رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أنا بقى فى حماية ربنا

كان الجميع يخشاه، فهو وإن كان صغيرا نحيفا قصيرا، فإنه مع ذلك يمثل مستقبل الحارة والشارع وربما الحى بأكمله فى البلطجة، يخافه الجميع صغارا وكبارا، فالصغار لا شك فى أنهم سينالهم نصيبا من عنفه ضدهم واستيلائه على حاجياتهم الصغيرة عنوة وفجرا، والكبار يكفيهم بذاءته وطولة لسانه الذى يوشك أن يمتد ليصيب من كان نائما فى أقصى ركن فى بيته..

ورغم ذلك، كان هناك رادع يجبر (عاطف) على التراجع كثيرا عن بلطجته، ذلك الرادع هو مجرد تذكيره بلفظ الجلالة، وكأنه دوما كان فى حاجة لتنبيه حواسه بوجود الله أو(ربنا) كما كان دوما يحب أن يتلفظ بها!

حدث يوما وتوعد عاطف أحد الأطفال بالضرب المبرح وتقطيع كتبه الدراسية وملابسه، ووقف ينتظر خروجه من المدرسة ظهيرة أحد الأيام الشتوية الباردة، وبينما نحن نتوقع جميعا حدوث معركة كبرى بين ضحية مسكينة بائسة مستسلمة وبلطجى متمرس شرس قادر، اذا بشىء يحدث ينهى كل ذلك فى لحظات، بل ويدفع المجرم الصغير خطوات ليتقمص دور الفتوة الحامى للحارة، أو الفادى المخلص للرفاق فى ثوان، ذلك الشىء العجيب هو صياح الطفل الذى كان يستهدفه أمام الجميع قائلا: أنت تريد ضربى يا عاطف وتقطيع ملابسى وكتبى، ماشى يا عم، افعل ما تريد، بس أنا بقى فى حماية ربنا!

أسود فقراء

نزلت الكلمات كالصاعقة على عاطف وتراجع للخلف فى ثوان مذهولا، ربما كان يحتاج لمن يوقظ فى نفسه الضائعة جذوة الضمير الفطرى بوجود إله قادر على سحقه إن تمادى وتجاوز حدوده، ربما كان هناك خيرا فيه طمسته بيئة أسرية مفككة لم توفر له أدنى درجات التربية، لكن فطرة الله الخيرة الجميلة مازالت تنبت ببذور الخيرية داخل نفس العطشى، لكنها نحناج فقط لقليل من المطر ليحيها كما يحيى الرذاذ الأرض الجدباء! 

ربما استرجع عاطف حينها المقولة البسيطة العظيمة (إذا دعتك قدرنك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك)، والتى كنا نقرأها دوما على سيارات النقل، والتى كان يكتبها بعض السائقين لاسترحام رجال المرور أو غيرهم ممن كانوا يصادفونهم فى رحلاتهم الطويلة، مقولة رغم بساطتها فإنها تضع حدا أخلاقيا للقوة المفرطة، والسلطة الغاشمة إن رأت ألا أحد يستطيع إبقافها!

مر عاطف أمامى وتذكرت كثيرا من فضائله فى تلك اللحظة الفارقة والتى كبح فيها بطشه وقوته وخشى الله صراحة لدرجة أنه احتضن الطفل المستهدف واعتذر له وسار بصحبته وكأنه يحميه، تلك اللحظة ربما غيرت من منهاج حياته بعد ذلك، فعاطف هذا انتهى به الحال إلى فتى متدين، يسعى دوما لمراقبة الله ومراقبة سلوكه، لكن للأسف، عاطف هذا لم يكمل تعليمه، ولم يستطع أن يصبح أستاذا جامعيا يرى فى نفسه سلطة قاهرة نافذة لا ترحم ولا تسترحم، قوة متجبرة مسلطة على طلاب أبرياء مساكين ضاق بهم زمانهم، واستوحشت عليهم كل صنوف القهر!

جهاد الهبر !

للأسف ضمير عاطف لم يسكن الجامعة التى اجتمعت على طالب بمفرده لتفصله عاما دراسيا كاملا، ذلك لأنه تجرأ وتحدث فى تليفزيون الدولة الرسمى عن واقع معاش، وعن وباء يفتك بالعالم كله، لكنه لم يستأذن بعد من السادة الأقوياء، الآلهة المبجلين قبل أن يستخدم جوارحه التى وهبها الله له لينطق ويصف حالة التكدس فى المدرجات التى تقع تحت سلطة سيادتهم !

غاب ضمير عاطف الفطرى عن السادة الأقوياء الذين لا يرون رقيبا عليهم حتى وإن كان الله، ومع ذلك أصلحوا الخطأ فى اليوم التالى مباشرة، وسمحوا للطالب بالتواجد فى فردوسهم، بعدما ألغوا القرار العنترى السابق وأخذوا اللقطة من جديد ولكن فى كادر الرحماء المصطنع هذه المرة.. 

ذلك بالطبع خشية تحولهم لترند فى عالم التواصل الاجتماعى الذى لا يرحم.. للأسف كان أجدر بهم أن يستحضروا الخوف من الله أفضل من صفحات افتراضية فى عالم صار متوحشا قميئا لا يعترف سوى بالقوة والقوة المضادة فقط!
fotuheng@gmail.com

Advertisements
الجريدة الرسمية