رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

مجتمع الكراهية.. في عيد الحب!

هو أي مجتمع. خمسة أفراد. أسرة. دولة. الكرة الأرضية. يتحدثون عن الحب. يجترون الذكريات. يطاردون الحب. الفكرة ذاتها. الشعور بالتوهج. الحاجة إلى الحنان. الحنين. علاقات تنشأ طاهرة، فيها الرغبة الصادقة في التضحية وفي العطاء وبذل الذات والمال والوقت. لا نعيش بدون الحب. وايضا لا نعيش دون الكراهية. كما نعيش مع الخير وللخير، يعيش الشر معنا وبنا ولنا.


هذه الثنائية الأبدية هي قدرنا المحتوم من يوم طردنا الله من جنته ونحن بعد في سلسلة ظهر أبينا آدم. لن تخبو الفكرة لأنه ليست نبت العقل. بل هي نبت القلب. الكراهية أيضا نبت القلب. هذه المضخة الآلية التي لا تخمد إلا بالموت.. هي صانعة تلك النبضة الجميلة والرنة الموسيقية، واللهفة الحارقة حين نرى استجابة قبول ورضا من حبيب استعصى وتمرد.. وهي أيضا صانعة رجفة المقت والنفور وعدم التسامح. القلب موضع الثنائية. من أجل هذا وصف بأنه مصنع التقلبات.

الوصول للمريخ والوصول إلى عزبة الهجانة!

فحين يبلغ الحب قمة جبل الوله اعلم أنك بلغت قمة جبل الكره. كيف ذلك؟ حين تحب كل هذا القدر من الحب، تبرز فيك بالسليقة رغبة كاسحة في الامتلاك. حين يرفض الطرف الآخر حيازتك لمشاعره وتأميمك لكيانه وتكبيلك لحركته وتفتيشك في دفاتر عقله.. ستكرهه.. وتراه جاحدا ناكرا.. وكلما أبعد في التحرر منك وأوغل في البعاد والمقاومة تحولتما إلى عدوين لدودين. بيوت المتزوجين ترعى فيها هذه الثنائية المؤلمة.. العقلاء من يرصدون التحولات ويبنون جسورا جديدة من الفهم والتقبل والتحسين. يمكن دائما تجديد المشاعر بالقدر نفسه الذي يبدع فيه الشر لتأجيج الكراهية.

يحتفلون في العالم بعيد الحب. عيد القديس فالانتين. العالم ممتلئ بالكراهية والأحقاد والأطماع. لا بأس من ريح طيبة عطرة محملة بالوداعة. سيدوم يوم الحب أربعا وعشرين ساعة بينما يدوم يوم البغضاء ٣٦٥ يوما. هل تكفي الأربع والعشرون ساعة لمحو بصمات وحفر وتورمات السنة بحالها؟

على مستوى العلاقات الثنائية، فإن هذا يوم للتذكر والمراجعة والاعتذار.. كما هو يوم لتأكيد المشاعر.. وتأجيجها بالورود الحمراء والدباديب. بالمناسبة هذه صارت عملة بالية. الفلوس الحمراء هي الهدية الرائجة. ستصنع يوما عسيرا إن تجاهلت هذا التحول في سوق العملات المعبرة عن المشاعر!

حتى يأتينا اللقاح.. هل ستتلقح؟!

أكره النفاق كراهية الذهاب إلى جهنم. ولم أعد أركن الى حب معلن مبالغ فيه. اللغة السائدة هذه الأيام هي المنفعة والمصلحة. لن ترى الحب إذا امتنعت عن تقديم المصلحة وتوفير المنفعة. يظن النفعيون أنهم أذكياء. لكن أصحاب القلوب المطبوعة على العطاء يرونهم على حالتهم: كائنات جشعة.. يرثى لهم.. تستبد بهم حالة نهم لا تشبع.

عيد الحب كيف.. والناس تنقلب على بعضها بعضا عند المنع أو الاعتذار بعدم القدرة؟ عيد الحب كيف ونحن في مرمى خناجر الكراهية والإذلال الاجتماعي طول الوقت؟ عيد الحب كيف وقلة تحتكر المال والظهور وتتباهى؟

لو كنا نحب حقا لهدأت أعصاب المجتمع.. ومضت فيه الرقة والعذوبة والكلمة الطيبة كما تمضي المياه الصافية في جداول الجنة.. موسيقى الكون تحيط بالقلوب وتبعث فيها الطمأنينة.

أحبوا أنفسكم.. نعم.. لكن أحبونا نحن أيضا لكي نحبكم. العدل قرين الحب. الظلم قرين المقت.
Advertisements
الجريدة الرسمية