رحلة في عقل "إخواني" (3)
إنّ الفكر يقود العملَ مثل رعدٍ بعد برقٍ جَلّجَلا
هكذا وصف الشاعر محمد إقبال دور الأفكار في التأثير على الفعل البشري، فقناعات الإنسان وأفكاره هي التي تتحكم في سلوكه وتصرفاته؛ فهذه التصرفات بمثابة المرآة التي تمثل انعكاسات لتلك القناعات، والفكرة هي إدراكنا وتصورنا للأشياء وعليها تترتب تصرفاتنا وأفعالنا.
فهي كما يقول سقراط "بالفكرة يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورود أو الأشواك"، ويقسّم العلماء العقل إلى شقين: العقل الواعي، والعقل اللاواعي، وكلما ازدادت الفكرة رسوخاً في عقل الإنسان بانتقالها من الواعي إلى اللاواعي، كلما ازدادت تأثيراً على سلوكه وحياته فـ"الإنسان هو حصيلة أفكاره" كما يقول ديل كارنجي، وبعض الأفكار قاتلة قد تحصد روح صاحبها، بل أرواح الآخرين. وجماعة الإخوان لديها بعض القناعات الراسخة التي تتحكم في سلوكها وتحدد مساراتها، سوف نتحدث هنا عن بعض منها:
نحن الإسلام
هذه المقولة يتم تداولها بشكل صريح داخل الجماعة، حيث إنها إحدى كلمات البنا التي وصف بها الجماعة في إحدى رسائله، حيث يقول "نحن الإسلام أيها الناس، فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا"، وربما كان يقصد أننا لم نأتِ بجديد وأن ما نقوله وما نطرحه من أفكار إنما يعبر عن صحيح الإسلام، وهذا في حد ذاته يعبر عن مشكلة كبرى؛ فما وقع فيه حسن البنا من خلط بين الدين والتنظيم، ومن ادعاء بأن أفكاره وأهدافه هي ما أمر به الإسلام وليس مجرد فهم للدين ووجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ، يمثل ادعاءً يخالف طبيعة الإسلام ذاته، حيث أن أحكام الإسلام القطعية أقل من الأحكام الظنية التي تقبل تفسيرات عدة وتأويلات مختلفة، بالإضافة إلى أن هناك أمورًا كثيرة نظّمها الإسلام بمبادئ وقيم ومقاصد يجب مراعاتها دون تنظيم لتفاصيلها، وهذا ما قال به كثير من المفكرين من أنه هناك فارق بين الدين وبين فهم الناس للدين، بين نص الوحي وبين تفسيره، بين الشريعة وبين الفقه.
الجماعة واجبة الاتباع
هناك إجراء تقوم به الجماعة يعكس هذه القناعة بشكل كبير، ففي نهاية إحدى المراحل التربوية في الجماعة يتم تدريس موضوعًا من الموضوعات الهامة، وهو عبارة عن سلسلة محاضرات بعنوان "صفات الجماعة واجبة الاتباع"، يتم من خلالها استعراض كل الجماعات الإسلامية الموجودة علي الساحة، وشرح أفكارها الرئيسية وأهدافها وأهم صفاتها، ثم يتم الحديث بعد ذلك عن شروط عامة مجردة توضح ما هي الجماعة الأحق بالإتباع، ثم يتم قياس كل جماعة من هذه الجماعات بما فيها جماعة الإخوان علي تلك الشروط، وبالطبع تنتهي المحاضرات إلى نتيجة هي المطلوبة من البداية، وهي أن الجماعة الوحيدة التي يتوافر فيها هذه الشروط هي جماعة الإخوان، معادلة سهلة وواضحة، يتم شرحها لأفراد الجماعة لإقناعهم بضرورة الانضمام للإخوان! وتظل هذه القناعة حاكمة للعقلية الإخوانية فيما بعد.
