رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

صحفي وإيه؟

في فيلم «فبراير الأسود»، يقف الراحل خالد صالح مخاطبا أفراد عائلته عن نوعية المواطنين الذين يمكنهم العيش بكرامة في وطنهم، فيقول إن صفة مواطن لا تكفي، إذ يجب أن يكون الإنسان مواطنا وإلى جوارها لقب آخر يعكس مكانة ووظيفة «مهمة» كأن يكون مواطنا ورجل أعمال.. أو وكيل نيابة.. و..


ويقول: «الناس دي بس هي اللي بتقدر تنام وهي متطمنة إن محدش يقدر يأذيها ولا يبوظلها حياتها... وبذلك نقدر نسميهم الفئات الآمنة إلى يوم الدين». واليوم، الحال ينطبق تماما على الصحفيين..

وربما يسأل أحدهم: ومن مس كرامة الصحفيين؟! ونقول، الأمر يتوقف على مفهوم الكرامة بالنسبة لك، فحين يعجز المواطن عن سد الاحتياجات الأساسية لأسرته من مأكل وملبس وتعليم وخلافه، فإن ذلك يعني امتهان كرامته وإنسانيته، فليس هناك أصعب على النفس من أن تقف عاجزا أمام أعز الناس، ممن هم في عصمتك..

عجوز يكتب التاريخ على حذاء

وربما كثير من الناس لا يعرفون أن المواطن الصحفي بات واحدا من أصحاب الدخول «المحدودة» ولا أقول «المنعدمة»، وكل ما يملكه هو «بدل» في حدود 2000 جنيه، وهو الركيزة الأساسية لدخله، زائد مرتب – وهي كلمة مجازية نشير بها إلى ما يحصل عليه من المؤسسة التي يعمل بها– وهو رقم هزيل غالبا ما يكون مقاربا للألفي جنيه التي يحصل عليها من خلال النقابة – فضلا عن أن كثيرا من الصحفيين ليس لديهم دخلا آخر غير البدل، فالكثير من الصحف إما متوقفة وإما لا تدفع لصحفييها مرتبا من الأساس، وبعضها يدفع مرتبات «أختشي» أن أذكر قيمتها، بل لا أبالغ إذا قلت إن الصحفيين فيها يحصلون على ذلك «المرتب» الهزيل على دفعات!

في القانون ولوائح النقابة، ليس للصحفي أن يمتهن مهنة أخرى أو عملا آخر وإلا أسقطت عنه العضوية، ومع ذلك يمكنك أن تقسم بكل أيمانات الله أنه لا يوجد صحفي في مصر يتكسب «قوت يومه» من العمل في الصحافة فقط، ولو بشكل غير رسمي وغير مثبت في الأوراق.. وحتى الصحفي الذي يكتفي بالعمل في الصحافة، فهو مضطر للعمل في أكثر من جريدة وموقع ووسيلة إعلامية، كي يتمكن آخر الشهر من الحصول على مبلغ يكفي احتياجات أسرته..

ومع علمنا جميعا بالأزمة المالية التي تعيشها معظم المؤسسات الصحفية والإعلامية، منذ سنوات، مع تفاقمها في ظل جائحة «كورونا»، فإن مهمة إيجاد فرصة في أكثر من صحيفة أو موقع باتت مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة، فكثير من الصحف «سرحت» العاملين فيها..

كيف تتجنب صدمات النهايات؟

تخيل معي عزيزي المواطن، أن فرد الأمن المبتدئ أو العامل صغير السن، تبدأ مرتباتهم من ثلاثة آلاف جنيه – على أقل تقدير، بينما مرتب صحفي «خبير» قد لا يتجاوز الألفي جنيه! وأنا أكن كل تقدير لفرد الأمن أو العامل، فهما وغيرهم من أصحاب المهن المحترمة يستحقون أكثر مما يحصلون عليه، لكن المقارنة هنا بين مهنة «الصحافة» التي تستلزم الكثير من الجهد وسنوات من العمل (شبه المجاني) إلى أن تصير عضوا بنقابة الصحفيين، ثم اطلاعا وقراءة وبحثا مستمرا، بينما فرد الأمن أو العامل قد لا يشترط أن يكون أي منهما حاصلا على مؤهل دراسي معين وأيضا بدون خبرة..

والله العظيم ثلاثة، أعرف صحفيا يمتلك محل فرارجي، وآخر يعمل سائق تاكسي، وثالثا بائعا في محل بقالة.. وغيرهم من المواطنين الصحفيين الذين لا تكفيهم دخولهم من الصحافة للإنفاق على أسرة..
طيب، هل تعلم عزيزي المواطن أن أخاك الصحفي ينتظر إجراء انتخابات مجلس النقابة على أحر من الجمر، أملا في زيادة البدل، كجزء من البرنامج الانتخابي لمرشح محتمل على مقعد النقيب..

هل تعلم أخي المواطن أن أخاك الصحفي ينتظر كلمة القضاء لحث الدولة على زيادة البدل بنسبة سنوية ثابتة، كي لا يضطر لاختيار نقيب لا يريده.

هل تعلم أخي المواطن أن أخاك الصحفي في كثير من الأحيان يلجأ إلى نقابته للاقتراض.. وهل تعلم أن ذلك القرض فقط خمسة آلاف جنيه، لا تكفي لشراء موبايل «محترم».

هل تعلم أخي المواطن أن أخاك الصحفي يجب عليه أن يتجاوز كل مشكلاته المادية من أجل التفرغ لمشكلات تتعلق بعمله وأداء دوره الإعلامي في صناعة الأخبار وتحقيقها..

عزيزي المواطن لا تنسى أخاك المواطن الصحفي وأسرته في صلواتك.
Advertisements
الجريدة الرسمية