جمهورية محمود عمارة
مع بداية سبعينيات القرن الماضى كان مثل كثير من الشباب قد عقد العزم على السفر إلى أوروبا، وكانت أوروبا في معظمها تقبل سفر المصريين بلا تأشيرة.. لم يكن المنتج البشري المصري قد فاض إلى حد انخفاض سعره بين البشر!! حمل الشاب محمود عمارة القادم من أحد مراكز المنوفية حقيبته، ودبر ثمن تذكرته، وقليلا من الزاد المالي ليعمل خلال إجازة الصيف الجامعية بدولة فرنسا، وكانت فرنسا في ذلك الوقت ملاذا فكريا واقتصاديا لكثير من شباب مصر المحبوسين بين طيات "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة".
في الطريق إلى باريس حمل الشاب المنوفي معه أحلاما لا تبرح خريطة بلاده كعادة أهل مصر، يسافرون من أجل العودة.. نعم المصري حلمه في السفر أن يعود ليبتنى بيتا ومقبرة! شوارع باريس السبعينية كانت واحة للأفكار، وطريقا للحرية التي ثبتت دعائمه من ثورة راح ضحيتها ملايين البشر، تعثرت وانتفضت ثم تعثرت وقامت لتصبح نموذجا للنور.
في شوارع العاصمة المضيئة يتلمس الشاب المصرى طريقا جديدا للتعاطى مع الحياة، ويكبر معه حلمه ومن أعمال بسيطة إلى مساحات أكثر رحابة يصل محمود عمارة إلى منطقة الأمان المادي ومناطق الحياة الأكثر اتساعا. كانت باريس كفكرة أكبر من استيعاب شباب عاشوا تجربة الحاكم الواحد والتنظيم الواحد والطعام الواحد والحلم الضيق بحجم ما يحلم به الحاكم وليس الشعب.
السفر إلى أمريكا
يوما بعد الآخر يدرك محمود عمارة أن فرنسا ليست كنزا اقتصاديا وليست بلاد الثراء، وليست مغارة على بابا.. أدرك أن باريس عقل تحرر من قيود القوالب الجامدة، ومن هنا أصبحت واحته وراحته وأرضه الخصبة التي تلد ماهو أكثر من الفرنكات، وتتعدى ذلك إلى بؤرة العقل الحر القابل لكل الأفكار دون إقصاء أو تهميش.
عاش مثل كثيرين من جيله تجربة الإطلالة على عالم جديد، عالم يرى أن العقل هو كنز الحياة، وأن الإنسانية هي المعيار الحاكم بين البشر، وأن ألوان الناس ومعتقداتهم أمر يخصهم دون غيرهم. أخذته سنوات العنفوان إلى مداخل النضج فهضم تجربة الحياة الجديدة، غير أنه ظل مثل كل مصرى يخطط للعودة إلى الأرض.
والأرض في بلادنا جزء من الجينات.. آلاف السنين والأرض تلتصق بالمصرى، لايعرف غيرها ثرى، ولا يأمن إلا بالدفن فيها، حيا كان أو ميتا.. خطط للعودة بعد أن حقق نجاحات كبيرة. زرع محمود عمارة أرضا في أمريكا، وامتلك المطاعم والفنادق وأنتج للسينما أفلاما باريسية.. عاش محمود عمارة تجربته طولا وعرضا إلا أن حلم العودة ظل يراوده.. عودة من أجل المشاركة.
كان محمود عمارة مثل غيره غيورا على وطنه يسابق الزمن من أجل العودة، صادق كبار الكتاب والصحفيين واستقبل ساسة من أوزان ثقيلة وكان في جل نقاشاته يحلم بعودة من أجل البناء وبالفعل عاد عمارة بعد أن أكلت منه سنوات الغربة حلو العمر وصلابته.. عاد ليبنى بيتا ويزرع فكرة وينثر بذور الأمل في غد أفضل فاختار الهروب إلى صحاري مصر الواسعة.
مشروع معامل البط
هناك وفي قلب صحراء وادى النطرون أراد أن يبدأ حلمه كفلاح مصري سرى في بدنه نور أوروبي بطعم باريس.. حفر الآبار ودق المواسير وأخرج الماء وزرع!!
طاردته يد التعطيل لسنوات طويلة ولا تزال وهو كما هو الفلاح الذى يمسك فأسه بيديه ولا يمسك أفكاره بقيد.. يطارد البيروقراطية في مكامن قوتها وصولجان غبائها دون كلل أو ملل، يتلفت حوله وينظر مليا في السماء ويدقق بعيونه في الأرض ويردد: كم حباك الله يا مصر من النعم والخيرات، وكم أنت غنية محظية قوية قادرة على النهوض والوقوف والانتصاب وقيادة الدنيا كما كنت قديما.
لا شمس مثل شمسك، ولا أرض مثل أرضك ولا كنوز مثل كنوزك.. ولا غيرك يملك هذا التنوع، وكل مادونك يحتاج إليك دون حاجتك إليهم.. بلادى لاينقصها إلا إرادة وعقل ومنطق وحرية.. بلادى لاينقصها إلا من يحبها عملا لا شعرا، وغرسا لا قولا، وبناءً لا أغانى.
يلتقى مثقفون وفلاحون وصحفيون وكتاب تحت أشجار محمود عمارة، وهو يحدثهم عن الأرض والزرع ومشروعه الحالم "الفواجر" كما يسمونها في فرنسا ويسميه هو"كبد البط".
في جمهورية محمود عمارة عليك أن تخلع عنك طاقتك السلبية، وتدخل بزى إيجابى للتحدث، أو تسمع عن الغد الأفضل وعن البناء وعن حلاوة مصر.
