ما هي حدود السلطة التقديرية للخبراء؟
القاعدة الواجبة المراعاة هي أن للخبير التحرك في حدود السلطة التقديرية المخولة له فيما يخضع لتقدير الخبراء دون أن يترتب على ما ينتهي إليه اعتباره مرتكبًا لخطأ طالما أنه يمارس عمله بحسن نية متجردًا من سوء القصد أو الإهمال أو مخالفة القانون أو الغدر بالمصلحة العامة لتحقيق مصلحة خاصة له أو لغيره.
والقول بغير ذلك مؤداه أن يحجم كل مختص عن ممارسة سلطته التقديرية بالمرونة الواجبة، ومن ثم تسود البيروقراطية وتنمو روح التسيب والتسلب من ممارسة المسئولية تجنبًا للمساءلة عن كل إجراء يتخذه الموظف في حدود سلطته التقديرية التي تفترض القدرة على التحرك في المجال المتاح له قانونًا..
ولا مسئولية على الخبير الذي يشغل وظيفة فنية إن قام بعمل أو أدلى برأي في مسألة خلافية على قدر اجتهاده وما حصله من علم وخبرة، ولكن يُسأل إذا كان سيئ النية، أو إذا صدر رأيه عن جهل بين بالمبادئ المستقرة أو الأصول العلمية المسلم بها، وإذا كان نص القانون واضحًا لا لبس فيه فلا اجتهاد مع صريح النص، وإبداء الرأي أو الأخذ به في مسالة خلافية تمثل أكثر من وجهة نظر لا يُعد مخالفة تستوجب توقيع الجزاء.
الجهاز الحكومي
والاجتهاد في تحديد الحد الأقصى الذي لا يجب تجاوزه، لا يجوز محاسبة الخبراء عليه بوصف ذلك من المسائل الفنية الوارد الخلاف فيها، وإلا امتنع كل صاحب رأي فني عن إبداء رأيه، فما دام هذا الرأي لا يخالف يقينًا ثابتًا، وما هو معلوم من القانون بالضرورة فعليه الإدلاء برأيه بحرية، ومنع العامل من ذلك هو غلق لباب الاجتهاد، وهو أمر من شأنه أن يصيب الجهاز الحكومي والإداري بالجمود المطلق، ويؤدي في النهاية إلى توقف الحركة في هذا الجهاز، بما يقضي على أي أصل في تطويره.
جاء ذلك عبر حيثيات حكم قضائي مهم، والذي تضمن أن الثابت من الأوراق من خلال ما أقر به الطاعن الذي يعمل بإدارة مراقبة الحسابات الائتمانى الزراعي، بالجهاز المركزي للمحاسبات بالتحقيقات، بأنه قام إبان ممارسته لمهام عمله بمراجعته لتقرير مراقب حسابات الائتمان الزراعي والتعاوني، بشأن ميزانية الاتحاد التعاوني الزراعي المركزي، بإجراء تعديل فى ملاحظة مراقب الحسابات والمتضمنة عدم صحة قيام الجهة المراقب عليها فى تعلية مبالغ مالية 30% من فوائد ودائع وقروض دعم الجمعيات الصغيرة وذلك بتعديلها لعدم جواز صرف أية مبالغ مالية من المبالغ المعلاه قبل صدور قرار وزاري بذلك.
الجمعيات الصغيرة
وأقر بأنه قام بتعديل فقرة الرأي الواردة بذلك التقرير بنتيجة فحص ميزانية الاتحاد وصندوق الجمعيات الصغيرة وقيامه بالتبيلغ بهذا التقرير، وأن ما قام به في هذا الصدد هو من قبيل الإجتهاد الفني أثناء ممارسة مهام عمله، لاسيما وانه لم يثبت من الاوراق وجود سوء نيه أو قصد لدى الطاعن، أو أن الرأي الذي انتهى إليه كان يتضمن شذوذا عن المألوف أو خروجًا سافرًا عن المستقر عليه.
وورد بتقرير الادارة المركزية للتفتيش الفنى ومراقبة الجودة بالجهاز المركزى للمحاسبات لدى فحصها لموضوع المخالفات المنسوبة للطاعن من أنه لم يترتب ثمة ضرر مالي على قيام الطاعن بتعديل تقرير مراقب الحسابات، فالنتيجة في النهاية واحدة وهي عدم جواز الصرف من هذه المبالغ المعلاه لكون تعليتها كانت غير صحيحة من قبل الاتحاد، وأضاف التقرير بأن ما قام به الطاعن هو الخطأ الفني في أسلوب وطريقة التحفظ، فكان يتعين عليه التحفظ برأي عكسي وفق القواعد المنظمة للعمل الفني داخل الجهاز.
وإنتهى الحكم إلى أن الطاعن لا يكون قد أخل بواجبات وظيفته أو أتى عملًا من الأعمال المحرمة عليه أو سلك مسلكًا معيبًا ينطوي على تقصير أو إهمال في القيام بعمله أو أداء واجباته أو خرج على مقتضيات وظيفته أو إخلال بكرامتها أو بالثقة الواجب توافرها فيمن يقوم بأعبائها، الأمر الذى ينفي عنه شبه ارتكاب أي مخالفة إدارية تصلح لأن تكون سندا لمجازاته إداريا بسببها.. وللحديث بقية