سوء الظن!
كان أحد الرجال يستعد لاحتفال زواج ابنه الوحيد الذي وُلد بعد عشرين عامًا من زواجه، وكان كل الجيران يعلمون جيدًا مدى حب الرجل لابنه، وكيف كان مشغولًا للتحضير لهذا اليوم، وهو يرى ولده عريسًا، وبهذه المناسبة السعيدة قام الرجل في هذا اليوم بدعوة جميع جيرانه لوليمة غداء، لكن أسرة جاره الملاصق لبيته لم يحضر أحد منها إلا الإبن الأصغر، حضر وبسرعة خرج من الوليمة بعد أن أكل منها القليل. كان والد العريس يراقب المشهد ويتساءل: ما هذا الجار الذي لا يقف مع جاره في هذا الموقف؟! وما هذا الجار الذي لم يحضر أبوهم أو الولد الأكبر على الأقل؟! ولماذا أكل الولد الأصغر بهذه السرعة وغادر وترك المكان؟! الرجل أصابه الانزعاج من جاره، وخواطر كثيرة مرت على أفكاره.
بعد اكتمال الوليمة بدأ المدعوون بالتأهب لإحضار السيارات لجلب العروس من بيت أبيها.. وفي تلك الأثناء جاء الابن الأصغر للجار بسيارته للمساهمة في زفاف العروسين، لكن والد العريس رفض بشدة، وقال له: لا نريد مشاركتكم.. عندنا سيارات كثيرة. سكت الولد ولم ينطق بحرف واحد. في تلك الأثناء لمح الأب حركة غير عادية وغريبة في بيت الجار أثناء فتح الباب عندما ركن الابن سيارته عند بيتهم، وأراد أن يسأله، ولكن تذكَّر موقفهم السلبي فتركه. وبعد العشاء وإكمال مراسم الفرح وبعد أن غادر جميع الحضور إذ بجنازة تخرج من باب جاره من غير عويل ولا ضجيج، فسأل والد العريس من المتوفي؟
أسوأ الطباع
فرد عليه الابن الأكبر: إنه والدي توفي ظهر اليوم.. وعند شعوره باقتراب لحظة الوفاة أوصانا بالحفاظ على الهدوء وعدم إظهار الحزن إذا وافاه الأجل لتكتمل فرحتكم بولدكم؛ لأنه يعرف مدى حبك لولدكم الوحيد، وأوصانا أن تخرج الجنازة بعد انتهاء الفرح حتى لا تتعكر فرحتكم. هنا وقعت الحادثة كالصاعقة على والد العريس.. عندما ظن السوء بجيرانه، وقال: والله لو كنت أنا ما فعلتها.. ولكن الرجولة لها معادنُها ولا يفعلها إلا الرجال.. ما أتعس سوء ظني.. وما أنبل وأشرف تصرف جيرانى. وعاهد الله منذ ذلك اليوم ألا يسئ الظن بأحد مرة أخرى.
وأرجو أن تتذكر دائمًا يا صديقى أن سوء الظن هو واحد من أسوأ الطباع التي يمكن أن يحملها أي إنسان، فكم من جريمة ارتكبت، وكم من أسرة هدمت، وكم من صداقات تمزقت بسبب سوء الظن.. إن تقديم ظن الخير وإحسان الظن بالله والناس هو واجب مؤكد على كل إنسان.. فبه تصفو النفوس، وتتمتن العلاقات، وتنار القلوب، وتزداد المحبة، وذلك إلى الله أقرب.