السيطرة على العالم
تمتلك جماعة الإخوان مشروعًا عالميًا، يتمثل في استهداف إقامة دولة إسلامية عالمية، وهذا الهدف هو الذي يحكم عقل الجماعة ويحدد مساراتها وأهدافها المرحلية، وهو يمثل حلمًا تداعب به عقول الأفراد، وأسلوبًا تلعب به على وتر العاطفة ودغدغة المشاعر وتحريك القلوب قبل العقول. ومن خلاله تمتلك القدرة دومًا على جذب أفراد جدد لينضموا إلى صفوفها.
ويرتبط هذا الحلم بالسيطرة على العالم في عقل الإخوان بفكرة التمكين، الذي ترى الجماعة أنه يتحقق بوصولها للحكم في دولة تلو دولة وهكذا حتى الوصول لأستاذية العالم، ويترتب على هذه القناعة عددًا من المشكلات، وكان من نتائجها ذلك الصراع الدائر والمستمر بين الجماعة والدولة منذ يوليو 2013 وحتى الآن، فالجماعة ترى أنها هي التي تمثل الإسلام، وأنها الأجدر بقيادة الأمة وقيادة الدولة..
وبالتالي حصرت مفهوم التمكين في وصولها للحكم، فتصدرت له ابتداءً ودخلت معترك المنافسة عليه وما كان لها ذلك، ثم أصرت رغم علمها بصعوبة استمرارها في الحكم لأسباب كثيرة على عدم التراجع خطوة واحدة وفضلت المواجهة والدخول في صراع صفري، وترى الأمر وتُوصّفه على أنه صراع ديني وليس صراعًا سياسيًا، وتبرر ذلك بأن إقامة الدولة واجبٌ ضروريٌ حتى تُطَبق الشريعة، وأن الإسلام لن يحكم إلا إذا حكم الدولة من يفهم الإسلام بشكل صحيح، ومن لها غير الإخوان المسلمون!
حتمية المحنة والصدام
تقوم الجماعة بتهيئة أفرادها نفسيًا باستمرار على تقبل أي عقبات وعوائق قد تقابلهم في حياتهم بسبب انتمائهم التنظيمي، وتفسر لهم ذلك على أنه من "طبيعة الطريق" الذي هو دائمًا محفوفٌ بالمخاطر والصعاب والابتلاءات؛ وهكذا فكل من يسير في طريق الدعوة الذي هو طريق الأنبياء وفق تصورهم -بعيدًا عن مدى صحة أفكاره ووسيلته التي يتخذها لذلك- فإنه لابد أن يتعرض لمحن ويدخل في صراعات وأزمات متكررة، وإن لم يحدث ذلك يكون هناك ثمة خطأ ما، ويستشهدون كثيرًا في إطار ذلك بالعديد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن هذا المعنى.
ولذلك تقوم الجماعة برد كل ما تتعرض له من مشكلات ومحن وأزمات إلى سبب واحد وهو الصراع الواقع بين أهل الحق وأهل الباطل، ومؤامرات أعداء الإسلام على كل من يعمل في سبيل هذا الدين الذي يمثلونه! وبالتالي فلا مجال حينئذٍ للمراجعة.
وعلى عكس الطبيعة السويّة للنفس البشرية التي تحاول إخفاء آلامها وأحزانها عن الناس، وتحب ألاّ يراها أحد في موقف ضعف قد يقلل من كبريائها وكرامتها؛ فإن جماعة الإخوان تستلذ بعذاباتها وآلامها، وتتفنن في إبراز معاناة أفرادها وأحزانهم، وتبذل كل جهد لتحقيق أقصى استفادة من المحن التي تتعرض لها لتكسب بذلك تعاطفًا شعبيًا وانتشارًا مجتمعيًا، وامتدادًا تنظيميًا يتغذى على الآلام، كما أنها تهدف من ذلك أيضًا إلى صرف نظر أفرادها عن توجيه اللوم والاتهامات للقيادات التي تدير الجماعة وتمسك بزمام أمورها، حتى لا يتم اتهامها بالغفلة أو بالفشل أو ربما بالخيانة، فيكون الحل أن تبرر الإخفاقات والفشل بأنه من طبيعة الطريق، وأن الابتلاء أمر لابد منه، فيتم تغليف الأمر بغلاف ديني مع نفي أية أسباب أخرى.
