وداعاً آخر الرجال المحترمين
فقد العالم
العربي في ساعات، اثنين من ألمع فنانيه وآخر الرجال المحترمين، الأول
الكاتب والسيناريست الأهم في الدراما العربية وحيد حامد، صاحب القضية والمنحاز
للبسطاء، والثاني الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، الضلع الثالث والأخير من
مثلث أسرة الرحابنة الموسيقية العريقة.
يشترك الثنائي الكبير، في التواضع الجم لكل منهما رغم العبقرية والموهبة الفذة، فلم تكن الابتسامة تغادرهما في أحلك الظروف ولم يردا طلبا لأحد، وكانا عونا وسندا لمن يسألهما وهكذا دوماً الكبار والعظماء.
أتذكر الكاتب الكبير وحيد حامد، في مكانه الدائم بالفندق النيلي، يستقبل ضيوفه ببشاشة وابتسامة، لا يشكو من تعب أو ضجر، بل يتيح من وقته الكثير للكبير والصغير رغم انشغاله الدائم، إذ كان يعتبر الكتابة متنفس وسلاح للدفاع عن قضايا مجتمعية يؤمن بها لا مجرد مصدر رزق، وليس أدل على ذلك من تصديه سنوات طويلة لمكافحة الجماعات المتشددة، خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين، واستغلاله الدين لتحقيق طموح سياسي وصولا للحكم حتى إن كان على أنقاض الدولة..
الكويت فقدت "ناصر" الإصلاح وفارسه
فقدم للسينما طيور الظلام، الإرهابي، دم الغزال، وناقش القضية ذاتها تلفزيونيا في مسلسلات العائلة، الجماعة، وهذا الأخير لم يمهله القدر لإنجاز الجزء الثالث منه. وفي رصيده أيضا مسلسلات مهمة على قلتها مثل البشاير، الدم والنار، وأوان الورد. كما برع في معالجة القضايا السياسية في السينما وتناولها بجرأة يحسد عليها قادته في بعض الأحيان إلى القضاء، ومنها "البريء، معالي الوزير، الراقصة والسياسي، والنوم في العسل.
الصدمة في وفاة الكاتب الكبير وحيد حامد، نتجت من إطلالته القوية والصلبة رغم مرضه خلال تكريمه بجائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير، وتمكن بحديثه الصادق من ابكاء الحضور، حين اعترف بفضل الكبار عليه واستفادته من كل الذين عمل معهم واعتبر نفسه محظوظا بمعايشة نجوم الأدب والدراما والفن من أجيال عدة، وبفضلهم تمكن من تشكيل شخصيته المتفردة التي عكس من خلالها هموم وأحلام وقضايا البسطاء في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة عبر نحو 80 عملاً درامياً، تجاوز في بعضها المحاذير واصطدم مع الرقابة بجرأة الطرح وأحيل إلى القضاء، لكنه انتصر دوما وحصد الكثير من الجوائز في مصر والدول العربية.
يعيد الكاتب الكبير وحيد حامد، الفضل دائما فيما وصل إليه من نجاح إلى نصيحة الأديب يوسف إدريس، فبعد أن أصدر مجموعته القصصية الأولى "القمر يقتل عاشقه" العام 1971، أهداه إياها ليقرأها فنصحه يوسف إدريس بكتابة الدراما، وبدأ بتأليف مسلسلات الإذاعة ونجح فيها، وفي رصيده منها "الفتى الذي عاد، بلد المحبوب، ولادك يا مصر، عبده كاراتيه، قانون ساكسونيا، طائر الليل الحزين"، وغيرها.
استثمر وحيد حامد نجاح "طائر الليل الحزين" وحوله إلى فيلم سينمائي، في العام 1977، لتشهد مسيرته قفزة نوعية دامت سنوات طويلة، إذ حقق العمل نجاحاً كبيراً لجرأة تطرقه إلى فساد القضاء، وتتوالى أعماله الناجحة بين السينما والتلفزيون وقليل من المسرحيات، وان كانت أعمق أعماله مع صديقه وسنده المخرج شريف عرفة، وخلال مسيرته الثرية عمل الكاتب الراحل مع ألمع وأهم نجوم التمثيل من أجيال عدة وإن كانت النسبة الأكبر من أعماله مع الفنان عادل إمام.
تنين "بابا فانغا" الأحمر
رحل الكاتب الكبير وحيد حامد، لكن تبقى أعماله خالدة، وينتظر الجمهور تنفيذ سيناريوهات أنجزها ولم تر النور وهي "العبّارة"، "الملك فاروق"، "دهموش"، "الصحبة الحلوة" و"34 يوم" عن حرب 6 أكتوبر.