تحدث عن اليوسفى وعن البرتقال وعن سُمرة الأرض وعن معامل البط، وعن ذلك الطريق الناعم الذي ركبته لتصل إلى وادى النطرون وعن المدن الشبابية الجديدة.. لا حديث عن ظلمة الليل فالنهار هنا يختلط بأصوات العصافير ويتلون بخضرة الأشجار، ليصبح ثمرة تملأ جوف إنسان.
في الطريق إلى باريس حمل الشاب المنوفي معه أحلاما لا تبرح خريطة بلاده كعادة أهل مصر، يسافرون من أجل العودة.. نعم المصري حلمه في السفر أن يعود ليبتنى بيتا ومقبرة! شوارع باريس السبعينية كانت واحة للأفكار، وطريقا للحرية التي ثبتت دعائمه من ثورة راح ضحيتها ملايين البشر، تعثرت وانتفضت ثم تعثرت وقامت لتصبح نموذجا للنور.
في شوارع العاصمة المضيئة يتلمس الشاب المصرى طريقا جديدا للتعاطى مع الحياة، ويكبر معه حلمه ومن أعمال بسيطة إلى مساحات أكثر رحابة يصل محمود عمارة إلى منطقة الأمان المادي ومناطق الحياة الأكثر اتساعا. كانت باريس كفكرة أكبر من استيعاب شباب عاشوا تجربة الحاكم الواحد والتنظيم الواحد والطعام الواحد والحلم الضيق بحجم ما يحلم به الحاكم وليس الشعب.
السفر إلى أمريكا
يوما بعد الآخر يدرك محمود عمارة أن فرنسا ليست كنزا اقتصاديا وليست بلاد الثراء، وليست مغارة على بابا.. أدرك أن باريس عقل تحرر من قيود القوالب الجامدة، ومن هنا أصبحت واحته وراحته وأرضه الخصبة التي تلد ماهو أكثر من الفرنكات، وتتعدى ذلك إلى بؤرة العقل الحر القابل لكل الأفكار دون إقصاء أو تهميش.
عاش مثل كثيرين من جيله تجربة الإطلالة على عالم جديد، عالم يرى أن العقل هو كنز الحياة، وأن الإنسانية هي المعيار الحاكم بين البشر، وأن ألوان الناس ومعتقداتهم أمر يخصهم دون غيرهم. أخذته سنوات العنفوان إلى مداخل النضج فهضم تجربة الحياة الجديدة، غير أنه ظل مثل كل مصرى يخطط للعودة إلى الأرض.
والأرض في بلادنا جزء من الجينات.. آلاف السنين والأرض تلتصق بالمصرى، لايعرف غيرها ثرى، ولا يأمن إلا بالدفن فيها، حيا كان أو ميتا.. خطط للعودة بعد أن حقق نجاحات كبيرة. زرع محمود عمارة أرضا في أمريكا، وامتلك المطاعم والفنادق وأنتج للسينما أفلاما باريسية.. عاش محمود عمارة تجربته طولا وعرضا إلا أن حلم العودة ظل يراوده.. عودة من أجل المشاركة.
كان محمود عمارة مثل غيره غيورا على وطنه يسابق الزمن من أجل العودة، صادق كبار الكتاب والصحفيين واستقبل ساسة من أوزان ثقيلة وكان في جل نقاشاته يحلم بعودة من أجل البناء وبالفعل عاد عمارة بعد أن أكلت منه سنوات الغربة حلو العمر وصلابته.. عاد ليبنى بيتا ويزرع فكرة وينثر بذور الأمل في غد أفضل فاختار الهروب إلى صحاري مصر الواسعة.
مشروع معامل البط
هناك وفي قلب صحراء وادى النطرون أراد أن يبدأ حلمه كفلاح مصري سرى في بدنه نور أوروبي بطعم باريس.. حفر الآبار ودق المواسير وأخرج الماء وزرع!!
طاردته يد التعطيل لسنوات طويلة ولا تزال وهو كما هو الفلاح الذى يمسك فأسه بيديه ولا يمسك أفكاره بقيد.. يطارد البيروقراطية في مكامن قوتها وصولجان غبائها دون كلل أو ملل، يتلفت حوله وينظر مليا في السماء ويدقق بعيونه في الأرض ويردد: كم حباك الله يا مصر من النعم والخيرات، وكم أنت غنية محظية قوية قادرة على النهوض والوقوف والانتصاب وقيادة الدنيا كما كنت قديما.
لا شمس مثل شمسك، ولا أرض مثل أرضك ولا كنوز مثل كنوزك.. ولا غيرك يملك هذا التنوع، وكل مادونك يحتاج إليك دون حاجتك إليهم.. بلادى لاينقصها إلا إرادة وعقل ومنطق وحرية.. بلادى لاينقصها إلا من يحبها عملا لا شعرا، وغرسا لا قولا، وبناءً لا أغانى.
يلتقى مثقفون وفلاحون وصحفيون وكتاب تحت أشجار محمود عمارة، وهو يحدثهم عن الأرض والزرع ومشروعه الحالم "الفواجر" كما يسمونها في فرنسا ويسميه هو"كبد البط".
في جمهورية محمود عمارة عليك أن تخلع عنك طاقتك السلبية، وتدخل بزى إيجابى للتحدث، أو تسمع عن الغد الأفضل وعن البناء وعن حلاوة مصر.
تحدث عن اليوسفى وعن البرتقال وعن سُمرة الأرض وعن معامل البط، وعن ذلك الطريق الناعم الذي ركبته لتصل إلى وادى النطرون وعن المدن الشبابية الجديدة.. لا حديث عن ظلمة الليل فالنهار هنا يختلط بأصوات العصافير ويتلون بخضرة الأشجار، ليصبح ثمرة تملأ جوف إنسان.