هكذا وصف الشاعر محمد إقبال دور الأفكار في التأثير على الفعل البشري، فقناعات الإنسان وأفكاره هي التي تتحكم في سلوكه وتصرفاته؛ فهذه التصرفات بمثابة المرآة التي تمثل انعكاسات لتلك القناعات، والفكرة هي إدراكنا وتصورنا للأشياء وعليها تترتب تصرفاتنا وأفعالنا.
فهي كما يقول سقراط "بالفكرة يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورود أو الأشواك"، ويقسّم العلماء العقل إلى شقين: العقل الواعي، والعقل اللاواعي، وكلما ازدادت الفكرة رسوخاً في عقل الإنسان بانتقالها من الواعي إلى اللاواعي، كلما ازدادت تأثيراً على سلوكه وحياته فـ"الإنسان هو حصيلة أفكاره" كما يقول ديل كارنجي، وبعض الأفكار قاتلة قد تحصد روح صاحبها، بل أرواح الآخرين. وجماعة الإخوان لديها بعض القناعات الراسخة التي تتحكم في سلوكها وتحدد مساراتها، سوف نتحدث هنا عن بعض منها:
نحن الإسلام
هذه المقولة يتم تداولها بشكل صريح داخل الجماعة، حيث إنها إحدى كلمات البنا التي وصف بها الجماعة في إحدى رسائله، حيث يقول "نحن الإسلام أيها الناس، فمن فهمه على وجهه الصحيح فقد عرفنا"، وربما كان يقصد أننا لم نأتِ بجديد وأن ما نقوله وما نطرحه من أفكار إنما يعبر عن صحيح الإسلام، وهذا في حد ذاته يعبر عن مشكلة كبرى؛ فما وقع فيه حسن البنا من خلط بين الدين والتنظيم، ومن ادعاء بأن أفكاره وأهدافه هي ما أمر به الإسلام وليس مجرد فهم للدين ووجهة نظر قد تصيب وقد تخطئ، يمثل ادعاءً يخالف طبيعة الإسلام ذاته، حيث أن أحكام الإسلام القطعية أقل من الأحكام الظنية التي تقبل تفسيرات عدة وتأويلات مختلفة، بالإضافة إلى أن هناك أمورًا كثيرة نظّمها الإسلام بمبادئ وقيم ومقاصد يجب مراعاتها دون تنظيم لتفاصيلها، وهذا ما قال به كثير من المفكرين من أنه هناك فارق بين الدين وبين فهم الناس للدين، بين نص الوحي وبين تفسيره، بين الشريعة وبين الفقه.
الجماعة واجبة الاتباع
هناك إجراء تقوم به الجماعة يعكس هذه القناعة بشكل كبير، ففي نهاية إحدى المراحل التربوية في الجماعة يتم تدريس موضوعًا من الموضوعات الهامة، وهو عبارة عن سلسلة محاضرات بعنوان "صفات الجماعة واجبة الاتباع"، يتم من خلالها استعراض كل الجماعات الإسلامية الموجودة علي الساحة، وشرح أفكارها الرئيسية وأهدافها وأهم صفاتها، ثم يتم الحديث بعد ذلك عن شروط عامة مجردة توضح ما هي الجماعة الأحق بالإتباع، ثم يتم قياس كل جماعة من هذه الجماعات بما فيها جماعة الإخوان علي تلك الشروط، وبالطبع تنتهي المحاضرات إلى نتيجة هي المطلوبة من البداية، وهي أن الجماعة الوحيدة التي يتوافر فيها هذه الشروط هي جماعة الإخوان، معادلة سهلة وواضحة، يتم شرحها لأفراد الجماعة لإقناعهم بضرورة الانضمام للإخوان! وتظل هذه القناعة حاكمة للعقلية الإخوانية فيما بعد.
