رئيس التحرير
عصام كامل

سيدى الرئيس.. أرجوك.. كُن حِماراً


خلع الخليفة الأموى معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، نفسه عن الخلافة وتنازل عن ملكه بعد أربعين يوماً فقط من توليه الخلافة فى مشهد درامى، حيث صعد المنبر وقال:

"إنّ هذه الخلافة حبل الله وأنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومَن هو أحقّ به منه - يقصد الإمام عليّ بن أبي طالب - وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له ونازع ابن بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم - يقصد الحسين بن على بن أبى طالب وفاطمة الزهراء - فقُصف عمره، وانبتر عقبه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ بكى وقال:
مِنْ أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأباح الخمر وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها، فشأنكم أمركم، والله لئن كانت الدُّنيا خيراً فقد نلنا منها حظّاً، ولئن كانت شرّاً فكفى ذرّية أبي سفيان ما أصابوا منها، وإنى أخلع عنى أمركم هذا كخلعى لردائى".

ثم خلع رداءه ونزل من على المنبر، ولم تمر سوى أيام معدودات حتى قُتل الخليفة المعتزل معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، عن عمر يناهز واحد وعشرين عاماً فقط، وقد لقبه التاريخ صدقاً وليس تملقاً بـ (معاوية الصالح) وتجنى عليه بعض المؤرخين فأسموه (معاوية الحمار) – وهو بخلاف معاوية الملقب بالحمار آخر خلفاء بنى أمية.

ويبدو أن الفريق الثانى الذى لقبه بـ (الحمار) كان يشبه فى أسلوب تفكيره وتقييمه للأمور، الفريق المحيط حالياً بالسيد رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى والذى يشبه فريقه بدوره الفريق الذى أحاط بالرئيس المخلوع حسنى مبارك، فكلاهما رأى أن الاعتراف بالحق رذيلة وأن العناد خير من الاستسلام وأن مصلحة الجماعة والأهل والعشيرة فوق مصلحة الوطن، ولو أن الرئيس المخلوع استجاب لمطالب الثوار منذ اليوم الأول لثورة يناير لجنبنا وجنب نفسه الكثير من الأهوال والمصائب التى لحقت بنا جميعاً جراء عناده، وأذكر جيداً أن هتافنا فى اليوم الأول للثورة كان (سلمية .. سلمية) و(عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية)، وكانت كل آمالنا أن يقوم سيادته بتغيير الحكومة وحل برلمان 2010 المزور والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية يعتزلها هو وابنه، ولو فعلها مبكراً لانتهت الأزمة ولكنه انساق لنصائح المحيطين المستفيدين المستميتين على السلطة، فهتفنا نحن (الشعب يريد إسقاط النظام) و(إرحل .. إرحل)، ثم (كبرت فى دماغنا) فأصبح الهتاف الرسمى بعد كل خطاب من خطابات الرئيس: (مش هانمشى .. هو يمشى)، حتى مشى.

الغريب أن الرئيس الحالى وجماعته لم يتعلموا شيئاً من الدرس وإنما انتهجوا نفس السيناريو وكأنهم لا يعلمون أن تكرار الطريقة يؤدى إلى نفس النتيجة! .. فساد .. فاحتشاد .. فعناد .. فصدام .. فدم .. ففوضى .

سيدى الرئيس .. أناشدك باسم الأجيال القادمة .. باسم مصر.. باسم الله الذى اختارك لتكون فى هذا الموقف الذى نعلم والله إنه صعب .. كن زاهداً فى الدنيا طامعاً فى الآخرة واخلع عنك أمرنا هذا كما فعل (معاوية الحمار)، وتأكد أن المنصفين من كتبة التاريخ سوف يذكرونك بـ (مرسى الصالح) كما يُذكر معاوية بن يزيد، وربما سوف يذكرونك بـ (أبو الديمقراطية) كما يذكر الرئيس الأرجنتينى الراحل (راؤول الفونسين) الذى تنحى عن الحكم قبل إنتهاء فترة رئاسته استجابة لصوت الجماهير وقبل منه .. صوت ضميره.
الجريدة الرسمية