رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة 30 يونيو.. والصيف العربي


أكثر من 30 شهيداً من المصريين سقط أغلبهم بالرصاص الحى فى اليوم الأول لثورة مصرية ثانية فى القرن الحادى والعشرين، بخلاف شهداء الأيام التمهيدية لها، على أيدى جماعة إرهابية تدعمها فلول الإرهاب القادمة من بؤر الجريمة مخترقة حدودنا، إلى جانب من أطلق سراحهم أول رئيس – ولا مؤاخذة- "منتخب" بعد الثورة الأولى لم يحرز إنجازا واحدا باتجاه أهدافها.


الثورة الثانية التى تبدو وكأنها تفرض نفسها على العالم بأسره بدت سلميتها واضحة فى حشود بالملايين خرجت من البيوت المصرية بمختلف أعمارها، حتى أن أطفالا كانوا بين الضحايا برصاص الغدر العقائدى المقترنة بقوى البلطجة، فى مشهد تستعيد معه البلاد سيرة الطفلة "شيماء" التى راحت ضحية رصاصات الغدر المستهدفة رئيس وزراء مصر الراحل عاطف صدقى فى 23 نوفمبر 1993 .

نفس الجماعات ونفس الأفكار اجتمعت بقياداتها داخل جمهورية إشارة رابعة العدوية معلنة استهداف كل مصرى محتج على غياب الخبز والحرية والكرامة والعدالة، إلا عن الإخوان وأربابهم، لتنصب منصات التكفير والتخوين والقتل باتجاه أرواح الأبرياء المفقرين، فى حدث تسعى لتقديمه إلى العالم على أنه صراع سياسى لا يخلو من "النجاسة" حسب تعبير صاحب المنصب والفكر الأزمة، والذى بات وجوده يمثل "نحساً" غير طبيعى على المصريين كافة.

ولأن الغطاء الصهيو-أمريكى على جرائم إرهاب الدولة الإخوانجية تزايد سعيا لحماية المنطقة من أكذوبة ربيع 2011 التى دعمتها خلالها الرأسمالية العالمية ظهور الفاشية الدينية بديلا عن أنظمة باتت عبئاً عليها بعد عقد كامل من ضرب الهيبة الأمريكية وإسقاطها فى 11 سبتمبر 2001، لم يشأ المصريون إلا تفويت الفرصة على أوباما "الأكذوبة السوداء" ومندوبته الشريرة باترسون، فخرجت "تمرد" فكرة مصرية خالصة يقودها شباب لا يملكون إلا خيالا يؤيد واقعية وجودهم.

الثورة الثانية والحال المصرى هكذا، غلاء وفقر وبطالة ومرض وتبعية ونهب ثروات عبر ذقون شيطانية، أعاد أسباب يناير الموضوعية للتمرد مضافا إليها حاصل ضرب المصريين ببعضهم البعض تحت ستار العقيدة الزائفة، لتعلن الجموع إسقاط شرعية لصوص الوطن والتاريخ والاقتصاد ولو ظلوا على مقاعدهم أياما وشهورا وسنوات.

وكأن صيفا مصريا مختلفا كُتِبَ على المجرمين مواجهته، شباب تحت العشرين أو يزيد قليلا أفقد الحمقى وكبيرهم اتزانهم وأسقط مزاعمهم الزائفة بقيادة "أرواح" شفيق ومبارك وعمر سليمان المشهد الثورى، بينما وقف شرفاء من رجال الشرطة شهودا على جرائم القتل والتصفية الجسدية لأبناء وطنهم، بأسلحة تكررت عمليات ضبط أرباب قوى الإرهاب فى الحكم بكميات غير مسبوقة منها خلال الأيام القليلة الماضية.

ثورة 30 يونيو بدأت بسمات جديدة ومختلفة عن 25 يناير، فللمرة الأولى تبدو قطاعات غير قليلة من رجال الأمن إلى جانب الثوار، تقدم من أبنائها وقياداتها الشهيد تلو الآخر على أيدى من قنصوا المصريين بالميادين، فيما يظل القضاء المصرى أكثر ثباتا فى مواجهة المجرمين، محتميا بمجتمع تلتف فئاته وطبقاته حوله دون حدود، بينما تتراجع حسابات الحياد السلبى لقادة المؤسسة الأكثر استفزازا من قبل تلك الجماعات بمرور الوقت.

التفاؤل الذى تفرضه مشاهد الميادين المصرية وتنتجه نوايا الرد الشعبى على جماعات القتل المسيطرة على الحكم، يجعلنى داعيا ومحذرا من خطأ خطير يجب تداركه قبل فوات الأوان، ألا وهو غياب قيادة صريحة وواضحة للميدان تُختار بشكل جماعى من قبل شباب الثورة الجديدة والمصريين، تأخذ بهم نحو هدف ثورى واضح ومعلن، وهو الخلاص من نظام أسرع بإنهاء شرعيته ومشروعيته بأيدى من يديرونه، وبناء دولة مدنية حقيقية جديدة يُسَيِرها دستور يدعم حقوق وحريات المصريين كافة ويعيد لمصر هيبتها لتقود "صيفا" عربيا لثورات لها مبرراتها وأسبابها المتشابهة.
الجريدة الرسمية