رئيس التحرير
عصام كامل

«لوبي الموظفين» ينقذ الإخوان من السقوط في «قوائم الإرهاب».. عمالة الجماعة لـ«المخابرات الأمريكية» تبعدها عن «فخ التصنيف»

شعار جماعة الإخوان
شعار جماعة الإخوان
«الدولة العميقة».. كلمة السر التي تستخدمها جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في الأوقات الحرجة، وطفت هذه الكلمة على سطح الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، وتحديدًا بعد الحديث عن تداول مشروعات قوانين من شأنها تصنيف الإخوان على «قوائم الإرهاب» في الولايات المتحدة الأمريكية.


مصدات الجماعة

حيث بدأت الجماعة البحث عن كوادر «دولتها العميقة» تمهيدًا لاستخدامها كـ«مصدات» تحميها من تمرير القانون وتضمن لها «رئة سياسية» توفر لها المساحة المطلوبة من الهواء بعدما تقطعت بها السبل سواء في الشرق الأوسط أو في غالبية دول القارة الأوروبية.

وبدأ التعمق الإخواني في الداخل الأمريكي، مع هجرة بعض القيادات والكوادر الإخوانية من مصر والدول العربية إلى الولايات المتحدة، والالتحاق بالمناصب والجامعات هناك، وبالأخص خلال الحرب الباردة، وهي الفترة التي حرصت فيها الجماعة على كسب الولاء الأمريكي، حيث تمكنت من حصد الثقة لدى العديد من الأوساط القيادية في الولايات المتحدة وداخل مؤسسات نافذة كـ«الخارجية» و«الدفاع» و«الأمن الداخلي» و«الاستخبارات».

ومؤخرًا نالت الجماعة الدعم المادي من النظام القطرى الذي ساعدها في مزيد من النفاذ داخل الدولة العميقة الأمريكية، وتكوين لوبي متشعب يدافع عن مصالح الجماعة ضد أي تهديد، ولا يخف على أحد دور الإخوان الأكبر في مساندة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق، وبدت العلاقة بين الإخوان وواشنطن واضحة بشكل كبير في أعقاب مايسمى بـ«ثورات الربيع العربي»، التي أظهرت تأييدا واضحا من جانب مراكز صنع القرار في أمريكا للمشروع الإخواني الهادف للسيطرة على المنطقة العربية.

قوائم الإرهاب

وفي سياق محاولات تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية في واشنطن، أعلن السيناتور الأمريكي جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، بالاشتراك مع كل من السيناتور جيم إينهوفي والسيناتور رون جونسون والسيناتور بات روبرتس، وجميعهم أعضاء في الحزب الجمهوري.

ويطالب مشروع القانون وزارة الخارجية الأمريكية باستخدام سلطتها القانونية لتصنيف الجماعة كـ«منظمة إرهابية أجنبية»، وهذا الإجراء يتطلب من وزارة الخارجية تقديم تقرير للكونجرس الأمريكي حول ما إذا كانت المعايير القانونية للتصنيف تنطبق على الجماعة.

وقال السيناتور كروز: «أنا فخور بإعادة طرح هذا القانون ولتعزيز حرب أمريكا ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف، وأثني على عمل الإدارة الحالية في تسمية الإرهاب باسمه ومحاربة انتشار هذا التهديد المحتمل، وأتطلع إلى تلقى المعلومات الإضافية التي يتطلبها هذا القانون الجديد من وزارة الخارجية، ولقد خلص العديد من أقرب حلفائنا في العالم العربي منذ فترة طويلة إلى أن الإخوان جماعة إرهابية تسعى إلى بث الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسأواصل العمل مع زملائي لاتخاذ إجراءات ضد الجماعات التي تمول الإرهاب».

جرائم التحريض

وفي سياق ذي صلة، أوضح السيناتور «إينهوف» أنه «منذ تأسيس جماعة الإخوان في مصر، دأبت الجماعات التابعة للإخوان على الدعاية والتحريض على الكراهية ضد المسيحيين واليهود وغيرهم من المسلمين، بينما كانت تدعم الإرهابيين الراديكاليين»، معربا عن فخره في ظل إدارة ترامب بالاستمرار في المناداة ومكافحة الإرهاب المتطرف، ومؤكدا أنه يجب الاستمرار في إدانة المنظمات الإرهابية الأجنبية ومحاسبتها على الشر الذي ترتكبه.

