شدوان ومعركة الأبطال!

منذ نكسة يونيو لم يعرف النوم القيادتين السياسية والعسكرية، فى سباق مع الزمن لتحرير الأرض والثأر من العدو الصهيونى، وكانت كل معركة يخوضها جيش مصر من أبناء الفلاحين والعمال درسا مؤهلا للمعركة الكبرى، وكان لابد من تحطيم مقولة "الجيش الذى لا يقهر" ومعركة شدوان لها أهمية كبيرة جديرة أن نلقى الضوء عليها حتى يعرف الآجيال الحالية والقادمة الثمن الذى دفعه الشعب المصرى من دماء أبناءه من أجل التحرير.

ما أهمية جزيرة شدوان فى معركتنا مع العدو الصهيونى؟ إنها تقع فى المدخل الجنوبى لخليج السويس، وبالتالى فهى تتحكم فى الخط الملاحى من وإلى الخليج، ومن يضع يده عليها يتحكم فى الخط الملاحى وحركته من وإلى الخليج.

وبنظرة أكثر عمقا للموقع فإنه لوجود جزيرتى الجفتون الكبرى والصغرى أمام الغردقة وعلى مسافات متقاربة مع جزيرة شدوان، بالاضافة إلى جزيرة الطويلة وجزيرة قيسون الشمالية والجنوبية، مما يجعل الطريق الملاحى الوحيد لدخول خليج السويس يخضع لسيطرة القوات التى تسيطر على جزيرة شدوان، كما أن وجود فنار بها له أهمية قصوى للإرشاد الملاحى خاصة أن المنطقة غير مؤمنة ملاحيا.. وبالتالى السيطرة على جزيرة شدوان بالإضافة لوجود قاعدتى الغردقة الجوية والبحرية يحقق السيطرة الكاملة على مدخل الخليج وميسره.

وحتى نتخيل الجزيرة جيدا فهى ليست أرض منبسطة وخضرة، أولا طول الجزيرة 13 كيلومترا وعرضها يبلغ 6 كيلومترات، والأهم من هذا إنإرتفاع الجبال فيها بين 213 قدما إلى 301 قدم، ويوجد على شاطىء الجزيرة فنار لإرشاد السفن ليلا لمنع إصدامها بالشعاب المرجانية.

لهذا كان العدو الصهيونى يدرك جيدا أهمية هذه الجزيرة، وبالتالى قرر أولا الهجوم عليها وفصلها تماما عن القوات المصرية،وثانيا احتلالها إن استطاع، بحيث يحقق الأمرين بضربة واحدة.

فى الثامنة والنصف  صباح يوم 22 من يناير 1970 بدأ العدو الصهيونى، بكتيبة مظلات، وسرية إستطلاع، طائرات هليكوبتر، قوة من قوة الماتاكال (القوات الخاصة) فى مواجهة 106 فرد فقط بين سرية صاعقة وقوة بحرية وعناصر مهندسين،بينهم سبعة أفراد لتشغيل الفنار.

وبالرغم من أن القوة المصرية كانت قليلة العدد لمجابهة قوات العدو، إلا إنهم كانوا أبطالا فقد حرص العدو على قطع التواصل بين القوة المصرية وقيادة منطقة البحر الأحمر، حيث بدأ العدو فى قصف الجزيرة لعدة ساعات متتاليةثم حاصرالجزيرة برا وبحرا وجوا، مع نداءات باستخدام الميكروفونات للاستسلام، إلا أن شباب مصر رفض الاستسلام وقرر المقاومة والإستشهاد، وعلى مدى يوم 22 من يناير وحتى الخامسة من عصر يوم 23 من يناير، دارت معارك عنيفة..

أكثر من 36 ساعة من القتال المتواصل كانت نتيجته أن رجال مصر أجبروا قوات العدو على الانسحاب، رغم القصف المتواصلللطيران الصهيونى بما فى ذلك أثناء الليل، وخاصة عند منطقة الفنار، وقطع الطريق على أى دعم يأتى للجزيرة، وبالفعل استطاع إصابة لنش من لنشين تم الدفع بهما، ولكن نجحت قوات الدفاع الجوى من إسقاط طائرتين للعدو، وإستمرت المعركة فى محاولة من العدو الصهيوني للسيطرة على الجزيرة ولكنه فشل رغم تفوقه العددى والأمدادات التى وصلت إليه ليلا مما إضطر جنود العدو إلى الإنسحاب من الجزيرة، وقدرت خسائر العدو الصهيوني بحواليخمسين ضابطا وجنديا بين قتيل وجريح، كما قامت قواتنا بالإستيلاء على عدد من الأسلحة التى تركتها العدو، فى المقابل دفع شباب مصر من أبناءه 80 فردا بين جريح وشهيد ومفقود بما فيهم المدنيون الذين كانوا يديرون الفنار، وتعتبر هذه المعركة رمزا للفداء والصلابة والجرأة الذى وصل في هذه الجزيرة لأقصى حد.

وقد إدعى العدو إنه لم يكن ينوى إحتلال الجزيرة، وبرر خبراء العدو إن الهدف كان التأثير النفسى والمعنوى والإعلامى مصريا وعربيا، أى أن الهدف كسر معنويات المصريين والعرب بعد ضربات القوات الخاصة المتعددة خلف خطوط العدو، إلا إن المدهش ان معركة جزيرة شدوان تابعها الشعب المصرى بحماس شديد، وبدلا من كسر معنوياته كما أراد العدو الصهيونى إرتفعت معنوياته للسماء مشيدة ببطولة وبسالة الشهداء والجنود أبناء مصر من العمال والفلاحين، ولم يستطع العدو مجرد العودة إلى الجزيرة مرة أخرى، وأصبحت معركة شدوان وشهدائها وسام على جبين كل مصرى.