل ألف رسالة في المنطق وهو مازال في السنة الثانية الثانوية، واستمر الفحام بالدراسة الأزهرية حتى نال شهادة العالمية النظامية بتفوق عام 1922م.
2. بعد تخرجه، اشتغل الفحام بالتجارة وبرع فيها، لكن زملاءه نصحوه بأن يعود إلى الحياة العلمية مرة أخرى، وبالفعل تقدم لمسابقة أعلنها الأزهر لتعيين مدرسين للرياضة بالمعاهد الدينية عام 1926م، وبرع فيها وتم تعيينه في الإسكندرية في أكتوبر من نفس العام، ثم انتقل في عام 1935 لتدريس المنطق بكلية الشريعة، وبعدها بعام واحد اختير لبعثة علمية إلى فرنسا، فرحل إليها برفقة زوجته وبعض أبنائه.
3. حصل الفحام في بعثته على دبلوم مدرسة الإليانس فرانسيز في باريس عام 1936، وليس هذا فقط، بل نال دبلوم مدرسة اللغات الشرقية الحية في الأدب العربي عام 1941م، وفي نفس العام حصل على دبلوم آخر في اللهجات اللبنانية والسورية، ودبلوم لتأهيل تعليم اللغة الفرنسية من كلية الآداب جامعة بوردو.
4. حصل الإمام الفحام على الدكتوراه من فرنسا أيضًا وتحديدًا من جامعة السوربون وكان موضوعها "إعداد معجم عربي فرنسي للمصطلحات العربية في علمي النحو والصرف".
5. عندما عاد الفحام من فرنسا، عمل مدرسًا بكلية الشريعة ثم مدرسًا للأدب المقارن والنحو والصرف بكلية اللغة العربية حتى وصل لمنصب عميد الكلية، ودرس كذلك في كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1949م.
6. عين في مارس 1952م عميدًا لكلية اللغة العربية حتى أحيل إلى المعاش عام 1959م وصدر قرارًا جمهوريًا بمد خدمته عام ثم ثلاثة أشهر، ليترك العمل عام 1960م.
7. قام الفحام بعدة رحلات خارج القطر المصري حيث زار نيجيريا عام 1951م وباكستان بعدها بعام وأيضًا سافر إلى موريتانيا ممثلًا للازهر لدراسة أحوال المسلمين هناك، وشارك في مؤتمر باندونج بأندونيسيا عام 1965م، وزار ليبيا والجزائر والسعودية وغيرها من الدول.
8. في السابع عشر من سبتمبر عام 1969م صدر قرار بتعيين محمد الفحام شيخًا للأزهر من قبل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
9. في الفترة التي تولى فيها الفحام مشيخة الأزهر ظهرت حركة تبشير قوية، وحسب موقع دار الإفتاء المصرية، استطاع الفحام أن يوزان بين واجبه الديني بوصفه إماما أكبر للمسلمين، وواجبه الوطني في وحدة الصف ولم الشمل وتأمين الجبهة الداخلية.
10. انتخب الفحام عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 1972م، وفي مارس 1973 ونزولًا على رغبته، تم تنحيته من مشيخة الأزهر وعين بدلًا منه الشيخ عبد الحليم محمود، ليتفرغ للبحث العلمي والدراسة حتى وفاته في الثلاثين من أغسطس عام 1980م بالإسكندرية.