وفي وقت سابق، تحدث تيد كروز، عن وجود قوى في الدولة العميقة بأمريكا تقف خلف فشل محاولات تصنيف الإخوان على قوائم الإرهاب، مؤكدا أن الإخوان بتصرفاتهم ونهجهم وعملياتهم هم منظمة إرهابية، وهم لا يخفون ذلك، لا يخفونه في وثائقهم التأسيسية، مشيرا إلى أن الإخوان منظمة إرهابية أظهرت استعدادا لقتل أي شخص لا يتماشى مع نظرتهم العالمية الجهادية، وعلى الولايات بالتأكيد تصنيفهم، ولكن بعض القوى ذاتها في الدولة العميقة، بوزارة الخارجية ووزارة الخزانة يقفون وراء فشل المحاولات.

خريطة المصالح 

من جانبه، قال الدكتور أحمد الشوربجي، الباحث في شئون الحركات المتطرفة: العالم له خريطة مصالح متداخلة، والولايات المتحدة لها مصالح متعددة مع مصر، ولذلك أي حديث يقع في مصر يكون له أهمية قصوى بالنسبة للأمريكيين، وبعد خروج الإخوان من الحكم عقب ثورة 3 يونيو، بدأ الجانب المصري والسعودي والإماراتي يضغطون من أجل تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية على مستوى الحلفاء الأمريكان وأوروبا.

وأضاف:ترامب استجاب واتضح أنه حريص على الحفاظ على التحالفات وتوازن القوى، وكانت له محاولة في سياق تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، ولكن هناك بعض المسائل تكون أكبر من قدرة ومسئولية مدير السياسة الأمريكية، لافتًا إلى أن هناك العديد من المحاولات جرت لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية في أمريكا.

ففي 2014 جرت محاولة جادة للغاية، وتكررت في عامي 2015 و2016، وفي عام 2017 تقدم 32 عضوا من الكونجرس الأمريكي يهدف لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، لكن في كل مرحلة يتم وأد تلك المحاولات.

د. «الشوربجي» أشار إلى أن السبب وراء ذلك يعود إلى أن خروج قانون يقضي بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية يقتضي تقديم البيت الأبيض تقرير يثبت أن جماعة الإخوان تورطت في أعمال عنف تضر بـ«المصالح الأمريكية»، أي قد تكون أضرت بمصالح دول حليفة للولايات المتحدة الأمريكية فقط دون أن تتضرر مصالحها، موضحًا أن «الخطوة التالية يتم الطلب من أجهزة مكافحة الإرهاب الأمريكية تقديم تقارير مكتوبة عن تلك الأعمال وكيفية حدوثها ونتائجها، ثم مناقشة تلك التقارير في جلسات استماع».

ومن الممكن لمجلس الشيوخ الأمريكي أن يوقف مشروع القانون، بالإضافة إلى أن القانون يعطي الحق لجماعة الإخوان في الطعن على قرار تصنيفها كجماعة إرهابية حال حدوثه، لذلك فإن مسألة إخراج مشروع قانون يضع الإخوان كجماعة إرهابية فيه صعوبة قانونية شديدة.

كما أكد أن الإخوان جماعة وظيفية بالنسبة لدول أوروبا وأمريكا، وتؤدي دور وظيفة معلوماتية واستخباراتية لهذه الدول، ولها سجل معروف تاريخيا في ذات الشأن معهم، لافتًا إلى أن هناك قناة استخباراتية أمريكية مفتوحة مع الإخوان.

من جانبه، قال عماد عبد الحافظ، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية: التعارض في الموقف الأمريكي تجاه تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية ربما يأتي بسبب انقسام النظام السياسي في الولايات المتحدة بين حزبين رئيسيين، هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، حيث يتبنى كل منهما أيديولوجية مختلفة تؤثر على موقفه تجاه العديد من القضايا والتي من بينها نظرته إلى العالم الإسلامي وسياسته تجاه حركات الإسلام السياسي.

