تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة سميرة موسى
سميرة موسى قصة كفاح أول عالمة ذرة مصرية وأول معيدة في كلية العلوم والابنة البكر للعالم المصري على مصطفي مشرفة التي توفيت في حادث غريب بعد دعوة زيارة لمعامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس عام 1952.
سميرة موسى
سميرة موسى ابنة قرية "سنبو الكبرى" ولدت بمركز زفتى بمحافظة الغربية فى الثالث من مارس عام 1917، لوالد يحتل مكانة مرموقة بين أبناء قريته نتيجة عمله بالتجارة، أبصرت النور لتجدها ضمن عائلة كبيرة تتكون من ستة أخوات وأخوين.
كان والدها يؤمن بأهمية التعليم فى تشكيل شخصيات أولاده، فسعى منذ اللحظة الأولى للاستثمار فى هذا المجال، وما إن شبت سميرة حتى أبدت تفوقًا فى القراءة والكتابة، ولم تكد تنهى مسيرتها العلمية الأولية فى مدرسة قريتها سنبو الكبرى حتى حمل والدها لواء الهجرة إلى القاهرة حتى يلتحق أبناؤه بمدارس القاهرة، وبين جنبات حى الجمالية، وفى أكثر أحياء القاهرة أصالة وعراقة نزلت الأسرة بمنطقة قصر الشوق، ورضيت بجوار الحسين - رضى الله عنه- جارًا وجوارا.
التحقت سميرة موسى بمدرسة قصر الشوق الابتدائية، ومدرسة الأشراف الثانوية، وتتلمذت على يد رائدة نسائية حملت بعضًا من اسمها، وأثرت كثيرًا فى مسيرة تحرير المرأة المصرية، وهى السيدة نبوية موسى - أول فتاة مصرية تحصل على البكالوريا-، وأشهر المناضلات ضد الاستعمار وأعوانه فى المحروسة.
وكان لهذه التلمذة أثرها البالغ على الصبية الصغيرة، فشبت متمسكة بكرامتها، لا تلهث وراء أموال طائلة أو عروض خيالية، مؤمنة بأن العلم ليس تجارة رخيصة تباع وتشترى، وأن الحرة تجوع ولا تأكل بنتاج فكرها.
وأظهرت سميرة موسى نجابة علمية جعلتها محط أنظار أساتذتها، فنالت الشهادات وحصلت على الجوائز، ولعل أشهر تلك الجوائز ما قامت بها أستاذتها نبوية موسى حين أسست لها أول معمل علمى فى مدرستها، كما أنها قامت بصياغة كتاب الجبر الحكومى لتسهيل لغة الرياضيات الجافة لأقرانها من الطالبات.
سميرة موسى ومصطفى مشرفة
وعلى الرغم من أن مجموعها فى شهادة البكالوريا "الثانوية" كان يؤهلها لدراسة الهندسة إلا أنها أصرت على الالتحاق بكلية العلوم بالجامعة المصرية، وهناك وبين مختبرات الكلية التقت سميرة موسى بأستاذها الدكتور على مصطفى مشرفة، الذى آمن بقدراتها العلمية فتبناها علميا وفكريًا فشملها بدعمه وتشجيعه حتى حصلت على درجة البكالوريوس من كلية العلوم، فكانت أول دفعتها، ما أهلها لتكون أول معيدة بكلية العلوم، جامعة القاهرة، برغم اعتراض الأساتذة الإنجليز آنذاك على تعيينها.
كان العالم آنذاك يجتاز مرحلة عصيبة ممثلة فى الحرب العالمية الثانية، جعلت سكانه يحبسون أنفاسهم خوفًا من فناء الدنيا نتيجة القاء بعض القنابل النووية، وحينما أصدر الرئيس الأمريكى هارى ترومان أوامرة إلقاء أول قنبلة نووية على مدينتى هيروشيما ونجازاكى كانت سميرة موسى تعكف على إنجاز كانت قد حصلت على درجة الدكتوراة عن تأثير الآشعة السينية على المواد المختلفة، وكانت قد حصلت على درجة الماجستير عن موضوع التأثير الحرارى للغازات. وسافرت إلى بريطانيا لدراسة الإشعاع النووى.
حلم السلاح النووي
كانت سميرة موسى تؤمن بأن السلاح النووى يمكن أن يؤدى إلى إرساء سلام الأقوياء فى المنطقة العربية دون إملاءات من الغرب، ولم يكن أدل على ذلك من تأسيسها لهيئة الطاقة الذرية، كما دعت إلى عقد مؤتمر "الذرة من أجل السلام" الذى شارك فيه كبار علماء الذرة فى العالم آنذاك.
وإلى جانب هذه الرؤية للذرة ففى مسألة "الحرب والسلام"، كانت سميرة موسى تسعى لاستخدام الذرة فى المجالات الطبية مثل علاج السرطان وغيره من الأمراض المستعصية، حيث كانت تقول: «أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين».
عُرفت الدكتورة سميرة موسى بمواهبها المتعددة، فأدمنت قراء الكتب حتى كونت مكتبة ضخمة تم إهداؤها للمركز القومى للبحوث بعد وفاتها، وأجادت العزف على العود وكتابة النوت الموسيقية، والنسج والتريكو، بالإضافة إلى شغفها بالتصوير، وكانت لها مبادراتها الاجتماعية الكبرى مثل محو الأمية فى الريف المصرى، وايواء المشردين فى الشوارع.
ضربة موجعة
شكّل يوم السادس عشر من يناير عام 1950 ضربة موجعة لسميرة موسى حين توفى أستاذها على مصطفى مشرفة، وعلى الرغم من الأمر بدا وكأنه أزمة قلبية مفاجئة، إلا أن أصابع الاتهام كانت تشير إلى ضلوع الموساد الإسرائيلى فى عملية اغتياله للحيلولة دون انتشار مجهوداته العلمية وخاصة فيما يتصل بأبحاث الذرة.
راجت الأبحاث العلمية التى كانت تجريها سميرة موسى، ما جعلها على رأس قائمة العقول العربية التى فُرض عليها خياران لا ثلث لهما، إما أن ترضى بالتجنيد والعمالة، وإما أن تموت بلا رحمة ليقبع معها حصاد فكرها فى قعر قبرها.
اغتيال سميرة موسى
وفي حادث مأسوي انحدرت السيارة التي تستقلها سميرة موسى بسرعة جنونية، وفى طريقها للسقوط، وعلى عادة هذا الزمان، قفز سائق السيارة لتهوى بها السيارة فى عمق منحدر جبلى لتموت سميرة موسى، وليختفى سائق السيارة إلى الأبد، وكشفت التحقيقات أن السائق كان يحمل اسمًا مستعارًا، وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها، إلا أن العديد من التقارير الاخبارية وجهت أصابع الاتهام الي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وحملتها مسؤولية حادث الاغتيال للعالمة المصرية.
وبالرغم من هذه القصة الحزينة ظلت سميرة موسى حاضرة في اذهان المصريين حيث حصلت سميرة موسى على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1981 فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وبقيت ذكراها حاضرة بحياة قصيرة ومسيرة علمية أطول عمرًا فى دنيا العلوم، لتضع نفسها ضمن مصاف العباقرة.