رئيس التحرير
عصام كامل

متى تسقط الدعوى التأديبية في الجريمة الجنائية؟

عجيبٌ هو ذلك الميزان الذي يرمز للعدالة في العالم أجمع، فدلالته عند المظلوم أن يحصل على حقه، بينما دلالته عند المُشرِع أن يضع العقوبات الرادعة، ويُنشيء القواعد التي تحفظ حقوق الأفراد، فلا يتغوَّل طرف على طرف، ويقف المشرع على مسافة واحدة بين الجميع، ويوازن بين الحقوق والواجبات، كما يُحدِد أيضًا متى تنشأ تلك الحقوق، ومتى تسقط، ومن هنا تأتي دلالة الميزان عند القاضي، فهو الذي يكيل المكاييل ليُعطي كل ذي حقٍ حقه، وعليه أحيانًا أن يُقرِر بسقوط الحق محل الدعوى، سواء كان صاحب الحق فرد أو مؤسسة او دولة.


وهنا يثور التساؤل، هل يظل سيف الاتهام مسلطا على رقبة العامل إلى ما لا نهاية؟.. يثور هذا السؤال كثيرا بشأن المخالفات المنسوبة للموظف العام، وهو ما دفع المشرع  إلى التصدي هذه الإشكالية التي تثير جدالًا، فوضع أصلا عاما في شأن سقوط الدعوى التأديبية وهو سقوط الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات على ارتكاب المخالفة واستثناء من هذا الأصل العام فلا تسقط الدعوى التأديبية إذا كان الفعل المنسوب للعامل جريمة جنائية إلا بسقوط الدعوى الجنائية، وكذلك وضع قانون الإجراءات الجنائية أصلا عاما في انقضاء (سقوط) الدعوى الجنائية بالنسبة للجنايات وهو انقضاءها بمضي عشر سنوات من يوم وقوع الجريمة وبالنسبة للجنح بمضي ثلاث سنوات وبالنسبة للمخالفات بمضي سنة.                           
صالح العامل
إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل العام بالنسبة للجرائم الواردة في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات والتي تقع من موظف عام بألا تبدأ المدة المسقطة الدعوى الجنائية إلا من تاريخ انتهاء الخدمة أو زوال الصفة ما لم يكن قد بدء في التحقيق قبل ذلك ومن ثم فإنه إذا كون الفعل المنسوب إلي الموظف العام جريمة من هذه الجرائم فلا تبدأ مدة سقوط الدعوى التأديبية إلا من تاريخ انتهاء خدمة الموظف العام أوزوال صفته. 

والمشرع قد قصد من ترتيب سقوط الدعوى التأديبية بعد أجل معين ألا يظل العقاب سيفاً مسلطا على متهم الأصل فيه البراءة، ويمثل ضمانة أساسية للعامل، وكذلك لحث الجهة الإدارية على إقامة الدعوى التأديبية خلال أجل معين قد يترتب على تجاوزه أن تضيع معالم المخالفة وتختفى أدلتها، ومن ثم فإن صالح العامل وصالح المرفق يقتضيان إقامة الدعوى التأديبية خلال هذا الأجل - وهو ثلاث سنوات من تاريخ ارتكاب المخالفة، وإلا سقط الحق فى إقامتها، وأن السقوط فى هذا المجال من النظام العام.

ويشترط لاعتبار الفعل جريمة طبقاً لنص المادة 116 مكرر أ من قانون العقوبات أن يترتب على خطأ العامل أضرار جسيمة بأموال أو مصالح الجهة التى يعمل بها. فى مجال تحديد جسامة الضرر تستقل المحكمة التأديبية بتقدير ذلك وهى بصدد إنزال التكييف الجنائى على الوقائع التى أمامها حتى يتسنى لها الرد على الدفع بسقوط الدعوى التأديبية.

الأضرار غير العمدي
وعلى المحكمة أن تتصدى لتكييف الوقائع المعروضة عليها بحسب ما تستظهره منها وتُحدد الوصف الجنائي لها لبيان أثره في استطالة مدة سقوط الدعوى التأديبية من عدمه، طالما أن ما تنتهي إليه من وصف جنائي لهذه الوقائع لا يتعارض مع حكم جنائي حائز لقوة الأمر المقضي.

يشترط في الضرر كركن لازم لقيام جريمة الإضرار غير العمدي المنصوص عليها في المادة 116 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، أن يكون محققاً، أي حالاً ومؤكداً، لأن الجريمة لا تقوم على احتمال تحقق أحد أركانها، والضرر الحال هو الضرر الحقيقي سواء كان حاضراً أو مستقبلاً، والضرر المؤكد هو الثابت على وجه اليقين، وأن مجرد الاحتمال على أى وجه ولو كان راجحا لا تتوافر به تلك الجريمة فى أي من ركنيها. 

والضرر الجسيم الذي يجب أن يلحق بأموال جهة الإدارة وتتوافر به أركان جريمة الإضرار غير العمدى بالمال العام، إنما هو الضرر محقق الوقوع الذي يترتب عليه ضياع المال العام وفقدانه أو إهداره تماما، أما إذا لم يكن الضرر حالا ومؤكدا، وكانت الفرصة لازالت قائمة للحفاظ على المال العام وعدم إهداره، حتى مع توافر خطأ الموظف العام المكلف بالحفاظ عليه، فقد انتفى ركن الضرر الجسيم، وأضحت جريمة الإضرار غير العمدي بالمال العام غير قائمة.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية