شباب حول الرسول، سعد بن أبي وقاص "بطل القادسية وأول رام في الإسلام"
مثلما أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، كان هناك فتية آمنوا بربهم، وجهروا بالإسلام وهم حديثو السن، بعضهم لم يناهز الصبا، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من أصنام، وأوثان، وأدران، تخبَّط فيها آباؤهم وأمهاتهم.
تربوا على مراقبة تصرفات النبي، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، ولم يرضخوا لضغوطات الأهل، والقبيلة، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شباب حول الرسول".
في حلقة اليوم، نتناول قصة حياة وجهاد صحابي جليل، أسلم وهو صغير، وجاهد المشركين، وكان أول من رماهم بسهم في سبيل الله، وانتصر على الفرس في موقع القادسية الشهيرة، وزهد في الدنيا، واعتزل الفتنة.
هو سعد بن أبى وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة، ويكنى إسحاق، وجده وهيب عم السيدة آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
حضر المشاهد كلها مع النبي، صلى الله عليه وسلم، وثبت يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من الرماة المعدودين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد الستة أهل الشورى، واختاره عمر بن الخطاب ليوم القادسية العظيم، ووصفه عبد الرحمن بن عوف بقوله "هذا هو الأسد فى براثنه".
أسلم وعمره 17 سنة
وتحكى كتب السيرة أن سعد بن أبى وقاص أسلم، وهو في السابعة عشرة من عمره، فى الأيام الأولى من دعوة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يتخذ النبى صلى الله عليه وسلم من دار الأرقم ملاذًا له ولأصحابه الذين بدأوا يؤمنون به.
ويروى أنه كان أحد الذين أسلموا على يد أبى بكر الصديق.
ولسعد بن أبى وقاص أمجاد كثيرة يستطيع أن يباهى ويفخر بها غير أنه كان يعتز بنعمتين أنعم الله عليه بهما؛ النعمة الأولى بقول سعد: "والله إنى لأول رجل من العرب رمى (المشركين) بسهم فى سبيل الله".
والنعمة الثانية يحدثنا عنها على بن أبى طالب، رضى الله عنه، فيقول: "ما سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يفدى أحدًا بأبويه إلا سعدًا فإنى سمعته يوم أحد يقول: إرم سعد.. فداك أبى وأمى".
وكان سعد يعد من أشجع فرسان العرب والمسلمين، وكان له سلاحان رمحه ودعاؤه، إذا رمى فى الحرب عدوًا أصابه وإذا دعا الله دعاءً أجابه.. حيث دعا له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذات يوم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم سدد رميته.. وأجب دعوته".
القرآن يخلد قصته مع أمه
ولا أحد ينسى قصة سعد الشهيرة مع أمه حين أسلم، واتبع الرسول، صلى الله عليه وسلم، وقد فشلت كل محاولات رده وصده عن سبيل الله حتى لجأت أمه إلى وسيلة لم يكن أحد يشك فى أنها ستهزم روح سعد وترده إلى وثنيته مرة أخرى، حيث أعلنت صومها عن الطعام والشراب حتى يعود إلى دين آبائه وقومه ومضت فى تصميم مستميت تواصل إضرابها عن الطعام والشراب حتى أوشكت على الهلاك، وأخذه بعض أهله إليها ليلقي عليها نظرة الوداع، آملين أن يرق قلبه حين يراها فى سكرات الموت، غير أن إيمان سعد بالله ورسوله تفوق على هذا المشهد الرهيب الذى يذيب الصخر، حيث قال لها:
"تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت دينى هذا لشئ، فكلى إن شئت أو لا تأكلى"!!
فتراجعت أمه عن عزمها ونزل الوحى يحيي موقف سعد ويؤيده، قال تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعمهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إليّ ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون".
وكان سعد من أغنياء المسلمين وأثريائهم وكان ينفق الكثير فى سبيل الله، وذات يوم أصابه المرض، ولما علم الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بمرضه ذهب يعوده فسأله سعد قائلًا: يا رسول الله إنى ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة أفأتصدق بثلثى مالى؟
قال النبي: لا.. قلت فبنصفه ؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم: لا.. قلت: فبثلثه؟ قال النبى: نعم، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة تجعلها فى فىٍ (فم) امرأتك، ولعلك أن تُخلّف حتى ينتفع بك أقوام ويُضّر بك آخرون (ولم يكن له يومئذ إلا ابنة وقد رزق بعد هذا بأبناء آخرين).
ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم، كان جالسًا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبى وقاص مقبلًا، فقال لمن معه: "هذا خالى فليرنى امرؤ خاله".
وقال سعد: اشتكيتُ بمكة فدخل علىّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعودنى فمسح وجهى وصدرى وبطنى، وقال: "اللهم اشف سعدًا"، فمازلت يخيل إلى أن أجد برد يده صلى الله عليه وسلم، على كبدى حتى الساعة.
وكان سعد بن أبى وقاص كثير البكاء من خشية الله وكان إذا استمع إلى وعظ الرسول فاضت عيناه من الدمع حتى تكاد دموعه تملأ حجره.