ففى الوقت الذي يتبنى فيه الحزب الجمهوري سياسة صدامية إقصائية تجاه العالم الإسلامي عمومًا، وبالطبع تجاه حركات الإسلام السياسي بوجه خاص كونه حزبًا محافظًا ذا توجه يميني يتسم بالتشدد، فإن الحزب الديمقراطي ذا التوجه الليبرالي يتبنى سياسة استيعابية توظيفية لتلك الحركات.

ولذلك فإن هذا يفسر تلك المحاولات المتكررة والتي لن تتوقف من جانب أعضاء الحزب الجمهوري بالكونجرس لإصدار قانون بإدراج جماعة الإخوان كجماعة إرهابية، في حين تبقى هناك العديد من الجهود من أعضاء الحزب الديمقراطي للحيلولة دون صدور مثل هذا القانون، والذي يبرره البعض منهم بأنه لا يمكن تصنيف جماعة كجماعة الإخوان بهذا الشكل، لأنها أولًا منتشرة في أكثر من دولة.

وبعض هذه الدول توجد فيها جماعة الإخوان في دائرة السلطة أو قريبة منها كتونس والمغرب وتركيا، الأمر الذي يسبب عددا من الأزمات مع هذه الدول.

عمال الجماعة

وأكمل: هذه السياسة الاستيعابية التوظيفية التي تمارسها الإدارة الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي قديمة وليست وليدة اليوم، فقد عملت الإدارة الأمريكية على التواصل مع جماعة الإخوان منذ أيام حسن البنا، عندما التقى أحد الدبلوماسيين الأمريكيين في جدة حسبما ذكر الأستاذ عبد العظيم حماد في كتابه «الوحي الأمريكي».

وكان هذا التقارب بهدف التصدي للمد الشيوعي، كما التقى الرئيس الأمريكي أيزنهاور القيادي في الجماعة سعيد رمضان صهر البنا في البيت الأبيض من أجل التصدي كذلك للشيوعية، ثم في العصر الحديث بدأ التواصل والتفاهم من جديد بين الإدارة الأمريكية في العام 2007 عندما طلبت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس من الدبلوماسيين الأمريكان التواصل مع أعضاء الجماعة عبر ممثليها بالبرلمان والنقابات.

وكان هذا التقارب بهدف البحث عن شركاء من المسلمين يمكن إدماجهم في النظام العالمي، واستيعابهم بحيث لا يشكلون خطرًا على المصالح الأمريكية، وتابع: ثمة أمر آخر يحول دون صدور مثل هذا القانون وهو قدرة الجماعة عبر علاقاتها النافذة داخل المؤسسات الأمريكية في تسويق قضيتها، على أنها قضية اعتداء على الرأي وحقوق الإنسان فقط، مستغلة بعض الممارسات الخاصة بهذا الأمر من قبل النظام في مصر تجاه بعض المعارضين.

في حين تنفي أي ممارسة للقوة من جانبها في ظل صراعها مع النظام، وتعتمد على عدم اعترافها بشكل صريح عن مثل هذه الأعمال، وبالتالي تجد لدى البعض في دوائر صنع القرار الأمريكي من يقتنع بموقفها.

أسباب التأجيل

كما أكد «عبد الحافظ» أن محاولات إصدار قانون بتصنيف الجماعة بأنها إرهابية ستستمر، لكن لن تؤتي هذه المحاولات أُكُلها، بسبب ثلاثة أسباب، هي: عدم الرغبة من جانب بعض المؤسسات الأمريكية في صنع أزمات مع بعض الدول، ووجود علاقات قوية ونافذة للجماعة داخل المؤسسات في الولايات المتحدة عن طريق ممثليها من المنظمات التابعة لها داخل أمريكا، وبسبب سياسة الاستيعاب التي تتبعها تلك المؤسسات.

