لَمْ يَفُتْكَ الحجّ
أحزننا جميعًا قرار قَصْر فريضة الحجّ هذا العام على مواطني الأراضي المُقدّسة
في المملكةِ العربيةِ السعوديةِ دون غيرِهم؛ لِشَوْق جميع مَنْ في الأرض لزيارة
بيته المُعظَّم، لكن إنْ نَظَرنا للمآل، نجدُ أنَّه يُحقّق مقصدًا أَسْمى وهو من
أهمّ مقاصد الشريعة الإسلامية ألا وَهْو: حفظُ النفس؛ إذ بكثرة الأعداد قد تزدادُ
احتماليةِ انتشار الوباء –لا قدَّر
الله-، فوَجَب أخذ كافّة الاحتياطات اللازمة لمنع ذلك التوسّع والانتشار، ومنها
تقليل عدد الحجيج قدَْر الإمكان.
وإن تَمَعنَّا النَظَر في سماحةِ الشريعةِ الإسلاميةِ، نجدُ أنها لم تَحْرم من لم يُكتب له الحجّ من نَيْل الأجرِ والثواب، سواء في هذا العام لسببِ الوباء أو لضيقِ ذاتِ اليد في أيِّ عام، فشَرَعت له أعمالًا تَعْدِلُ ثوابَ الحجِّ أو العُمرةِ، ومن اغتنَمَها فقد فاز.
أعمال تعدل ثواب الحج
النيّة والعَزْم علَى أداءِ الحجّ أو العُمرة عند الاستطاعة؛ فإن نَوَى ولم يستطع الذهاب، أَخَذ مثل ثواب من زار وأدَّى هناك؛ قَالَ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم): " إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ". [أخرجهُ الترمذي].
ومنها برُّ الوالدين؛ إذ هي من أجلّ الأعمال؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟ " قَالَ: أُمِّي، قَالَ: " فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا " [أخرجه البيهقي في شُعُب الإيمان].
كما يعدله أداءُ الصلواتِ المكتوبةِ – أي المفروضة- في المسجد في جماعةٍ؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ». [أخرجهُ أبو داود]. وكذا جلسة الضُحى بعد صلاةِ الفجرِ في جماعةٍ؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ». [أخرجهُ الترمذيّ].
هذا مع الأخذِ بكافّة الإجراءات الاحترازية لمواجهةِ وباء فيروس كورونا، من التباعُدِ بين المُصلِّين وارتداءِ الكمامةِ وسجادة ٌخاصّة بكلّ مُصلّ، وهو من باب الأخذِ بالأسباب؛ إذ الأخذ بها عبادة في حدّ ذاتِه ومن قبيل حفظ النفس من الهلاك، والذي هو مقصد مهمٌّ من مقاصد الشريعة الإسلامية كَمَا مرّ.
فضل الذكر والتسبيح
كما حضَّ الإسلام على الذكر والتسبيح عقبَ الصلوات المفروضة لما فيهما من الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي عادلَ أجر الحجّ، خاصةً لمن لا يملك مال الحجّ لذهابه وإيابه، كما حدث مع الفقراء الذين جاءوا يشتكون حَالَهم إلى النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلم)؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ». [رواهُ البخاريّ].
ومن باب الحثّ على تعلّم العلم الشرعيّ ؛ فقد وضعت له الشريعةُ أجرَ من أدَّى العُمرة أو الحجّ؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامِّ الْعُمْرَةِ، فَمَنْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ فَلَهُ أَجْرُ حَاجٍّ تَامِّ الْحِجَّةِ» . [أخرجهُ الحاكمُ في المُستدرَك].
وقد أورد ابن رجب الحنبلي في هذا معنىً جميلاً في كتابه " لطائف المعارف" فقال: إن حُبسْتم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فهو الجهاد الأكبر ، أو أُحصرتم عن أداء النسك فأريقوا على تخلُّفكم من الدموع ما تيسَّر، فإن إراقة الدماء لازمةٌ للمُحصِر، ولا تَحْلِقُوا رؤوسَ أديانِكُم بالذنوب، فإن الذنوب حالقةُ الدين ليست حالقةَ الشعر، وقوموا لله باستشعار الرجاءِ والخوفِ مقامَ القيام بأرجاء الخيف والمَشْعر ، ومن كان قد بَعُد عن حَرَم الله فلا يبعِدَ نفسَه بالذنوبِ عن رحمةِ الله، فإن رحمةَ الله قريبٌ ممن تابَ إليه واستغفرَ، ومن عَجَز عن حّجّ البيت أو البيت منه بَعُد، فليقصِدْ ربّ البيت؛ فإنَّه ممَّن دعاه ورجَاه أقربُ من حَبْلِ الوريد.انتهى.
