العهر المنمق!
يتجه رجل الأعمال الذى اعتاد على بيع كل شىء، إلى بيع سكرتيرته الحسناء إلى أحد عملائه السمان فى أحد الحفلات الخاصة، ترتدى السكرتيرة ملابس مثيرة وشبه عارية، يطمع فيها الرجل السمين شديد الثراء ولكنها ترفض وتأبى أن تبيع نفسها هذه المرة تحديدا، ربما كان لها أسباب خاصة بعيدة عن الحياء والعفة أو حتى (الدين)،, والذى يخجل البعض أحيانا من ذكره فى أى سياق وكأنه حرجا يستدعى اتهامات معلبة بالتأخر والتخلف والرجعية!
تصر السكيرتيرة الحسناء على رفضها، بينما كأس الخمر فى يدها، فيسألها سيدها أو نخاساها رجل كل الأعمال: عاوزة تفهيمنى أنك عمرك ما عملتى كدة مع حد بدون جواز! فترد عليه بكل ثقة وفخر وشرف وكبرياء: عملت طبعا بس مع واحد بحبه وبيحبنى!
ينتهى المشهد هنا من فيلم (المنسى) تأليف الأستاذ الراحل وحيد حامد فى مطلع التسعينات من القرن المنقضى, مشهد يوحى بوجود مبادئ وقيم عند السكيرتيرة الحسناء والتى لعبت دورها الفنانة (يسرا), ولكنها قيم فاسدة لم تعجبني حينها رغم حداثة سنى وأنا أشاهد الفيلم، المفترض أننى كمشاهد أحنق على هذا القواد رجل الأعمال الذى يبيع لحم وشرف وإنسانية من تعمل تحت يده لأحد عملائه، فتلك هى قيم الرأسمالية العفنة واقتصاد السوق الذى يقوم على تشييء كل ما حولنا فى هذا الكون, الشرف شىء والأدب شىء والروح شىء وطبعا الجسد شىء, وكل معروض فى بورصة الحياة دون أدنى حياء مقابل المال وفقط!
أنا بقى فى حماية ربنا
لكننى فى الواقع حنقت وأنزعجت بل وأوشكت حينها على كراهية السيناريست الكبير نفسه، لأنه فعل تقريبا ما انتقد عليه رجل الأعمال فى فيلمه والذى جسده الفنان الراحل( كرم مطاوع )، فهو لا يرى فى الجنس الحرام أى مسبة أو مذمة أو إنكار مادام بين حبيبين ارتضيا ذلك خارج مؤسسة الزواج, والتى جعلها الله فطرة عند كل البشر حتى، عند من لا يؤمنون بوجود إله لهذا الكون..
السيناريست ومن بعده مخرج العمل الفنى، هو من يلقن الجماهير بوسائل عديدة منها الحوار والصورة والصوت والموسيقى وغيرها من مفردات السينما كل القيم التى يؤمن بها ويريد نشرها فى مجتمعه، وهنا تصل الرسالة واضحة جلية ومقنعة لكل من يرى فى (يسرا) بطلة ومناضلة من أجل شرفها.. لكنه نضال معطوب ومؤقت ينتهى بالخروج من هذا المزاد المقام على جسدها، فهذا الجسد لا يخضع إلى لقيمة الحب فقط، ويسمح لها هذا الحب الفاسد بالسقوط فى هوى الغريزة الحرام طالما كان مع الحبيب مع استحسان ضمنى من صناع الفيلم!
تمر سنوات ونصل بتلك القيم الفاسدة فى الأعمال الدرامية إلى مرحلة أسوأ وأحقر وهى مرحلة (المصاحبة)، أو العلاقة الصريحة المفترضة من كل كاتب سيناريو مفسد، حيث صار هذا هو الطبيعى بين امرأة ورجل أو فتاة وشاب دون أدنى خجل أو شعور بالعيب أو بالحرام!
قبل أن نصل لتريند ( دا هانى يا أكرم )، والذى انتشر سريعا هذه الأيام رغم مرور سنوات على وجوده, ظهرت كثير من الأعمال الدرامية تروج لهذه القبح والتدنى الأخلاقى على أنه هو الطبيعى, وأن من يرفضه أو ترفضه إما معقد أو دميم أو حتى أبله أو جميعهم معا! وإحدى أسوأ تلك الأعمال كان مسلسل مصرى, منحوت أو قل مسروق, من عمل أمريكى من نوعية دراما الصابون الفارغة، نعم اسمها بالإنجليزية هكذا soap drama، على أساس أنها فقاعات فارغة..
جهاد الهبر !
كانت أحداث المسلسل تدور حول فتاة دميمة تشبه أرجلها رجل الغراب، تضطر للعمل فى شركة أزياء، أو قل شركة دعارة، حيث كل من يعمل بالشركة له علاقة محرمة وغير شرعية بفتاة أو امرأة فيها, يبيتون معا، يعاشرون بعضهم البعض ويسكرون دون أى غرابة أو امتعاض, ثم تأتى تلك الفتاة، فلا تجد من يفعل ذلك معها لدمامة وجهها ولقبح جسدها، بينما كلهم مقبوحون وفاسدون فى الحقيقة، والحل طبعا فى أن تقوم بعمليات تجميل حتى تقع فى هذا المستنقع وتنجح.. ويحدث هذا!
أخطر ما فى الأمر أن هذا الترخص الإنسانى, خاصة فى عصر التواصل الاجتماعى السهل, أصبح تقريبا ظاهرة، بين أغلب طبقات المجتمع، فحتى الطبقات الفقيرة التى كانت ومازالت فى أغلبها, ترى الشرف هو أغلى وأعظم ما تملك، بدأت فى التدنى تطبيعا مع هذا الإنحلال، فكثير من فتيات الفيديوهات شبه الإباحية ينحدرن من أسر فقيرة، وجدن فى التهتك طريقة للثراء الناتج عن كثرة المشاهدات، وكثير من صفحات الحوادث فى المواقع الإخبارية تنقل وترصد الكثير من الظواهر غير الأخلاقية بين مختلف الطبقات, بل إن حوادث مشينة كزنى المحارم التى كانت نادرة الحدوث أصبحت تتردد كثيرا على مسامعنا بسبب التأثير السلبى للأعمال الدرامية الفاسدة والمقوضة لقيم المجتمع المصرى الذى عاشا تاريخا طويلا محافظا وعاشقا للستر!
كان طيبيعا بعد كل هذا الإفساد الممنهج أن نصل لمستوى الدياثة والعهر المنمق فى تريند (دا هانى), حيث توشك الزوجة أن تصفع زوجها لأنه تجرأ وسأل عن سبب وجود هانى فى غرفة النوم معها.. فلتغمدنا الله برحمته.
fotuheng@gmail.com