حكاية الرشوة الحائرة بين النيابة والمحكمة (2)
يشكو الكثيرون من طول إجراءات التقاضي، ولذلك أسباب كثيرة، منها ما يرتبط بنقص الإمكانيات المادية مثل القدرة على توفير نظام التقاضي الإلكتروني، ومنها ما يرتبط بالتشريعات، ولكن عزاء المصريين ما تسعى له الدولة بجهود حثيثة نحو تطوير جذري لمنظومة العدالة.
وقد يُثلج صدور المواطنين بعد طول أمد التقاضي إنزال الحكم الصحيح على الواقعة، فلا تنزل عقوبة إلا بذنب استقر في يقين المحكمة وقوعه، والأهم أن تتناسب تلك العقوبة مع ذلك الذنب، ولكن.. ماذا حدث في واقعتنا التي بدأناها من قبل، وما هو رأي العدالة فيها..
وبالفعل تم شراء سيارة جديد ماركة فيرنا تعمل بنظام الأوتوماتيك بمبلغ 94 ألف جنيه وتم تسليمها للسيدة المذكورة مع دفع فارق الثمن وتبقى مبلغ صغير من فارق الثمن كان سوف يسدد لاحقاً، واختتم المحال الأول أقواله بأنه ليس له سلطة في التعاقد مع الشركة التي يعمل بها المذكورين وأنه لا يصدق على أي مستخلصات تخص هذه الشركة ولم يحدث أي مجاملة في مجال عمل الشركة بالهيئة التي يعمل بها
لا يوجد مجاملة
وبسؤال السيدة (أ م س) بتحقيقات النيابة العامة شهدت بذات مضمون أقوال المحال الأول وأضافت إليها بأنها دفعت له بداية مبلغ 83 ألف جنيه ونصف عند شراء السيارة الأولى ثم بعد ذلك وعند شراء السيارة الجديدة باعت له شقة سكنية تقع بطريق الساحل الشمالي كانت تمتلكها وقدرت بمبلغ 50 ألف جنيه وذهبت معه عقب استلام السيارة إلى وحدة المرور وتم تسجيل وترخيص السيارة باسمها، وأضافت أنها لا تعلم ولم تشاهد أي من (م ف) و (خ م) ولا حتى المحال الثاني..
وبسؤال المحال الثاني بتحقيقات النيابة العامة قرر بذات ما جاء بأقوال المحال الأول وأضاف بأنه عندما طلب من (م ف) والمدعو (خ م) شراء السيارة التي تخص شركة كوين سيرفس لأنه كان على علم بأن هذه السيارة وقع لها حادث سير وأن الشركة تنوي بيعها وكان سعرها مناسب للسعر الذى تبحث فى حدوده السيدة (ا)
وبسؤال كلا من (م ف) بتحقيقات النيابة العامة قرر بأنه طلب منه المحال الثاني شراء سيارة الشركة التي وقع لها حادث سير لـ"سيدة" من طرف رئيس الإدارة المركزية للطريق الدائري فقام بالاتفاق على بيعها بحالتها ثم حدث خلاف حول السيارة بسبب حالتها العامة، وفي النهاية تم شراء سيارة جديدة من معرض سيارات تتعامل معه الشركة وتسليمها للسيدة المشار إليها ودفع فارق الثمن، وأضاف بأنه لم يحدث أي مجاملة في أي من مشروعات الشركة، ولم يتم الحصول على مميزات من المحالين الاول والثاني في مجال عمل الشركة
وبسؤال بهجت سلامة جاد، رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية بالهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري، بتحقيقات النيابة العامة قرر بأن المحال الأول ليس له أي اختصاص في بشأن إسناد أية مشروعات بالهيئة ولا الطريق الدائري، ونفى أن يكون للمحالين الأول والثاني أي دخل فى مجال إسناد أية أعمال تابعة للهيئة لشركتي كوين سيرفس أو برفكت، كما نفى أن يكون قد شاب عمل أى من المحالين في مجال عملها مع تلك الشركة مخالفات.
البراءة من الرشوة
وأكدت المحكمة التأديبية العليا أن المُقرر في مبادئ العقاب جنائياً أو تأديبياً أن الأصل في الإنسان البراءة، والمُتهم بريء إلى أن تثبت إدانته والبينة على من ادعى، ويتفرع عن ذلك أن المُتهم غير مُلزم بإثبات براءته، وإنما على سُلطة الاتهام أو العقاب بيان الدليل على إدانته ومسئوليته لذلك لأن عبء إثبات عناصر المسئولية الموجبة للعقاب يقع على سلطة الاتهام وعليها يقع عبء تقديم الدليل.
