رئيس التحرير
عصام كامل

مدن القنال والبطولات المنسية؟!

لماذا أعشق مدن القناة بورسعيد والإسماعيلية والسويس؟ هذه المدن كانت دائما الدرع الواقى لمصر وأهلها، كانت تدفع الثمن غاليا، ولم يحدث أن أهلها تململوا من الثمن الذى يدفعونه دفاعا عن مصر، أعشق هذه المدن التى أنجبت دائما الأبطال رجالا ونساء وأطفالا.

 

 لا يشعر الإنسان بفداحة الحدث أو المصيبة وتوابعها المؤلمة إلا إذا جرب نفس الموقف، ويقول المثل "اللى إيده فى الميه مش زى اللى إيده فى النار" و"ما حك جلدك مثل ظفرك"، كنا أطفالا ولكن لا ننسى ثوب الحزن الذى لف كل شىء حولنا، فى قريتى -الشين غربية– وفى عصر أحد أيام صيف 67 الذى طال ولا يريد أن ينتهى، فوجئنا نحن الأطفال بعدد من الاتوبيسات مزدحمة بركابها، وأعلى الأتوبيسات حقائب كبيرة وكثيرة، من هم؟ لا نعرف! من أين وإلى إين؟ لا نعرف 

 

أخذنا الفضول للجرى إلى الأتوبيسات للتعرف على هؤلاء الذين توقف بهم السائقون، فربما تاهوا عن الطريق، وهذا أمر متكرر لمن يأتون إلينا من خارج المحافظة، وما هى لحظات حتى ونزل الركاب، وظهر أعضاء الاتحاد الإشتراكى ومجلس محلى القرية فى قريتنا، وعدد من شباب القرية معهم، وسمعنا لأول مرة جملة: أصل دول مهاجرين!

لم نسمع عن الهجرة إلا عن هجرة سيدنا رسول الله فى المدرسة، اقتربت من الأطفال الذين فى مثل سنى، جمال وأبو وردة، غريب هذا الشعب المصرى، تعرفت عليهما، وتكلمنا وكأننا أصدقاء، واشتريت عسلية محشية قمنا بتقسيمها علينا نحن الثلاثة، واندهشوا من حلاوة العسلية غير الموجودة فى بورسعيد مدينتهم.

 أهل بورسعيد الأبطال

هذا اليوم لا يمكن أن يمح من ذاكرتى، تم توزيع الأسر على مبنى الاتحاد الاشتراكى، وإحدى العمارات كانت مخصصة للعاملين فى الجمعية الزراعية والإصلاح الزراعى، ربما يرى البعض الصورة بأنها جميلة، ولكن الواقع كان صعبا بل مؤلما، ففى الشقة سكن فيها أكثر من أسرة وأحيانا ثلاثة، وفى مبنى الاتحاد الاشتراكى تم تقسيم الغرف بألواح خشبية للفصل بين الأسر.

هذه الصورة ليست كل شىء، قريتى ليس فيها كهرباء أو مياه فى البيوت، الكهرباء فقط عن طريق مولد فى المقهى لمشاهدة مباريات الكرة، والمياه فى عدد من البيوت تعد على أصابع اليد من خلال خزانات تملء برفع المياه، أو فى بيوت حديثة خارج كردون البلد تم الإستفادة من إدخال المياه للبيوت.

لابد من رسم هذه الصورة، حتى نعرف مدى الصدمة التى كانت فى انتظار عشرات الآلاف من الأسر عندما تم تهجيرهم فى قرى مصر، هذه الأسر كانت تعيش فى مدينة بورسعيد التى مثلها مثل المدن المتوفر لها الكهرباء والمياه، وكل ظروف الحياة الحضرية وليس الريفية، التى تعتمد فيها الأسرة على فعل كل شىء بنفسها، ملء المياه، الاستعانة بلمبة الجاز، والخبز يتم فى البيت فى الفرن، هؤلاء ملح الارض، فقراء الوطن الذين لم يتمردوا أو يتململوا، بل إنهم ارتضوا وكانت على وجوههم حالة من الرضا الذى لا يمكن أن يمنع الحزن للهزيمة التى أصابتنا، والحزن على ترك البيت وتراب بورسعيد الباسلة، كان يردد البعض منهم، كيف سيمر يوم لا نرى مياه القناة والميناء؟!

لن يشعر بمرارة هذا الموقف سوى من جربه وعاش صدمته العنيفة، لهذا أشعر بدين دائما فى رقبتى لأهلى فى خط القنال الأبطال، هنيئا لهم بتاريخهم المجيد وهنيئا لنا بهم. 

تحيا مصر بابطال بورسعيد.. وفدائية الاسماعلاوية.. ومعجزة المقاومة للسوايسية.

الجريدة الرسمية