يا صديقى.. لا تقطع أذنك
في واحدة من أبدع قصص التراث التي تحمل عظة عظيمة يُحكى أن أحد الملوك تأخرتْ زوجته في إنجاب ولي العهد، فأرسل لاستدعاء الأطباء من كل أرجاء المملكة، وشاء الله أن يجري شفاء الملكة على أيديهم.. فحملتْ بولي العهد، وطار الملك بذلك فرحًا، وأخذ يعد الأيام لمقدم الأمير، وعندما وضعت الملكة وليدها كانت دهشة الجميع كبيرة، فقد كان المولود بأذن واحدة!
انزعج الملك لهذا وخشي أن يصبح لدى الأمير الصغير عقدة نفسية تحول بينه وبين كرسيّ الحكم، فجمع وزراءه ومستشاريه وعرض عليهم الأمر. فقام أحد المستشارين وقال له: الأمر بسيط أيها الملك.. اقطع أذن كل المواليد الجدد، وبذلك يتشابهون مع سمو الأمير.
أُعجب الملك بالفكرة.. وصارت عادة تلك البلاد أنه كلما وُلد مولود قطعوا له أُذنًا.. وما إن مضت عشرات السنين حتى غدا المجتمع كله بأذن واحدة. وحدث أن شابًا حضر إلى المملكة وكانت له أذنان كما هو في أصل خلقة البشر.. فاستغرب سكان المملكة من هذه الظاهرة الغريبة، وجعلوه محط سخرية، وكانوا لا ينادونه إلا بـ«ذي الأذنين».. حتى ضاق بهم ذرعًا وقرر أن يقطع أذنه ليصير واحدًا منهم ويتخلص من مضايقتهم!
الله أحق أن ترضاه
والسؤال هنا: هل يمكن لمجتمع ما أن يكون معاقًا بالكامل؟ نعم.. لقد حدث هذا عدة مرات في تاريخ البشرية، فالله سبحانه وتعالى كان يرسل الأنبياء ليصححوا إعاقات المجتمعات الفكرية والسلوكية والدينية. فمجتمع إبراهيم كان معاقًا بالشرك، وكان إبراهيم بينهم غريبًا لأنه لم يكن يمارس إعاقتهم، ومجتمع لوط كان معاقًا بالشذوذ، وكان لوط بينهم غريبًا لأنه لم يكن يمارس إعاقتهم، ومجتمع شعيب كان معاقًا بالربا والتطفيف، وكان شعيب بينهم غريبًا لأنه لم يكن يمارس إعاقتهم. والأصل أن القاعدة الفقهية تقول: (إجماع الناس على شيء لا يُحله لو كان محرمًا).
فالخطأ يبقى خطأ ولو فعله كل الناس، والصواب يبقى صوابًا ولو لم يفعله أحد. فإذا كنت على يقين أنك على صواب، فلا تتنازل عنه أبدًا لإرضاء الناس.. فإذا كانوا هم لا يخجلون من خطئهم، فلم تخجل أنت من صوابك. وتذكر دائمًا أن كلمة "أكثر الناس" ما جاءت في القرآن إلا وتبعها: (لا يعقلون) (لا يعلمون) (لا يشكرون). يا صديقى لا تقطع أذنك ابتغاء مرضاة الناس؛ لأن الله أحق أن ترضيه.