ويضاف إلى ذلك أن أحكام الإدانة تبنى على القطع واليقين وليس على الشك والتخمين، ذلك لأن المحكمة في تحديد عناصر الجريمة التأديبية ملزمة بأن تستند فى تقديرها وحكمها على وقائع محددة وقاطعة الدلالة وذات طابع سلبي أو إيجابي يكون قد أرتكبها العامل وثبتت قبله، وأن هذه الوقائع تكون مخالفة تستوجب المؤاخذة التأديبية، ومن المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية سواء أكانت جنائية أو تأديبية هو تحقق الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم، وأن يقوم ذلك على أدلة كافية لتكوين عقيدة ويقين مصدر قرار الجزاء، فلا يسوغ قانونا أن تقوم الإدانة على أدلة مشكوك في صحتها، وإلا كانت هذه الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون.
والمُقرر أيضًا في نطاق المُخالفات التأديبية، فإنها يجب أن تثبت يقينيا في حق المتهم حتى يتسنى توقيع العقاب المناسب على من ارتكبها، فإذا تطرق الشك إلى أدلتها تعين عدم الاعتداد بهذه الأدلة وتطبيق المبدأ الأصولي أن الشك يفسر لمصلحة المتهم، وعليه فلا يجوز أن يتم نسبه المخالفة إلى المتهم على مظنة توافر المصلحة لديه من السلوك المؤثم، بل يجب ثبوت وقوع فعل أو امتناع عنه بشكل يثبت إنها مخالفة تأديبية واضحة.
وفي ضوء ما سلف بيانه وما جاء بأقوال المحالين والشهود بتحقيقات النيابة العامة، وما انتهت إليه بحفظ التحقيق، وكذلك ما انتهت إليه النيابة الإدارية بداية من حفظ ما نسب للمحالين لعدم كفاية الأدلة، فإن المحكمة تطمئن على عدم ثبوت المخالفة المنسوبة لهما ثبوتا يقينا، وقضت ببرائتهما.
وهنا تضع القضية أوزارها، ويقف المتهم ليتنفس الصعداء، ويعود لأهله مسرورًا، رافعًا دليل براءته، ويعود إلى عمله ليستقبله زملاؤه بالأحضان، وينسى الجميع إجراءات التباعد الاجتماعي، وينسى المتهم ما تكبده من آلام، وتبقى أفراح البراءة، وعبقرية القضاء المصري.. وللحديث بقية
وقد يُثلج صدور المواطنين بعد طول أمد التقاضي إنزال الحكم الصحيح على الواقعة، فلا تنزل عقوبة إلا بذنب استقر في يقين المحكمة وقوعه، والأهم أن تتناسب تلك العقوبة مع ذلك الذنب، ولكن.. ماذا حدث في واقعتنا التي بدأناها من قبل، وما هو رأي العدالة فيها..
وبالفعل تم شراء سيارة جديد ماركة فيرنا تعمل بنظام الأوتوماتيك بمبلغ 94 ألف جنيه وتم تسليمها للسيدة المذكورة مع دفع فارق الثمن وتبقى مبلغ صغير من فارق الثمن كان سوف يسدد لاحقاً، واختتم المحال الأول أقواله بأنه ليس له سلطة في التعاقد مع الشركة التي يعمل بها المذكورين وأنه لا يصدق على أي مستخلصات تخص هذه الشركة ولم يحدث أي مجاملة في مجال عمل الشركة بالهيئة التي يعمل بها
لا يوجد مجاملة
وبسؤال السيدة (أ م س) بتحقيقات النيابة العامة شهدت بذات مضمون أقوال المحال الأول وأضافت إليها بأنها دفعت له بداية مبلغ 83 ألف جنيه ونصف عند شراء السيارة الأولى ثم بعد ذلك وعند شراء السيارة الجديدة باعت له شقة سكنية تقع بطريق الساحل الشمالي كانت تمتلكها وقدرت بمبلغ 50 ألف جنيه وذهبت معه عقب استلام السيارة إلى وحدة المرور وتم تسجيل وترخيص السيارة باسمها، وأضافت أنها لا تعلم ولم تشاهد أي من (م ف) و (خ م) ولا حتى المحال الثاني..
