في ذكرى ميلاد رائد المسرح
حفظ القرآن وصدفة جمعته بالريحاني.. حكاية بديع خيري من موظف تليفونات إلى رائد الكتابة المسرحية
الفنان والكاتب الراحل بديع خيري، أحد أهم وأشهر كتاب المسرح، ممن أخرجت أعمالهم عمالقة في الفن والإلقاء على خشبة المسرح، حتى أنه لقب بـ «رائد الكتابة المسرحية»، وخلال مسيرته الفنية والأدبية وكون ثنائيات فنية ترسخت في أذهان وعقول الجمهور على المستويين المحلي والعربي، وكان أبرز تلك الثنائيات ذلك الديو مع رفيقه وتوأمه الفني الفنان الراحل نجيب الريحاني.
اشتهر بديع خيري بتقديم الكثير من الأعمال المسرحية مع نجيب الريحاني في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، ذلك الثنائي جمع بينهما حب الفن ولم تفرقهما الديانة، التقيا في عام 1918م، وقبل شهور من اندلاع ثورة 1919، عندما التقى لأول مرة مع صديقه نجيب الريحاني، حيث كانت أول تجربة فنية جمعتهما في رواية "على كيفك".
بديع خيري والمسرح
بدأ ارتباط بديع خيري بالفن من صغره، ففي أحد الحوارات النادرة له، روى أنه منذ سن مبكر كان هوًا للمسرح، ودائم التردد على المسارح، مستمعا، ومرددًا وراء المؤديين على خشبة المسرح، وحينما فشل في اقتحام ذلك المجال في البداية لحداثة سنه وقلة خبرته المسرحية، ومن إلى فن المونولوج الذي بدأ فيه، مؤديًا للمونولوجات مغنيًا وراقصًا، وبعدها نضج طموحه الأدبي والفني، فقرر كتابة المونولوجات لزملائه ممن يرغبون في تأدية شكل جديد في هذا اللون الفني.
بديع خيري وفن المونولوج
وكان لدخوله مجال المونولوج قصة، ترجع تاريخها لما بعد عام 1914، والذي عرف بعام حرب 14، وبعدها «موجة» شبابية، بأن أي شاب هاوٍ للتمثيل، وغير غادر على دخوله، يتجه لذلك اللون الغنائي الفكاهي المعروف بـ«المولونوج»، وبالفعل كون مع مجموعة من زملائه فرقة يتولى بديع خيري الكتابة لها بالمجان، وكان وهو لم يتجاوز سن الـ13 عاما قام بكتابة أول قصيدة له باللغة العامية، وكتبها تحت اسم مستعار «ابن النيل»، واستمر في كتابة القصائد بعدها في صحف (الأفكار – المؤيد – الوطن – مصر).
عمل بديع خيري
عانى بديع خيري في بداياته الفنية ضيق ذات اليد، خاصة أن كتاباته للمونولوج كانت بالمجان وبالطبع لم تكن تدر له أي دخل، فقرر أن يبحث عن وظيفة بجانب مجاله الفني، فعمل في أول حياته بهيئة التليفونات المصرية بعد تخرجه في "مدرسة المعلمين العليا".
كتابة المونولوج
قطع الكاتب الراحل بديع خيري، شوط مع فرقته وكتاباته المجانية للمونولوج إلى ان سمعت به فاطمة قدري، وطلبت منه أن يكتب لها مونولوج مقابل 50 قرش، وكان هذا أول مبلغ مالي يتقاضاه بديع خيري من قلمه، معبرًا عن ارتباطه واعتزازه بذلك المبلغ المالي، حتى أنه وصفه فالأفضل لديه من 50 أو 500 جنيه.
نادي التمثيل العصري
خطوة ومحطة جديدة في حياة بديع خيري الأدبية والتي قربته من المسرح بعدما أسس مع مجموعة من زملائه من محبي الفن والثقافة، فرقة مسرحية أطلق عليها «نادي التمثيل العصري»، ضمت مجموعة من المثقفين، ومن رحم تلك الفرقة ولدت أولى مسرحياته التي قام بتأليفها بعنوان «أما حتة ورطة»، وكان التحدي في تلك المسرحية انها كانت ذات طابع كوميدي خالص بدون أي استعراضات او أغاني.
مسرحية أما حتة ورطة
ولم تكن مسرحية بديع خيري الأولى «أما حتة ورطة»، مجرد محطة فنية ونافذة له في عالم المسرح فقط، ولكن كان لها الفضل في لقائه الأول برفيق دربه الفني الفنان الراحل نجيب الريحاني، حيث كانت فرقة بديع خيري تقدم أحد عروض المسرحية على مسرح "L'Egyptien" وكان نجيب الريحاني يسكن فوق المسرح وبالصدفة بعدما سمع ضجة في المسرح، أثاره الفضول الفني للتعرف على تلك الفرقة وخرج منها صديقًا لبديع خيري.
مواهب بديع خيري
لم يأتِ وصف رائد الكتابة المسرحية الذي لقب به بديع خيري من فراغ، فكان من أشد المتعلقين بالمسرح، حتى أنه حينما رسب في اختبارات التمثيل، لم يرضخ للتجربة وقرر الإفصاح عن الفن بداخله، والذي حرص منذ طفولته على تأسيسها والعناية بها بشكل جيد، فحرص على حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وصولًا للاهتمام بدراسته في إحدى المدارس الأميرية بحي المغربلين، كما أنه اختار مجالًا للعمل ساعد على زيادة معارفه، فعندما تخرج عام 1905م في معهد المعلمين، عين مدرسًا للجغرافيا واللغة الإنجليزية، وساعده عمله ومعرفته باللغة على تفتيح مداركه لعشق الشعر وكتابته.
مولد بديع خيري
الجدير بالذكر ان ولد بديع خيري في 17 أغسطس 1893، بحى المغربلين أحد أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، ودخل الكتاب وحفظ القرآن وكتب الزجل في سن مبكر من عمره ثم أنهى دراسته وعين مدرسا، بدأ بكتابة المونولوج ثم كتابة المسرحيات فكانت أول مسرحياته هي "أما حتة ورطة" ثم تعرف على نجيب الريحاني عام 1918 وكان أول اشتراك لهما رواية "علي كيفك"، كتب بديع خيرى أيضا أوبريتات منها أوبريت (العشرة الطيبة)، وسافر بديع خيرى ونجيب الريحاني إلى الشام واكتشفا بديعة مصابني. كان صديقا مقربا لنجيب الريحاني، وتوفي في 1 فبراير 1966 عن عمر ناهز الـ 72 عامًا.