رئيس التحرير
عصام كامل

أحوالنا المادية

بيوت كثيرة مفتوحة، فيها أفواه مفتوحة، ومطالب بلا نهاية، مشفوعة بزن وأنين، يتحولان إلى زعيق فصراخ فسباب فجريمة الإ من غادر مسرعا مسرح الغضب وأفلت من مصيدة الشيطان. بيوت كثيرة معطلة. الرزق فيها واقف. جامد. النظرات إلى السماء ترتد حسيرة، والنظرات إلى الغير ممتلئة حساب وغيرة. نعم هنالك الآن فى المجتمع المصرى حالة احتياج مفتوحة. البيت يعني إيجار أو قسط. كهرباء. ماء. غاز. بواب. مدارس. دروس. مواصلات. ملابس. طعام. موبايلات ومكالمات وشحن. مجاملات ولادة. نجاح. مرض.

 

الحصر صعب.. لكنه مصحوب بعد أصابع الكفين. لا شئ يكفي. من أجل هذا نجد أن من العقل التحذير، والتنبيه بأن القسمة فى الرزق تبدو الآن وتحت ضغوط ثقافة العوز، غير مقبولة، وغير مرضية. بالطبع هناك برامج رعاية اجتماعية وتكافل.. وبالطبع الحكومة زودت المرتبات، قدر طاقتها، وبالطبع منتهى طموح النظام إسعاد الناس، لكن، في الحقيقة، ان الناس تعبانة. يؤلمك ان نصف قيمة فاتورة موبايلك تبلغ ال٥٠٪؜. يؤلمك أن الحر الجحيمي الذي تتعرض له البلاد، سيكون أرحم من فاتورة الكهرباء. 

أحوال الطبقة المتوسطة

ليس بوسع مصري من الطبقة المتوسطة، دنيا وعليا، أن يضع ميزانية تحت السيطرة. إنك لا تدرى ماذا سيقع. مرض طارئ. حادث طارئ. مناسبة قهرية. البعض يتصرف. البعض يقعد حسيرا. كثيرون يلزمون الكنب توفيرا.. لكن ملازمة الكنب يخلق متلازمة الوهن والاكتئاب.. والحنق والاحتقان.. فالانفجار أو الرغبة العارمة في الرحيل عن هذه الدنيا. تعاني الطبقة المتوسطة أشد ألوان المعاناة، أقرب إلى العوز. تدبرها من هنا، تنفتح من هنالك. كالغربال. لاشئ يستقر. قطاع كبير من الطبقة المتوسطة هم الآباء على المعاشات.. أولادهم بلغوا الثلاثين ولم يحصلوا على عمل بعد، وبالتالي لا زواج.. هؤلاء عبء على الأهالي.. فضلا عن أن الموظف الكبير، والكاتب الكبير الذي على المعاش.. هو ذاته مقتطع منه اقتطاعا..

لا أفهم كيف لمن وضع قانون المعاشات أن يعتبر الخارج على المعاش خارجا عن الحياة وأن بضع مئات أو ثلاثة ألاف أو خمسة حتى يمكن أن تكفيه.. إطعاما وعلاجا ودواء وإعالة!

نعيش حالة طمأنينة أمنية بلا جدال وهذا أمر جدير بالامتنان والاحترام.. ونتابع التعمير والرغبة الكاسحة للرئيس في تحقيق الحلم المصري العظيم وهذا أيضا أمر يثير العزة الوطنية والتباهي، لكن من الواجب الالتفات بعين حانية إلى الأوضاع المادية لقطاعات كبيرة، يغلبها الحياء أن تمد يدها، لأنها هي من تحملت وصبرت وعلمت وأنفقت وقدمت للوطن ولاتزال المهندس والضابط في الجيش، والضابط في الشرطة والمحامي والطبيب والعالم والكاتب والمعلم..

نحن عمود الوطن. الطبقة المتوسطة، هم أساس التطور، وهم عقل ووجدان البلد. لا يجوز افقارهم أكثر من هذا.

الجريدة الرسمية