أما الفنان الراحل إلياس الرحباني، فهو ملحن وموزع وقائد أوركسترا، وكاتب أغنيات والشقيق الأصغر للأخوين الراحلين عاصي ومنصور الرحباني.
في لفتة نادرة، نعت الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز، الموسيقار الراحل، بنشر فيديو مؤثر يظهر فيه إلياس، وأخويه عاصي ومنصور مع موسيقى أغنية "هجروا الأحبة الحارة"، أرفقتها بالتعليق "رح نبقى سوا... لَيْش البِكِي"، وربما قدرت فيروز لشقيق زوجها أنه لم يقف ضدها وأولادها، ولم يقاضيها مثلما فعل أبناء منصور الرحباني، الذين اختصموها ومنعوها من أداء كثير من الأغنيات لأنها استأثرت بالعوائد المالية لنفسها وأولادها فقط، بينما ظل إلياس محايدا ولم يدخل طرفا في خلافات الأسرة.
أحدثت وفاة الموسيقار، إلياس الرحباني، متأثرا بفيروس "كورونا"، صدمة للكثيرين، خصوصا أن زوجته وولديه لم يشاركوا في تشييعه، لوجودهم في الحجر المنزلي. لم يعرف الموسيقار الراحل العبوس والتجهم، وكان يتسم بروح مرحة تجلت في موسيقاه التي تدخل القلوب دون استئذان.
شكل إلياس الرحباني، طوال أكثر من نصف قرن، مدرسة متفردة بذاتها بعيدا عن مدرسة الرحابنة التي طغى عليها اسم عاصي ومنصور، وتميزت أعماله بالبساطة والتجديد والخروج عن المألوف.
حين سُئل إلياس الرحباني، لماذا لم ينضم إلى شقيقيه الكبيرين عاصي ومنصور، رد: "بحياتنا ما عملنا جمعية، وكنا دايماً سوا وأنا حبيت الموسيقى من خلالهما هما عملا اللي خططوا له وأنا اشتغلت اللي فكرت فيه وحبيته".
لحن إلياس الرحباني أكثر من 2500 أغنية ومعزوفة شرقية وغربية، وألّف موسيقى تصويرية لعشرات الأفلام والمسلسلات، ولديه معزوفات كلاسيكية على البيانو، وأنتج وألف مسرحيات عدة، حتى إنه نال شهرة واسعة في الإعلانات.
غنت السيدة فيروز بعضا من أجمل ألحانه مثل أغنيات "أوضة منسية، حنا السكران، كان عنا طاحون، طير الوروار" وغيرها. كما غنى من ألحانه ألمع المطربين اللبنانيين ومنهم وديع الصافي، ملحم بركات، صباح، ماجدة الرومي، سمير حنا، جورجيت صايغ ونصري شمس الدين وغيرهم.
نضال "الموصل" هوليوودي بالعربية
عندما كان إلياس الرحباني في عمر الخامسة توفي والده حنا الرحباني، فتولى رعايته الأخوين عاصي ومنصور، وألحقاه بالأكاديمية اللبنانية والمعهد الوطني للموسيقى، فضلا عن تلقيه دروسا موسيقية خاصة تحت إشراف فرنسيين.
بدأ إلياس الرحباني عمله الإحترافي في العشرين من عمره مع إذاعة "بي بي سي" البريطانية، التي تعاقدت معه على تلحين 40 أغنية و13 برنامجا، ثم بدأ التعاون مع الأصوات المعروفة، بأغنية "ما أحلاها" للمغني نصري شمس الدين، وعمل مخرجا ومستشارا في إذاعة لبنان، وبقي فيها حتى 1972، واشتغل أيضا منتجا موسيقيا لدى شركات منتجة للاسطوانات، وتعرّف على نينا خليل وتزوجها، وأنجبا ابنين هما غسان وجاد، وفي العام 1976 انتقل مع عائلته إلى باريس.
نال إلياس الرحباني العديد من الجوائز، منها جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية العام 1964، جائزة عن مقطوعة La Guerre Est Finie في مهرجان أثينا العام 1970، شهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلاني في البندقية العام 1977، الجائزة الثانية في مهرجان لندن الدولي للإعلان العام 1995، الجائزة الأولى في روستوك بألمانيا عن أغنية Mory، وجوائز في البرازيل واليونان وبلغاريا، وفي العام 2000 كرّمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدكتوراه فخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا.
تولى إلياس الرحباني رئاسة لجنة تحكيم برنامج "سوبر ستار" وهو أول برنامج عربي لاكتشاف مواهب الغناء، وكان من أعضاء شرف الموسمين 10 و11 من برنامج "ستار أكاديمي".
يشترك الثنائي الكبير، في التواضع الجم لكل منهما رغم العبقرية والموهبة الفذة، فلم تكن الابتسامة تغادرهما في أحلك الظروف ولم يردا طلبا لأحد، وكانا عونا وسندا لمن يسألهما وهكذا دوماً الكبار والعظماء.
أتذكر الكاتب الكبير وحيد حامد، في مكانه الدائم بالفندق النيلي، يستقبل ضيوفه ببشاشة وابتسامة، لا يشكو من تعب أو ضجر، بل يتيح من وقته الكثير للكبير والصغير رغم انشغاله الدائم، إذ كان يعتبر الكتابة متنفس وسلاح للدفاع عن قضايا مجتمعية يؤمن بها لا مجرد مصدر رزق، وليس أدل على ذلك من تصديه سنوات طويلة لمكافحة الجماعات المتشددة، خصوصا تنظيم الإخوان المسلمين، واستغلاله الدين لتحقيق طموح سياسي وصولا للحكم حتى إن كان على أنقاض الدولة..
الكويت فقدت "ناصر" الإصلاح وفارسه
فقدم للسينما طيور الظلام، الإرهابي، دم الغزال، وناقش القضية ذاتها تلفزيونيا في مسلسلات العائلة، الجماعة، وهذا الأخير لم يمهله القدر لإنجاز الجزء الثالث منه. وفي رصيده أيضا مسلسلات مهمة على قلتها مثل البشاير، الدم والنار، وأوان الورد. كما برع في معالجة القضايا السياسية في السينما وتناولها بجرأة يحسد عليها قادته في بعض الأحيان إلى القضاء، ومنها "البريء، معالي الوزير، الراقصة والسياسي، والنوم في العسل.
الصدمة في وفاة الكاتب الكبير وحيد حامد، نتجت من إطلالته القوية والصلبة رغم مرضه خلال تكريمه بجائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير، وتمكن بحديثه الصادق من ابكاء الحضور، حين اعترف بفضل الكبار عليه واستفادته من كل الذين عمل معهم واعتبر نفسه محظوظا بمعايشة نجوم الأدب والدراما والفن من أجيال عدة، وبفضلهم تمكن من تشكيل شخصيته المتفردة التي عكس من خلالها هموم وأحلام وقضايا البسطاء في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة عبر نحو 80 عملاً درامياً، تجاوز في بعضها المحاذير واصطدم مع الرقابة بجرأة الطرح وأحيل إلى القضاء، لكنه انتصر دوما وحصد الكثير من الجوائز في مصر والدول العربية.
يعيد الكاتب الكبير وحيد حامد، الفضل دائما فيما وصل إليه من نجاح إلى نصيحة الأديب يوسف إدريس، فبعد أن أصدر مجموعته القصصية الأولى "القمر يقتل عاشقه" العام 1971، أهداه إياها ليقرأها فنصحه يوسف إدريس بكتابة الدراما، وبدأ بتأليف مسلسلات الإذاعة ونجح فيها، وفي رصيده منها "الفتى الذي عاد، بلد المحبوب، ولادك يا مصر، عبده كاراتيه، قانون ساكسونيا، طائر الليل الحزين"، وغيرها.
استثمر وحيد حامد نجاح "طائر الليل الحزين" وحوله إلى فيلم سينمائي، في العام 1977، لتشهد مسيرته قفزة نوعية دامت سنوات طويلة، إذ حقق العمل نجاحاً كبيراً لجرأة تطرقه إلى فساد القضاء، وتتوالى أعماله الناجحة بين السينما والتلفزيون وقليل من المسرحيات، وان كانت أعمق أعماله مع صديقه وسنده المخرج شريف عرفة، وخلال مسيرته الثرية عمل الكاتب الراحل مع ألمع وأهم نجوم التمثيل من أجيال عدة وإن كانت النسبة الأكبر من أعماله مع الفنان عادل إمام.
تنين "بابا فانغا" الأحمر
رحل الكاتب الكبير وحيد حامد، لكن تبقى أعماله خالدة، وينتظر الجمهور تنفيذ سيناريوهات أنجزها ولم تر النور وهي "العبّارة"، "الملك فاروق"، "دهموش"، "الصحبة الحلوة" و"34 يوم" عن حرب 6 أكتوبر.