وأخيرًا بسبب قدرة الجماعة على تسويق قضيتها، كذلك ونتيجة لما سبق فإن نجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية لاشك أنه سوف يأتي في صالح الجماعة بشكل كبير؛ حيث إن حزبه ينتهج نهجًا مختلفًا عن نهج الحزب الجمهوري، مما سوف يتسبب ربما في تخفيف الضغط على الجماعة بشكل ما خارج مصر، فلن يتم تصنيفها كجماعة إرهابية مما سيتيح لها قدرا كبيرا من الحركة والنشاط والتمويل.

في السياق ذاته أوضح الباحث في شئون الجماعات الإرهابية، عمرو فاروق، أن محاولات تصنيف الإخوان على قوائم الإرهاب وتمريرها من خلال مشروع السيناتور الأمريكي الجمهوري، تيد كروز، أمر مستبعد تماما في تلك المرحلة، نظرا للكثير من المعطيات التي تفرض نفسها على المشهد السياسي الأمريكي، من خلال تولى جون بايدن للإدارة الأمريكية، فضلا عن وجود أوباما في قلب المشهد وهيمنته على مجموعة من الملفات من بينها ملف تيارات الإسلام السياسي والجماعات الأصولية.

وأضاف «فاروق»: عدد من المؤشرات يوحي بأن بايدن سيكون امتدادا حقيقيا لباراك أوباما فيما يخص قضايا منطقة الشرق الأوسط، وتدخلاتهم في الملفات الداخلية مثل حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، والتعددية الحزبية، فضلا عن إشكاليات الأصولية الإسلامية.

كما أشار إلى أنه هناك صعوبة واضحة في تمرير أي قرار يقضي بإدارج الإخوان على قوائم الإرهاب، في ظل اختراقهم لدوائر صنع القرار الأمريكي والمراكز البحثية المعنية بتقديم الاستشارات السياسية للحكومة الأمريكية، وتحكمها في لوبي سياسي وإعلامي قوي محسوب على الحزب الديمقراطي، داخل الإدارة الأمريكية، يعمل لصالح التنظيم الدولي للجماعة.

وتابع: تمرير قرار إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب، يحتاج لموافقة عدد من الجهات الاستخباراتية والأمنية والدبلوماسية داخل أمريكا، فضلا عن موافقة الكونجرس الأمريكي.

كما يستوجب على الخارجية الأمريكية تقديم جميع الأدلة اللازمة، وفقا للمادة 219 من قانون الهجرة والجنسية، التي حددت ثلاثة معايير أساسية لوضع أي منظمة على قوائم الإرهاب، هي أن تكون المنظمة أجنبية، وأن تشترك أن تكون متورطة في أعمال إرهابية، وأن  يهدد نشاطها استقرار الأمن القومي للولايات المتحدة.

كما أنه وفقا لقوانين السياسة الدولية، لا يوجد تنظيم حقيقي ورسمي يعبر عن جماعة الإخوان، إذ إن جميع الكيانات التابعة للتنظيم الدولي تحمل أسماء متعددة، ولا يمكن إثبات علاقتها بالإخوان رسميا، كما أن بعضها يتداخل في شراكة سياسية ومجتمعية مع بعض المؤسسات والجهات الحكومية الأمريكية، وفي مقدمتهم مؤسسة الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية( (ISNA، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR)، والجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS).

تصنيف مستبعد

بدوره.. قال سامح عيد الباحث في شئون الجماعات الإرهابية: أمريكا لن تصنف الإخوان كجماعة إرهابية، لأنها منذ الأربعينيات صنعت وحدة في الـ«سي أي إيه» بعد الحرب العالمية الثانية، اسمها الإخوان المسلمين، وكذلك الأمر في بريطانيا، والفكرة قائمة على توظيف الأصولية التي صنعها هتلر، مشيرًا إلى أن التنظيم مخترق من جميع الأجهزة الاستخباراتية، باعتراف قيادات الجماعة أنفسهم، وكانت هناك دائمًا علاقات بين الجماعة والكونجرس الأمريكي.

نقلًا عن العدد الورقي...
الجريدة الرسمية