تقبَّل الله منا جميعًا صالح الأعمال ورَزَقَنا الله وإيَّاكُم حَجّ بيتِه الحرام أعوامًا عديدة، وتقبَّل من حُجَّاج هذا العام، ورفع عنّا الوباء والبلاء.. اللهُمَّ آمين.
وإن تَمَعنَّا النَظَر في سماحةِ الشريعةِ الإسلاميةِ، نجدُ أنها لم تَحْرم من لم يُكتب له الحجّ من نَيْل الأجرِ والثواب، سواء في هذا العام لسببِ الوباء أو لضيقِ ذاتِ اليد في أيِّ عام، فشَرَعت له أعمالًا تَعْدِلُ ثوابَ الحجِّ أو العُمرةِ، ومن اغتنَمَها فقد فاز.
أعمال تعدل ثواب الحج
النيّة والعَزْم علَى أداءِ الحجّ أو العُمرة عند الاستطاعة؛ فإن نَوَى ولم يستطع الذهاب، أَخَذ مثل ثواب من زار وأدَّى هناك؛ قَالَ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم): " إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ". [أخرجهُ الترمذي].
ومنها برُّ الوالدين؛ إذ هي من أجلّ الأعمال؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْتَهِي الْجِهَادَ، وَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: " هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ وَالِدَيْكَ؟ " قَالَ: أُمِّي، قَالَ: " فَاتَّقِ اللهَ فِيهَا، فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ فَأَنْتَ حَاجٌّ وَمُعْتَمِرٌ، وَمُجَاهِدٌ، فَإِذَا دَعَتْكَ أُمُّكَ فَاتَّقِ اللهَ وَبِرَّهَا " [أخرجه البيهقي في شُعُب الإيمان].
كما يعدله أداءُ الصلواتِ المكتوبةِ – أي المفروضة- في المسجد في جماعةٍ؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ». [أخرجهُ أبو داود]. وكذا جلسة الضُحى بعد صلاةِ الفجرِ في جماعةٍ؛ فعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَلَّى الغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ»، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ». [أخرجهُ الترمذيّ].
هذا مع الأخذِ بكافّة الإجراءات الاحترازية لمواجهةِ وباء فيروس كورونا، من التباعُدِ بين المُصلِّين وارتداءِ الكمامةِ وسجادة ٌخاصّة بكلّ مُصلّ، وهو من باب الأخذِ بالأسباب؛ إذ الأخذ بها عبادة في حدّ ذاتِه ومن قبيل حفظ النفس من الهلاك، والذي هو مقصد مهمٌّ من مقاصد الشريعة الإسلامية كَمَا مرّ.
فضل الذكر والتسبيح
كما حضَّ الإسلام على الذكر والتسبيح عقبَ الصلوات المفروضة لما فيهما من الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي عادلَ أجر الحجّ، خاصةً لمن لا يملك مال الحجّ لذهابه وإيابه، كما حدث مع الفقراء الذين جاءوا يشتكون حَالَهم إلى النبيِّ (صلَّى الله عليه وسلم)؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ». [رواهُ البخاريّ].
ومن باب الحثّ على تعلّم العلم الشرعيّ ؛ فقد وضعت له الشريعةُ أجرَ من أدَّى العُمرة أو الحجّ؛ فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يَعْلَمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامِّ الْعُمْرَةِ، فَمَنْ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُرِيدُ إِلَّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْرًا أَوْ يُعَلِّمَهُ فَلَهُ أَجْرُ حَاجٍّ تَامِّ الْحِجَّةِ» . [أخرجهُ الحاكمُ في المُستدرَك].
وقد أورد ابن رجب الحنبلي في هذا معنىً جميلاً في كتابه " لطائف المعارف" فقال: إن حُبسْتم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فهو الجهاد الأكبر ، أو أُحصرتم عن أداء النسك فأريقوا على تخلُّفكم من الدموع ما تيسَّر، فإن إراقة الدماء لازمةٌ للمُحصِر، ولا تَحْلِقُوا رؤوسَ أديانِكُم بالذنوب، فإن الذنوب حالقةُ الدين ليست حالقةَ الشعر، وقوموا لله باستشعار الرجاءِ والخوفِ مقامَ القيام بأرجاء الخيف والمَشْعر ، ومن كان قد بَعُد عن حَرَم الله فلا يبعِدَ نفسَه بالذنوبِ عن رحمةِ الله، فإن رحمةَ الله قريبٌ ممن تابَ إليه واستغفرَ، ومن عَجَز عن حّجّ البيت أو البيت منه بَعُد، فليقصِدْ ربّ البيت؛ فإنَّه ممَّن دعاه ورجَاه أقربُ من حَبْلِ الوريد.انتهى.
تقبَّل الله منا جميعًا صالح الأعمال ورَزَقَنا الله وإيَّاكُم حَجّ بيتِه الحرام أعوامًا عديدة، وتقبَّل من حُجَّاج هذا العام، ورفع عنّا الوباء والبلاء.. اللهُمَّ آمين.