هل انتهت ظاهرة تلفيق القضايا؟ (1)
داخل طرقات المحاكم وفى قاعاتها يتزاحم المتقاضون.. كل منهم جاء بحثًا عن حقه الضائع، أو دفاعًا عن نفسه في قضية ما، وبين هؤلاء تبرز فئة أخرى من المواطنين، يتنقلون بين الأروقة والمكاتب، لتقديم معارضات في أحكام صدرت ضدهم دون أن يعلموا عنها شيئًا، ويسعون بكل جهدهم لإثبات براءتهم من اتهامات لفقها لهم أشخاص لا يعرفونهم، ولم يلتقوا معهم مطلقًا.
المستندات الدامغة تؤكد وجود مافيا تلفيق القضايا واستصدار أحكام غيابية أو حضورية، بهدف الانتقام من أصحابها أو ابتزازهم ماديا، متورط فيها بعض ضعاف النفوس من المحامين وصغار المسئولين، وتلك الأحكام تصدر بناء على أوراق مزورة وبسرعة غريبة، إذ تستغرق أقل من شهر بداية من تحرير المحضر وحتى صدور الحكم، وهو الأمر الذي يثير العديد من علامات الاستفهام، وبالبحث في هذا الملف الخطير، تم الكشف عن تفاصيل مثيرة أرويها في السطور التالية من خلال استعراض بعض القضايا
خيانة للأمانة
هناك عدد من الوقائع تتطلب وقفة ومراجعة دقيقة لتفاصيلها، والتحقيق في المخالفات التي شابتها، بدأت إحدى هذه القضايا الغريبة حيث تم تحرير المحضر رقم "1662 لسنة 2016" جنح الشروق، بمعرفة أحد أمناء الشرطة، وأثبت فيه حضور المحامي "ع غ س"، وكيلًا عن المدعو "ص ج ع" المقيم بالشروق بموجب التوكيل رقم 40 ب لسنة 2006، ليبلغ شفاهة عن تضرر موكله من المدعو "ع م أ"، مدعيًا قيامه باستلام مبلغ 100 ألف جنيه على سبيل الأمانة لتوصيلها إلى شخص آخر يدعى "م ع م"، إلا أنه لم يوصل المبلغ المالي وأخذه لنفسه ما يعد خيانة للأمانة.
وعندما شرع أمين الشرطة في كتابة المحضر في تمام الخامسة والنصف مساء، أثبت أنه اطلع على أصل التوكيل، وبمناسبة وجود المحامي أمامه شرع في سؤاله، فكرر ما جاء شفاهة على لسانه وأثبت عنوان إقامة المشكو في حقه بمدينة الشروق وقدم المحامي المذكور صورة ضوئية من إيصال الأمانة وصورة التوكيل، وأحيل المحضر إلى نيابة القاهرة الجديدة، التي أحالت المتهم خلال أيام قليلة إلى المحاكمة دون سؤاله في الاتهامات الموجهة إليه، وأصدرت المحكمة حكمًا غيابيًا ضده من أول جلسة بالحبس لمدة سنتين وكفالة 5 آلاف جنيه استنادًا على الصور الضوئية للمستندات المقدمة من المحامي
أصل التوكيل
وبعد أن علم "الضحية" بالحكم سارع بتقديم معارضة عليه، وبدأ في البحث والتحري عن تلك الواقعة خاصة أنه لا تربطه أي علاقة بالمدعي، ليكتشف أن التوكيل الذي قدمه المحامي لأمين الشرطة محرر المحضر "مزور"، وكذلك إيصال الأمانة، ولم تتخذ الجهات المختصة الإجراءات الواجب اتباعها في مثل هذه الحالات، من التأكد من أصل التوكيل وأصل إيصال الأمانة وغيره من المستندات.
الأمر الغريب والمثير أن المحضر الذي تلى المحضر السابق، والذي حمل رقم "1663" جنح الشروق، فقد حرره أمين شرطة آخر في تمام لساعة السادسة مساء نفس اليوم، أي بعد المحضر الأول بنصف ساعة فقط، وهو خاص ببلاغ مقدم من ذات المحامي، وكيلا عن شخص يدعى "ص ج"، المقيم في الشروق، بموجب نفس التوكيل السابق رقم 40 ب لسنة 2006، يتهم فيه "م.ح"، المقيمة في منطقة العباسية، بأنها حصلت من موكله على مبلغ 180 ألف جنيه، على سبيل الأمانة بغرض توصيله لشخص آخر وحررت إيصال أمانة بالمبلغ، غير أنها طمعت في الأموال واستولت عليها لنفسها، وقدم صورة من إيصال الأمانة المشار إليه.
حكم المحكمة
وأكد محرر المحضر أنه اطلع على التوكيل وإيصال الأمانة، وأحيل المحضر إلى نيابة القاهرة الجديدة أيضا، والتي بدورها أحالت المتهمة إلى المحاكمة استنادًا لما تم تقديمه من صور مستندات، وقضت المحكمة غيابيا في أول جلسة بدون إعلان بحبسها لمدة عامين وكفالة 5 آلاف جنيه، واستندت المحكمة في أسباب حكمها إلى تلك الأوراق المقدمة والتي تبين فيما بعد أنها مزورة أيضًا.
وهناك قضية أخرى أقامها نفس المحامى، وحرر محضرها الذي حمل رقم "1664" جنح الشروق بتاريخ 25 مارس 2016، في تمام الساعة السادسة مساء، أمين شرطة آخر، وأثبت فيه أن المحامي قدم توكيلا من المدعو "صلاح.ع"، يحمل رقم 40 لسنة 2006، وأبلغه شفاهة تضرر موكله من "ع.ف"، والذي حصل منه على مبلغ 120 ألف جنيه، على سبيل الأمانة، بغرض توصيله لشخص آخر، غير أنه طمع في المبلغ واستولى عليه لنفسه، ويعد بذلك خائنا للأمانة، وقدم صورة إيصال أمانة وأثبت محرر المحضر اطلاعه على أصل التوكيل وإيصال الأمانة.. وللحديث بقية.