وبسؤال المحال الثاني بتحقيقات النيابة العامة قرر بذات ما جاء بأقوال المحال الأول وأضاف بأنه عندما طلب من (م ف) والمدعو (خ م) شراء السيارة التي تخص شركة كوين سيرفس لأنه كان على علم بأن هذه السيارة وقع لها حادث سير وأن الشركة تنوي بيعها وكان سعرها مناسب للسعر الذى تبحث فى حدوده السيدة (ا)
وبسؤال كلا من (م ف) بتحقيقات النيابة العامة قرر بأنه طلب منه المحال الثاني شراء سيارة الشركة التي وقع لها حادث سير لـ"سيدة" من طرف رئيس الإدارة المركزية للطريق الدائري فقام بالاتفاق على بيعها بحالتها ثم حدث خلاف حول السيارة بسبب حالتها العامة، وفي النهاية تم شراء سيارة جديدة من معرض سيارات تتعامل معه الشركة وتسليمها للسيدة المشار إليها ودفع فارق الثمن، وأضاف بأنه لم يحدث أي مجاملة في أي من مشروعات الشركة، ولم يتم الحصول على مميزات من المحالين الاول والثاني في مجال عمل الشركة
وبسؤال بهجت سلامة جاد، رئيس الإدارة المركزية للشئون القانونية بالهيئة العامة للطرق والكباري والنقل البري، بتحقيقات النيابة العامة قرر بأن المحال الأول ليس له أي اختصاص في بشأن إسناد أية مشروعات بالهيئة ولا الطريق الدائري، ونفى أن يكون للمحالين الأول والثاني أي دخل فى مجال إسناد أية أعمال تابعة للهيئة لشركتي كوين سيرفس أو برفكت، كما نفى أن يكون قد شاب عمل أى من المحالين في مجال عملها مع تلك الشركة مخالفات.
البراءة من الرشوة
وأكدت المحكمة التأديبية العليا أن المُقرر في مبادئ العقاب جنائياً أو تأديبياً أن الأصل في الإنسان البراءة، والمُتهم بريء إلى أن تثبت إدانته والبينة على من ادعى، ويتفرع عن ذلك أن المُتهم غير مُلزم بإثبات براءته، وإنما على سُلطة الاتهام أو العقاب بيان الدليل على إدانته ومسئوليته لذلك لأن عبء إثبات عناصر المسئولية الموجبة للعقاب يقع على سلطة الاتهام وعليها يقع عبء تقديم الدليل.
ويضاف إلى ذلك أن أحكام الإدانة تبنى على القطع واليقين وليس على الشك والتخمين، ذلك لأن المحكمة في تحديد عناصر الجريمة التأديبية ملزمة بأن تستند فى تقديرها وحكمها على وقائع محددة وقاطعة الدلالة وذات طابع سلبي أو إيجابي يكون قد أرتكبها العامل وثبتت قبله، وأن هذه الوقائع تكون مخالفة تستوجب المؤاخذة التأديبية، ومن المبادئ الأساسية في المسئولية العقابية سواء أكانت جنائية أو تأديبية هو تحقق الثبوت اليقيني لوقوع الفعل المؤثم، وأن يقوم ذلك على أدلة كافية لتكوين عقيدة ويقين مصدر قرار الجزاء، فلا يسوغ قانونا أن تقوم الإدانة على أدلة مشكوك في صحتها، وإلا كانت هذه الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون.
والمُقرر أيضًا في نطاق المُخالفات التأديبية، فإنها يجب أن تثبت يقينيا في حق المتهم حتى يتسنى توقيع العقاب المناسب على من ارتكبها، فإذا تطرق الشك إلى أدلتها تعين عدم الاعتداد بهذه الأدلة وتطبيق المبدأ الأصولي أن الشك يفسر لمصلحة المتهم، وعليه فلا يجوز أن يتم نسبه المخالفة إلى المتهم على مظنة توافر المصلحة لديه من السلوك المؤثم، بل يجب ثبوت وقوع فعل أو امتناع عنه بشكل يثبت إنها مخالفة تأديبية واضحة.
وفي ضوء ما سلف بيانه وما جاء بأقوال المحالين والشهود بتحقيقات النيابة العامة، وما انتهت إليه بحفظ التحقيق، وكذلك ما انتهت إليه النيابة الإدارية بداية من حفظ ما نسب للمحالين لعدم كفاية الأدلة، فإن المحكمة تطمئن على عدم ثبوت المخالفة المنسوبة لهما ثبوتا يقينا، وقضت ببرائتهما.
وهنا تضع القضية أوزارها، ويقف المتهم ليتنفس الصعداء، ويعود لأهله مسرورًا، رافعًا دليل براءته، ويعود إلى عمله ليستقبله زملاؤه بالأحضان، وينسى الجميع إجراءات التباعد الاجتماعي، وينسى المتهم ما تكبده من آلام، وتبقى أفراح البراءة، وعبقرية القضاء المصري.. وللحديث بقية