رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كأس على مقربة من يده وسيجارة لا تغادر أصابعه.. عبده وازن يروي كواليس حوار «الماغوط» الأخير

الشاعر محمد الماغوط
الشاعر محمد الماغوط

«الصدفة تصنع التاريخ».. جملة يدرك الكاتب عبده وازن قدرها، بعدما لعبت الظروف دورًا لا يستهان به في أن يكون «وازن» صاحب الحوار الأخير مع الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط، بينما كان الأخير في «دبي» للمشاركة في الإحتفال الذي أحيته مؤسسة سلطان العويس لمنح جوائزها للفائزين بها، وكان «الماغوط» واحدًا منهم، ليجتمع «وازن» و«الماغوط» على هامش الاحتفال، ويخرج الحوار الذي نشره الأول في صحيفة «الحياة» اللندنية، بعد رحيل الثاني، الأمر الذي دفعه لإجراء تعديلات على المقدمة التي لم تعد صالحة لـ«حوار ما بعد الرحيل».. ليقول «وازن» : التقيت الشاعر محمد الماغوط في 9 مارس 2006 في دبي خلال أيام الاحتفال الذي أحيته مؤسسة سلطان العويس لمنح جوائزها للفائزين بها، وكان «الماغوط» واحدًا منهم وعندما ورد نبأ رحيله كنت أضع اللمسات الأخيرة على الحوار الذي أجريته معه لجريدة الحياة اللندنية، في غرفته في الفندق، لعلها المصادفة القدرية تجعل هذا الحوار آخر حوار يدلي به هذا الشاعر الكبير قبل ثلاثة أسابيع من رحيله، الموافق 3 أبريل 2006.



عالم الماغوط الخاص
حمل محمد الماغوط عالمه الخاص الى غرفته في الفندق الذي حل فيه ثلاثة أيام، ملبيًا دعوة مؤسسة العويس لتسلم الجائزة التي فاز بها، عالمه نفسه الذي اختلقه في بيته الدمشقي انتقل الى غرفة لا يحتاج فيها الى أن يمشي أكثر من بضع خطوات، هو الذي بات مشيه صعباً، لا سيما خارج الغرفة أو البيت. 

الماغوط فوق كرسي متحرك
في ردهة الفندق كان «الماغوط» يتنقل على كرسيّ متحرّك يقوده طبيبه الشاب محمد بدّور وهو ابن أخته. إنها اللحظات القليلة التي ظهر فيها خارج الغرفة، ناهيك بحفلة التكريم، حين جلس على المنصة بعدما سار متوكئا على عصاه، أصبح الكرسي المتحرك والعصا الوسيلتين الوحيدتين اللتين تساعدانه على استعادة العالم في الخارج، عندما يقرر أن يخرج وهو نادرًا ما يخرج.

تمرد الماغوط وسخريته
لكن محمد الماغوط رجل جبار حقًا.. روحه ما زالت في أوج يقظتها، وما برح هو على سخريته وغضبه واحتجاجه وتمرده وطرافته.. جسده الذي خانه وقدماه الثقيلتـــان والقامـة السمينة لم تحل دون مواصلته الحياة التي يحبّها، بحزنها وبقايا رغباتها، بفرحها القليل والذكريــات، الذكريات التي يستعيدها في عزلته الطويلة المتواصلـة ليل نهار.

أصدقاء محمد الماغوط
وقد يقطعهــا بضعة أصدقــاء قليليــن يطرقون الباب.. في الثانية والسبعين، في وجهه ملامح طفولة عتيقة تمتزج بشآبيب العمر، وفي عينيه تلتمع بروق الحياة التي يصر عليها، على رغم الكآبة التي تحيط به. يصرّ شاعر «حزن في ضوء القمر» على الكتابة، أيًا تكن.. يدبج المقالات بيد ترتجف قليلاً ويكتب النصوص والقصائد من غير أن يفرّق بينها. وهو سيظل يكتب حتى آخر نفس كما يقول، حتى وإن كرر نفسه. فالكتابة هي نافذته الوحيدة على الحياة وهي حافزه الدائم على الحرية والرفض والاحتجاج وسائر «الثوابت» التي يؤمن بها. لا يخاف الموت بتاتًا وقد عاشه عن كثب، فالموت في نظره هو الانقطاع عن الكتابة.

لقاء مع محمد الماغوط
في غرفته في الفندق التقيت محمد الماغوط، الانطباع الأول الذي يساور زائره هو أن الشاعر تغير ولكن من دون أن يتغير مزاجه الذي طالما عرف به، ولا حماسته ولا احساسه العبثي بالزمن والتاريخ... الكأس على مقربة من يده، والسيجارة لا تغادر أصابعه، وعلى الطاولة الصغيرة المجاورة للسرير، بضعة صحون لا تخلو من طعام خفيف.. هذا هو «طقس» محمد الماغوط الذي لا يتخلى عنه ولو خرج من بيته. بحة صوته لا تزال هي نفسها، والكلام المختصر والمختصر جدًا في أحيان، ما زال طريقته في التعبير. يضجر قليلاً، ثم يستعيد حماسته، مستعيناً بذاكرته المتوقّدة.

قصائد الماغوط بالصدفة
هذا الشاعر الذي كتب أجمل قصائد النثر بالصدفة، والذي أسس مدرسة شعرية من غير أن يدري، هو شاعر المستقبل بمقدار ما هو شاعر الواقع والحاضر.

جاء الشعر من عيشه اياه، من الحياة نفسها، من مرارة العزلة، من الخوف الذي اكتشفه باكراً في السجن، من الشارع الذي تعلّم فيه الكثير.

موهبة محمد الماغوط
كانت موهبته الكبيرة هي الأساس الذي قامت عليه شعريته، اضافة الى ثقافته المتواضعة، كما يعترف، وموهبة الماغوط تتسم بطابع وحشي وغريزي، فهو يتنفس الشعر تنفّساً من غير أن يسعى الى تقديمه والتنظير له. شاعر كان صوته من الأصوات الأولى التي خرجت على الشعر التقليدي، في أشكاله وقضاياه. 

شاعر كان همه أن يحتج ويعترض، مرسخًا قدميه في الأرض، ومصغيًا الى ايقاع الحياة اليومية والعابرة، إلا أن شعره لم يخل لحظة من الحنين الغامض والبعد المأسوي والهمّ الجمالي واللغوي. وقد استطاع أن يجذب شعراء كثرًا أعقبوه، سواء تأثروا به وقلدوه أم اكتفوا بمقاربة شعريته الكبيرة، ودواوينه، لا سيما الثلاثة الأول، كانت لها رهبتها وما زالت، رهبة الشعر الطالع من عمق التجربة الحية.

حوار مع الماغوط
ما أصعب أن تحاور محمد الماغوط.. يعترف للفور أنه مل الحوارات الصحفية، القليلة أصلًا، ويعتبر أن ما قاله بات كافيًا وأن لا جديد لديه. لكنه ما أن يبدأ في الاجابة عن الأسئلة حتى يمعن في قول جمل بديعة وفيها من الجديد ما فيها من الطريف والساخر والمأسوي، أجوبته مختصره كعادته، فهو لا يحب الاطالة، يقطف الكلام قطفاً وعليك أنت الذي تحاوره أن تلتقطها لئلا تضيع في المجهول.

Advertisements
الجريدة الرسمية