الحكومات والدعم!
الدعم ليس بدعة مصرية لجأت إليها الدولة حينما كانت تتبنى نظام اقتصاد الدولة، ولكنه سياسة مارستها دول عديدة مختلفة تتبنى النظام الرأسمالى، وفى المقدمة منها الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها التى تقدم دعما كبيرا لمزارعيها لتضمن سيطرتها على السوق العالمى للمنتجات الزراعية، وللعاطلين عن العمل بتقديم منحة بطالة لهم.. وقد سبق مصر فى تقديم الدعم دول أخرى عديدة تنهج سياسة اقتصاد السوق.
وهكذا ليس الدعم منحة تمن بها الحكومات على مواطنيها، إنما هو واجب عليها أن تقوم به لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين غير القادرين أو الذين يقعون تحت خط الفقر.. وثمة دول تتباهى أنها تقدم الدعم لمواطنيها مثلما تتباهى دول أخرى بتوفير تعليم مجانى للتلاميذ والعلاج المجانى للمرضى فيها.
لذلك لا يعارض صندوق النقد الدولى تقديم الحكومات الدعم للمواطنين، وإنما هو يتحفظ فقط على الدعم السلعى ويطالب بتحويله إلى دعم نقدى.. وعندما سعت مصر إلى التعاون مع الصندوق طالبتنا إدارته بدعم الفئات التى سوف تتضرر من برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى التزمت به مصر، وتضمن تعويما للجنيه ترتب عليه خفض قيمته تجاه العملات الأجنبية، وبالتالى ارتفاع فى معدل التضخم وزيادة فى أسعار كل السلع، ومنها السلع الغذائية، ومن هنا ظهرت برامج الحماية الاجتماعية، وأهمها برنامج تكافل وكرامة، والذى أسهم البنك الدولى فى تمويله.. كما أن صندوق النقد الدولى لم يطالبنا بمراجعة الدعم المقدم للغذاء على غرار ما فعل بالنسبة لدعم الطاقة وقبل بزيادة مرتبات الموظفين والمعاشات أيضا.
وكل ما يشغل حكومات الدول التى تقدم دعما لبعض مواطنيها ليس التخلص من عبء هذا الدعم، وإنما ضمان وصول الدعم لمستحقيه بالفعل، وحجبه عن غير المستحقين، ولذلك عندما تصلح الحكومات نظام الدعم فإنها يتعين عليها أن تهتم أولا بمصلحة عموم الناس، خاصة غير القادرين، وليس فقط مصلحتها المتمثلة فى إصلاح الخلل فى موازنتها الذى يتمثل فى عجز الموازنة.