بطل القادسية، وقاهر الفرس
فى عهد عمر بن الخطاب جمع "يزدجر" قائد قواد الفرس طاقاته ضد المسلمين فلما بلغ ذلك عمر رضى الله عنه قال: والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب، وأعلن النفير العام للمسلمين أن يدركوا المسلمين فى العراق، واستشار عمر بن الخطاب الصحابه فى قيادته للجيش بنفسه فقرروا أن يبعث على رأس الجيش رجلًا من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويقيم هو ولا يخرج، واستشارهم فيمن يقود الجيش فأشار عليه الصحابى الجليل عبد الرحمن بن عوف: إليك الأسد فى براثنه سعد بن أبى وقاص، فاستدعاه عمر بن الخطاب وولاه الجيش والذى كان قوامه وقتها ثلاثون ألف مقاتل، أما الفرس فقد أجبر "يزدجر" رستم أشهر وأخطر قواده على قيادة الجيش الفارسى، وكان قوامه 120 ألف مقاتل، وقد سلسلت أقدامهم حتى لا يفروا من المعركة ويكونوا مصدر قوة يتقدمهم 17 فيلًا رهيبا.. قوتين غير متكافئتين لا فى السلاح ولا فى الرجال.
وقبل نشوب المعركة الخالدة إذا بكتاب من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبى وقاص يلقى على قلبه كلمات نور وهدى جاء فيه: "يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله وصاحبه فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته والناس شريفهم ووضيعهم فى ذات الله سواء.. الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعاقبة ويدركون ما عند الله بالطاعة فانظر الأمر الذى رأيت، رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فالزمه فإنه الأمر".
"... ولا يكربنك ما تسمع منهم ولا ما يأتونك به واستعن بالله وتوكل عليه وابعث إليه رجالًا من أهل النظر والرأي والجلد يدعونه إلى الله...".
وينفذ سعد وصية عمر بن الخطاب فيرسل إلى رستم قائد الفرس نفرًا من الصحابة يدعونه إلى الله تعالى وإلى الإسلام ولكنه يأبى، وتدق طبول الحرب ويهب الأسد فى براثنه ويقف فى جيشه خطيبًا رغم مرضه، مستهلًا خطابه بالآية الكريمة: "ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون".
وبعد فراغه من خطبته صلى بالجيش صلاة الظهر، ثم استقبل جنوده مكبرًا الله أكبر أربع مرات وصاح فى جنوده هيا على بركة الله.
وبدأت المعركة حامية الوطيس، ولما رأت خيل المسلمين الفيلة نفرت لكن شجاعة المسلمين تفوقت عليها فقد كانوا يرمون من كان فوقها بالسهام، ويرمونها هى فى أعينها وأقدامها، فكانت تهوى على الأرض فتهلك من عليها أو تفر مذعورة للوراء فتكبدهم خسائر فادحة.
مقتل قائد الفرس رستم
ثم حمل المسلمون على الفرس حملة صادقة وقتل فارس مسلم، وهو هلال بن علقمة، قائد الفرس رستم، فانهارت حينئذ معنويات الفرس وانهزموا ولم يمض وقت طويل على استراحة جيش الإسلام من معركة القادسية حتى بدأ الجيش يعد لمعركة أخرى مع الفرس أطلق عليها معركة العبور، حيث أشار عاصم بن عمرو التميمى على سعد بن أبى وقاص بعبور نهر دجلة، وقال: أيها الأمير سأخوض النهر وحدى أولًا بفرسى هذا فإذا نجحتُ ورأى المسلمون أنى أخوضه تبعونى وخاضوه معى.
وبالفعل وما إن ركب عاصم فرسه، وقال: بسم الله توكلت على الله وشق النهر حتى تبعه بقية الجيش.
وقد أقسم المؤرخون أنه لم يبتل فارس واحد منهم أثناء عبورهم النهر حتى أن أهل فارس والذين كانوا يقفون على الشاطئ الآخر لما رأوا هذه المعجزة فروا مدبرين.
وما أن تراءى على سمع كسرى الخبر حتى أيقن بقرب نهايته وولى فارًا من البلاد كلها، وإذا بالقائد الفذ سعد بن أبى وقاص يدخل القصر المشيد الذى يرتفع عن سطح الأرض بـ150م وتبلغ واجهته 60م يدخله حافى القدمين وهو يتلو قوله تعالى: "أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال".
وما أن أخذ يتجول فى مناحى القصر حتى ضرب برمحه السجاد وبدأ يتلو قوله "كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قومًا آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين".
وأطفأ إلى الأبد نار كسرى التى كانت تعبد، وأمر برفع الأذان.
ومن أبرز مواقف سعد العظيمة، اعتزاله الفتنة الكبرى.
وفاته
وبينما كان سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه، يجود بأنفاسه الأخيرة، وجد أحد أبنائه يبكي، فقال: ما يبكيك يا بني؟! إن الله لا يعذبنى أبدًا، وإنى من أهل الجنة، وأشار إلى خزانته ففتحوها ثم أخرجوا منها رداءً قديمًا قد بلى وأخلق، ثم أمر أهله أن يكفنوه فيه، قائلًا: لقد لقيتُ المشركين فيه يوم بدر ولقد ادخرته لهذا اليوم، ثم فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها بالعقيق على بعد عشرة أميال من المدينة المنورة، فيحمل على رقاب الرجال ليصلى عليه فى مسجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويدفن فى البقيع.
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية.