سلسلة ما وراء التسريحة (13)
سجين البرطمان
حاولت تفادي ذلك الطبق الطائر الهابط على رأسي، الذي اكتشفت لاحقا أنه شبشب حمام، فأخذت أجري بطريقة الزجزاج يمينا ويسارا، غير أنه استقر أخيرا على نافوخي تماما، فسقطت على الأرض فاقدا للوعي، وحين استفقت وجدتني في كف زوجتي حسناء، التي كانت تحيطني باصابع يدها، في مشهد يشبه السجن، وكانت تنظر إلي في دهشة وهي تقلبني ذات اليمين وذات الشمال.
- ما هذا؟ لم أر في حياتي حشرة بهذا الشكل!
هكذا كانت حسنات تتحدث إلى نفسها، في الوقت الذي كنت أصرخ فيه بعلو حسي مؤكدا لها أنني زوجها بخيت، محاولا شرح مأساتي حين انكمش حجمي ليصبح كما عقلة الأصبع، لكن يبدو أن صوتي لم يكن بالقوة الكافية ليصل لها، وهو ما جعلها تقربني من أذنها لتسمع ذلك الطنين الخارج مني.
في ذلك الوقت تمنيت لو كنت في حجمي الطبيعي كي أعض أذنها وأقطعها بأسناني، لكن ذلك لم يحدث، ورحت اصرخ وأصرخ بأنني بخيت غير أنها لم تفهم حرفا من كلامي، وعادت لتحادث نفسها من جديد.
- غريبة، طنينه يشبه النحلة، لكن هذا المخلوق لا يشبه النحل، إنه قريب الشبه بالإنسان.. مسسسسسم سبحان الله.
سلسلة ما وراء التسريحة (12)
فقدت الأمل في أن يصل صوتي إلى مسامع حسنات، وبدأت أتخيل ذلك السيناريو المخيف الذي ينتظرني، خاصة حينما رأيتها تتجه نحو المطبخ، وهناك وضعتني داخل برطمان صلصة فارغ، وأحكمت غلقه بغطاء معدني، فقلت حتما هي النهاية فبعد قليل سينفد الأكسجين في البرطمان وسأموت مختنقا كحشرة حقيرة.. منك لله يا حسنات.
داخل البرطمان رحت أرفس برجلي في كل الاتجاهات لعلها تلاحظ ذلك، وتعاود فحصي لتكتشف أنني زوجها بخيت، لكنها مضت في طريقها للخروج من المطبخ بعد أن وضعتني على الرخامة قرب علب التوابل.
جلست في قاع البرطمان متأهبا لنفاذ الأكسجين ثم الموت، ورحت أراجع في عقلي شريط ذكرياتي وحياتي، وكيف آل بي الحال من مساعد عالم قد الدنيا مع الدكتور فرغلي ذائع الصيت، إلى أن أصبحت مجرد عامل في مشرحة بمستشفى حكومي، إلى أن وصلت إلى ذروة مأساتي، حين قررت بكل غباء أن أصنع التركيبة التي صممها الدكتور فرغلي، وأتجرعها لينكمش حجمي ومن بعدها الدخول إلى عالم ما وراء التسريحة للبحث عن سلسلة مفاتيحي الضائعة.
كم أنا غبي، أغامر بحياتي خوفا من أن أطرد من عملي بالمشرحة؟!
بدأ الأكسجين يتناقص في البرطمان، بينما الدموع تنساب على وجنتي، وأكثر ما كان يؤلمني هو تلك النهاية التراجيدية، فأرخيت أعصابي واستلقيت على ظهري مغمضا عيني كي أموت في سلام.
كاد الأكسجين يختفي تماما، بعدما استهلكته كله، فبدأت أسعل وجحظت عيناي وراح جسدي ينتفض انتفاضته الأخيرة، وهنا أدركت أنني فقدت السيطرة على جسمي، وأنه بات يتصرف بشكل آلي دون أوامر أو إرادة مني، وشعرت بشيء يحك أنفي جعلني أشتعل برغبة كبيرة في العطس، وبالفعل عطست عطسة لم أعطسها في حياتي من قبل، فاندفع الهواء خارجا من فتحتي أنفي بقوة تفوق الخيال، حتى أنها دفعت غطاء البرطمان وجعله يطير في الهواء حتى اصطدم بسقف المطبخ محدثا دويا يشبه انفجار قنبلة ذرية.
ربما يكون صوت اندفاع غطاء البرطمان ليس بالقوة التي شعرت بها، نظرا لأن حجمي الصغير يجعل كل الأشياء والاصوات بالنسبة لي أضخم من حقيقتها، لكنه على كل حال كان صوتا سمعته حسنات، ودفعها للتبرم والصياح من غرفة نومها، معتقدة أن القطة تعبث بالمطبخ.
حين انفتح البرطمان، استنشقت الأكسجين مرة أخرى، وامتلئت رئتي به، بدأت أستعيد وعيي وقوتي، في الوقت الذي سمعت فيه خطوات حسنات قادمة من غرفتها إلى المطبخ لتستطلع الأمر، وحينها لم يكن أمامي إلا ثوان، إذا كنت أريد الخلاص فعلا والهروب من البرطمان قبل أن تعيد إغلاقه هي مرة أخرى.
فكرت قليلا في حل، ولم أجد بدا من أن أندفع بكل قوتي نحو جسم البرطمان لعلي أسقطه على الأرض وأهرب، وبالفعل عدت للخلف مندفعا للأمام بكل قوتي، فأهتز البرطمان لكنه لم يسقط، بينما حسنات تقترب من المطبخ.
سلسلة ما وراء التسريحة (11)
كررت فعلتي مرة ومرة بقوة لا أعرف من أين لي بها، كن يبدو أنها حلاوة الروح كما يقولون.
في المرة السابعة من محاولاتي إسقاط البرطمان وأنا داخله، نجحت بالفعل، وبدأ ذلك الجسم الزجاجي في الوقوع من أعلى الرخامة إلى الأرض، في رحلة قد تبدو للإنسان العادي أجزاء من الثانية، غير أنها بالنسبة إلى حجمي هذا كانت توازي دقائق ليست بالقليلة.
سقط البرطمان على الأرض متشظيا إلى مئات القطع الصغيرة، ووجدت نفسي حرا، بينما حسنات تقف على رأسي وفي عينيها شر يغلي كما الزيت في طاسة بائع الطعمية، وهي تتمتم بشتائم وكلمات تشبه سحنتها الغبية، وحين اقتربت لتمسك بي كي تسحقني بين أصابع يدها، رفعت كفها عني فجأة وصرخت كما الحامل في وقت ولادتها، إذ إن قطعة من الزجاج المكسور اخترقت باطن قدمها، فصحت أنا.
- إنها عدالة السماء نزلت على استاد باليرمو!
لا أعرف كيف لي في هذا الوقت العصيب، أن أمزح وأتذكر تلك الجملة الخالدة من ذكريات مونديال إيطاليا 90.
- وديني ما أنا سايباك.. هكذا صرخت حسنات وهي تتألم وتطاردني بفردة الشبشب في يدها، مصرة أنني حشرة، فرحت أركض بقوة، حتى خرجت من المطبخ فوجدتها تلاحقني، وللحظة أخذت أفكر إلى أين أتجه.. لغرفة النوم والعودة إلى ما وراء التسريحة مرة أخرى.. أم إلى غرفة المعيشة لأكمن وراء الإنتريه حتى اختفي عن ناظريها؟!
لم تمنحني حسنات فرصة أكبر للتفكير، ووجدتها تقف حائلا بيني وبين غرفة المعيشة، إذا لم يعد هناك مكان سوى وراء التسريحة، فذلك العالم الغريب أرحم من الموت بشبشب حسنات كحشرة حقيرة.
جريت نحو غرفة النوم، وألقت حسنات بسلاحها الفتاك لكنه لم يصبني، وقبل مسافة قصيرة من غرفة النوم، شاهدت باب الحمام مواربا، ودون تفكير، وجدتني داخله، ورحت أبحث عن مكان أختبأ فيه، لكن حسنات عاجلتني بفتح باب الحمام ورفعت قدمها فوقي استعدادا لسحقي.
قبل أن أتمكن من الهرب، نزلت قدم حسنات فوقي، وشعرت بأنفاسي تتقطع وصدري ينبعج، وبشكل غير إرادي وجدتني أزغزغ باطن قدم حسنات، فأخذت تضحك بشكل هيستيري، حتى أنها اضطرت لرفع قدمها الذي يشبه خف الجمل عني، وحينها نهضت وانطلقت إلى المرحاض فتسلقته وألقيت بنفسي داخله ولا كأنني «مايكل فيلبس»، ورحت أسبح من المنتصف نحو أحد الأركان.
لم أكد ألتقط أنفاسي، حتى وجدت العقربة حسناء تضع يدها على السيفون!
شششششششششششش، ذلك كان آخر صوت سمعته قبل أن أغرق.
حاولت تفادي ذلك الطبق الطائر الهابط على رأسي، الذي اكتشفت لاحقا أنه شبشب حمام، فأخذت أجري بطريقة الزجزاج يمينا ويسارا، غير أنه استقر أخيرا على نافوخي تماما، فسقطت على الأرض فاقدا للوعي، وحين استفقت وجدتني في كف زوجتي حسناء، التي كانت تحيطني باصابع يدها، في مشهد يشبه السجن، وكانت تنظر إلي في دهشة وهي تقلبني ذات اليمين وذات الشمال.
- ما هذا؟ لم أر في حياتي حشرة بهذا الشكل!
هكذا كانت حسنات تتحدث إلى نفسها، في الوقت الذي كنت أصرخ فيه بعلو حسي مؤكدا لها أنني زوجها بخيت، محاولا شرح مأساتي حين انكمش حجمي ليصبح كما عقلة الأصبع، لكن يبدو أن صوتي لم يكن بالقوة الكافية ليصل لها، وهو ما جعلها تقربني من أذنها لتسمع ذلك الطنين الخارج مني.
في ذلك الوقت تمنيت لو كنت في حجمي الطبيعي كي أعض أذنها وأقطعها بأسناني، لكن ذلك لم يحدث، ورحت اصرخ وأصرخ بأنني بخيت غير أنها لم تفهم حرفا من كلامي، وعادت لتحادث نفسها من جديد.
- غريبة، طنينه يشبه النحلة، لكن هذا المخلوق لا يشبه النحل، إنه قريب الشبه بالإنسان.. مسسسسسم سبحان الله.
سلسلة ما وراء التسريحة (12)
فقدت الأمل في أن يصل صوتي إلى مسامع حسنات، وبدأت أتخيل ذلك السيناريو المخيف الذي ينتظرني، خاصة حينما رأيتها تتجه نحو المطبخ، وهناك وضعتني داخل برطمان صلصة فارغ، وأحكمت غلقه بغطاء معدني، فقلت حتما هي النهاية فبعد قليل سينفد الأكسجين في البرطمان وسأموت مختنقا كحشرة حقيرة.. منك لله يا حسنات.
داخل البرطمان رحت أرفس برجلي في كل الاتجاهات لعلها تلاحظ ذلك، وتعاود فحصي لتكتشف أنني زوجها بخيت، لكنها مضت في طريقها للخروج من المطبخ بعد أن وضعتني على الرخامة قرب علب التوابل.
جلست في قاع البرطمان متأهبا لنفاذ الأكسجين ثم الموت، ورحت أراجع في عقلي شريط ذكرياتي وحياتي، وكيف آل بي الحال من مساعد عالم قد الدنيا مع الدكتور فرغلي ذائع الصيت، إلى أن أصبحت مجرد عامل في مشرحة بمستشفى حكومي، إلى أن وصلت إلى ذروة مأساتي، حين قررت بكل غباء أن أصنع التركيبة التي صممها الدكتور فرغلي، وأتجرعها لينكمش حجمي ومن بعدها الدخول إلى عالم ما وراء التسريحة للبحث عن سلسلة مفاتيحي الضائعة.
كم أنا غبي، أغامر بحياتي خوفا من أن أطرد من عملي بالمشرحة؟!
بدأ الأكسجين يتناقص في البرطمان، بينما الدموع تنساب على وجنتي، وأكثر ما كان يؤلمني هو تلك النهاية التراجيدية، فأرخيت أعصابي واستلقيت على ظهري مغمضا عيني كي أموت في سلام.
كاد الأكسجين يختفي تماما، بعدما استهلكته كله، فبدأت أسعل وجحظت عيناي وراح جسدي ينتفض انتفاضته الأخيرة، وهنا أدركت أنني فقدت السيطرة على جسمي، وأنه بات يتصرف بشكل آلي دون أوامر أو إرادة مني، وشعرت بشيء يحك أنفي جعلني أشتعل برغبة كبيرة في العطس، وبالفعل عطست عطسة لم أعطسها في حياتي من قبل، فاندفع الهواء خارجا من فتحتي أنفي بقوة تفوق الخيال، حتى أنها دفعت غطاء البرطمان وجعله يطير في الهواء حتى اصطدم بسقف المطبخ محدثا دويا يشبه انفجار قنبلة ذرية.
ربما يكون صوت اندفاع غطاء البرطمان ليس بالقوة التي شعرت بها، نظرا لأن حجمي الصغير يجعل كل الأشياء والاصوات بالنسبة لي أضخم من حقيقتها، لكنه على كل حال كان صوتا سمعته حسنات، ودفعها للتبرم والصياح من غرفة نومها، معتقدة أن القطة تعبث بالمطبخ.
حين انفتح البرطمان، استنشقت الأكسجين مرة أخرى، وامتلئت رئتي به، بدأت أستعيد وعيي وقوتي، في الوقت الذي سمعت فيه خطوات حسنات قادمة من غرفتها إلى المطبخ لتستطلع الأمر، وحينها لم يكن أمامي إلا ثوان، إذا كنت أريد الخلاص فعلا والهروب من البرطمان قبل أن تعيد إغلاقه هي مرة أخرى.
فكرت قليلا في حل، ولم أجد بدا من أن أندفع بكل قوتي نحو جسم البرطمان لعلي أسقطه على الأرض وأهرب، وبالفعل عدت للخلف مندفعا للأمام بكل قوتي، فأهتز البرطمان لكنه لم يسقط، بينما حسنات تقترب من المطبخ.
سلسلة ما وراء التسريحة (11)
كررت فعلتي مرة ومرة بقوة لا أعرف من أين لي بها، كن يبدو أنها حلاوة الروح كما يقولون.
في المرة السابعة من محاولاتي إسقاط البرطمان وأنا داخله، نجحت بالفعل، وبدأ ذلك الجسم الزجاجي في الوقوع من أعلى الرخامة إلى الأرض، في رحلة قد تبدو للإنسان العادي أجزاء من الثانية، غير أنها بالنسبة إلى حجمي هذا كانت توازي دقائق ليست بالقليلة.
سقط البرطمان على الأرض متشظيا إلى مئات القطع الصغيرة، ووجدت نفسي حرا، بينما حسنات تقف على رأسي وفي عينيها شر يغلي كما الزيت في طاسة بائع الطعمية، وهي تتمتم بشتائم وكلمات تشبه سحنتها الغبية، وحين اقتربت لتمسك بي كي تسحقني بين أصابع يدها، رفعت كفها عني فجأة وصرخت كما الحامل في وقت ولادتها، إذ إن قطعة من الزجاج المكسور اخترقت باطن قدمها، فصحت أنا.
- إنها عدالة السماء نزلت على استاد باليرمو!
لا أعرف كيف لي في هذا الوقت العصيب، أن أمزح وأتذكر تلك الجملة الخالدة من ذكريات مونديال إيطاليا 90.
- وديني ما أنا سايباك.. هكذا صرخت حسنات وهي تتألم وتطاردني بفردة الشبشب في يدها، مصرة أنني حشرة، فرحت أركض بقوة، حتى خرجت من المطبخ فوجدتها تلاحقني، وللحظة أخذت أفكر إلى أين أتجه.. لغرفة النوم والعودة إلى ما وراء التسريحة مرة أخرى.. أم إلى غرفة المعيشة لأكمن وراء الإنتريه حتى اختفي عن ناظريها؟!
لم تمنحني حسنات فرصة أكبر للتفكير، ووجدتها تقف حائلا بيني وبين غرفة المعيشة، إذا لم يعد هناك مكان سوى وراء التسريحة، فذلك العالم الغريب أرحم من الموت بشبشب حسنات كحشرة حقيرة.
جريت نحو غرفة النوم، وألقت حسنات بسلاحها الفتاك لكنه لم يصبني، وقبل مسافة قصيرة من غرفة النوم، شاهدت باب الحمام مواربا، ودون تفكير، وجدتني داخله، ورحت أبحث عن مكان أختبأ فيه، لكن حسنات عاجلتني بفتح باب الحمام ورفعت قدمها فوقي استعدادا لسحقي.
قبل أن أتمكن من الهرب، نزلت قدم حسنات فوقي، وشعرت بأنفاسي تتقطع وصدري ينبعج، وبشكل غير إرادي وجدتني أزغزغ باطن قدم حسنات، فأخذت تضحك بشكل هيستيري، حتى أنها اضطرت لرفع قدمها الذي يشبه خف الجمل عني، وحينها نهضت وانطلقت إلى المرحاض فتسلقته وألقيت بنفسي داخله ولا كأنني «مايكل فيلبس»، ورحت أسبح من المنتصف نحو أحد الأركان.
لم أكد ألتقط أنفاسي، حتى وجدت العقربة حسناء تضع يدها على السيفون!
شششششششششششش، ذلك كان آخر صوت سمعته قبل أن أغرق.