السيطرة على العالم
تمتلك جماعة الإخوان مشروعًا عالميًا، يتمثل في استهداف إقامة دولة إسلامية عالمية، وهذا الهدف هو الذي يحكم عقل الجماعة ويحدد مساراتها وأهدافها المرحلية، وهو يمثل حلمًا تداعب به عقول الأفراد، وأسلوبًا تلعب به على وتر العاطفة ودغدغة المشاعر وتحريك القلوب قبل العقول. ومن خلاله تمتلك القدرة دومًا على جذب أفراد جدد لينضموا إلى صفوفها.
ويرتبط هذا الحلم بالسيطرة على العالم في عقل الإخوان بفكرة التمكين، الذي ترى الجماعة أنه يتحقق بوصولها للحكم في دولة تلو دولة وهكذا حتى الوصول لأستاذية العالم، ويترتب على هذه القناعة عددًا من المشكلات، وكان من نتائجها ذلك الصراع الدائر والمستمر بين الجماعة والدولة منذ يوليو 2013 وحتى الآن، فالجماعة ترى أنها هي التي تمثل الإسلام، وأنها الأجدر بقيادة الأمة وقيادة الدولة..
وبالتالي حصرت مفهوم التمكين في وصولها للحكم، فتصدرت له ابتداءً ودخلت معترك المنافسة عليه وما كان لها ذلك، ثم أصرت رغم علمها بصعوبة استمرارها في الحكم لأسباب كثيرة على عدم التراجع خطوة واحدة وفضلت المواجهة والدخول في صراع صفري، وترى الأمر وتُوصّفه على أنه صراع ديني وليس صراعًا سياسيًا، وتبرر ذلك بأن إقامة الدولة واجبٌ ضروريٌ حتى تُطَبق الشريعة، وأن الإسلام لن يحكم إلا إذا حكم الدولة من يفهم الإسلام بشكل صحيح، ومن لها غير الإخوان المسلمون!
حتمية المحنة والصدام
تقوم الجماعة بتهيئة أفرادها نفسيًا باستمرار على تقبل أي عقبات وعوائق قد تقابلهم في حياتهم بسبب انتمائهم التنظيمي، وتفسر لهم ذلك على أنه من "طبيعة الطريق" الذي هو دائمًا محفوفٌ بالمخاطر والصعاب والابتلاءات؛ وهكذا فكل من يسير في طريق الدعوة الذي هو طريق الأنبياء وفق تصورهم -بعيدًا عن مدى صحة أفكاره ووسيلته التي يتخذها لذلك- فإنه لابد أن يتعرض لمحن ويدخل في صراعات وأزمات متكررة، وإن لم يحدث ذلك يكون هناك ثمة خطأ ما، ويستشهدون كثيرًا في إطار ذلك بالعديد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن هذا المعنى.
ولذلك تقوم الجماعة برد كل ما تتعرض له من مشكلات ومحن وأزمات إلى سبب واحد وهو الصراع الواقع بين أهل الحق وأهل الباطل، ومؤامرات أعداء الإسلام على كل من يعمل في سبيل هذا الدين الذي يمثلونه! وبالتالي فلا مجال حينئذٍ للمراجعة.
وعلى عكس الطبيعة السويّة للنفس البشرية التي تحاول إخفاء آلامها وأحزانها عن الناس، وتحب ألاّ يراها أحد في موقف ضعف قد يقلل من كبريائها وكرامتها؛ فإن جماعة الإخوان تستلذ بعذاباتها وآلامها، وتتفنن في إبراز معاناة أفرادها وأحزانهم، وتبذل كل جهد لتحقيق أقصى استفادة من المحن التي تتعرض لها لتكسب بذلك تعاطفًا شعبيًا وانتشارًا مجتمعيًا، وامتدادًا تنظيميًا يتغذى على الآلام، كما أنها تهدف من ذلك أيضًا إلى صرف نظر أفرادها عن توجيه اللوم والاتهامات للقيادات التي تدير الجماعة وتمسك بزمام أمورها، حتى لا يتم اتهامها بالغفلة أو بالفشل أو ربما بالخيانة، فيكون الحل أن تبرر الإخفاقات والفشل بأنه من طبيعة الطريق، وأن الابتلاء أمر لابد منه، فيتم تغليف الأمر بغلاف ديني مع نفي أية أسباب أخرى.