رئيس التحرير
عصام كامل

هروب الرئيس

مثل قطع الدومينو المصفوفة عندما تسقط إحداها.. سقطت مدن أفغانستان واحدة تلو الأخرى في يد حركة طالبان، سرعة السقوط لم تكن متوقعة، حتى من طالبان نفسها، تبخر الجيش الذي دربته أمريكا طوال عشرين عامًا، وتبخرت أمريكا بنفوذها وهيمنتها وآلياتها العسكرية التي صارت في يد طالبان، وتبخرت أموالها التي أنفقتها والتي زادت على تريليوني دولار، ومعها تبخرت دماء الآلاف من جنودها، ومع تلاحق الأحداث.. تلاحقت تصريحات المسئولين الأمريكان لا عن إعادة الكرة وإعلان الحرب على طالبان.. ولكن على سرعة إجلاء جنودها ورعاياها بطائرات كان مهبطها سطح السفارة الأمريكية في كابول، تاركة العديد من علامات الإستفهام.. لماذا ذهبت إلى أفغانستان قبل عشرين عامًا؟ ولماذا خرجت منها؟ وهل حققت أهدافها بعد أن بذلت المال والدماء؟ 

 

 

السقوط المدوي للمدن الأفغانية وهرولة أمريكا لإجلاء رعاياها رآه البعض نجاحًا لطالبان، بعد صمود امتد من ٢٠٠١ وحتى الآن، وذهب البعض الآخر إلى تفسير أقرب للمنطق، وهو أن سيناريو جديدا تعد له أمريكا وفيه يتم توظيف طالبان لنقل الصراع إلى منطقة جديدة لاستهداف الصين، لذلك صاغت أمريكا هذا السيناريو الهابط وغير المقنع لتمكين طالبان.

 

الحقيقة لم تتضح بعد، لكن المؤكد أن طالبان سيتم استخدامها، حتى لو غيرت سياستها التي انتهجتها في تسعينيات القرن الماضي، وحتى لو أعطى قادتها وفي مقدمتهم محمد نعيم المتحدث بإسم مكتبها السياسي الذي يطل كل ساعة من الشاشات ليؤكد إحترام الحركة لحقوق المرأة وحرية التعبير والانفتاح على العالم، واحترام دول الجوار والاستعداد للحوار مع الجميع، فأمريكا لن تخرج من أفغانستان بهذه الطريقة غير المقنعة إلا إذا كانت لها مآرب أخرى. التساؤلات الكثيرة التي خلفتها الأحداث المتلاحقة في أفغانستان لا يضاهيها السؤال الأهم: لماذا هرب الرئيس الأفغاني أشرف غني بهذه السرعة؟ 

 

هروب الرئيس الأفغاني

 

ثلاثة أيام تفصل بين جولة أشرف غني في كابل لطمأنة المواطنين وتجديد الثقة في الجيش وبين هروبه مع زوجته ومستشاره للأمن القومي، والعجيب أن الرجل لم يشعر بالحرج فيلتزم الصمت مثل نظرائه في أوكرانيا أو تونس، فمن مخبئه بدأ في شن حربًا كلامية على طالبان على طريقة (متقدرش) في مسرحية محمد صبحي الشهيرة، قال الرئيس الهارب لطالبان: لقد انتصرتم في الحرب، لكنكم خسرتم قلوب الشعب الأفغاني، ثم راح ينصح طالبان بوضع خريطة لمستقبل البلاد، ويطالبهم بإعطاء الأمان للمواطنين.

هروب الرئيس الأفغاني يعطي مصداقية لطالبان أمام الشعب، ويؤكد فساد الرئيس، وأنه مستعد للتضحية بالشعب من أجل الحفاظ على حياته والاحتفاظ بمنصبه، تلك هي الصناعة الأمريكية للرؤساء، تصعد سريعًا، وتتهاوى سريعًا، صناعة أخف من المناديل الورقية، مصيرها سلة المهملات بعد استخدامها.

besheerhassan7@gmil.com

الجريدة الرسمية