أما الفنان الراحل إلياس الرحباني، فهو ملحن وموزع وقائد أوركسترا، وكاتب أغنيات والشقيق الأصغر للأخوين الراحلين عاصي ومنصور الرحباني.
في لفتة نادرة، نعت الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز، الموسيقار الراحل، بنشر فيديو مؤثر يظهر فيه إلياس، وأخويه عاصي ومنصور مع موسيقى أغنية "هجروا الأحبة الحارة"، أرفقتها بالتعليق "رح نبقى سوا... لَيْش البِكِي"، وربما قدرت فيروز لشقيق زوجها أنه لم يقف ضدها وأولادها، ولم يقاضيها مثلما فعل أبناء منصور الرحباني، الذين اختصموها ومنعوها من أداء كثير من الأغنيات لأنها استأثرت بالعوائد المالية لنفسها وأولادها فقط، بينما ظل إلياس محايدا ولم يدخل طرفا في خلافات الأسرة.
أحدثت وفاة الموسيقار، إلياس الرحباني، متأثرا بفيروس "كورونا"، صدمة للكثيرين، خصوصا أن زوجته وولديه لم يشاركوا في تشييعه، لوجودهم في الحجر المنزلي. لم يعرف الموسيقار الراحل العبوس والتجهم، وكان يتسم بروح مرحة تجلت في موسيقاه التي تدخل القلوب دون استئذان.
شكل إلياس الرحباني، طوال أكثر من نصف قرن، مدرسة متفردة بذاتها بعيدا عن مدرسة الرحابنة التي طغى عليها اسم عاصي ومنصور، وتميزت أعماله بالبساطة والتجديد والخروج عن المألوف.
حين سُئل إلياس الرحباني، لماذا لم ينضم إلى شقيقيه الكبيرين عاصي ومنصور، رد: "بحياتنا ما عملنا جمعية، وكنا دايماً سوا وأنا حبيت الموسيقى من خلالهما هما عملا اللي خططوا له وأنا اشتغلت اللي فكرت فيه وحبيته".
لحن إلياس الرحباني أكثر من 2500 أغنية ومعزوفة شرقية وغربية، وألّف موسيقى تصويرية لعشرات الأفلام والمسلسلات، ولديه معزوفات كلاسيكية على البيانو، وأنتج وألف مسرحيات عدة، حتى إنه نال شهرة واسعة في الإعلانات.
غنت السيدة فيروز بعضا من أجمل ألحانه مثل أغنيات "أوضة منسية، حنا السكران، كان عنا طاحون، طير الوروار" وغيرها. كما غنى من ألحانه ألمع المطربين اللبنانيين ومنهم وديع الصافي، ملحم بركات، صباح، ماجدة الرومي، سمير حنا، جورجيت صايغ ونصري شمس الدين وغيرهم.
نضال "الموصل" هوليوودي بالعربية
عندما كان إلياس الرحباني في عمر الخامسة توفي والده حنا الرحباني، فتولى رعايته الأخوين عاصي ومنصور، وألحقاه بالأكاديمية اللبنانية والمعهد الوطني للموسيقى، فضلا عن تلقيه دروسا موسيقية خاصة تحت إشراف فرنسيين.
بدأ إلياس الرحباني عمله الإحترافي في العشرين من عمره مع إذاعة "بي بي سي" البريطانية، التي تعاقدت معه على تلحين 40 أغنية و13 برنامجا، ثم بدأ التعاون مع الأصوات المعروفة، بأغنية "ما أحلاها" للمغني نصري شمس الدين، وعمل مخرجا ومستشارا في إذاعة لبنان، وبقي فيها حتى 1972، واشتغل أيضا منتجا موسيقيا لدى شركات منتجة للاسطوانات، وتعرّف على نينا خليل وتزوجها، وأنجبا ابنين هما غسان وجاد، وفي العام 1976 انتقل مع عائلته إلى باريس.
نال إلياس الرحباني العديد من الجوائز، منها جائزة مسابقة شبابية في الموسيقى الكلاسيكية العام 1964، جائزة عن مقطوعة La Guerre Est Finie في مهرجان أثينا العام 1970، شهادة السينما في المهرجان الدولي للفيلم الإعلاني في البندقية العام 1977، الجائزة الثانية في مهرجان لندن الدولي للإعلان العام 1995، الجائزة الأولى في روستوك بألمانيا عن أغنية Mory، وجوائز في البرازيل واليونان وبلغاريا، وفي العام 2000 كرّمته جامعة بارينغتون في واشنطن بدكتوراه فخرية، وكذلك جامعة أستورياس في إسبانيا.
تولى إلياس الرحباني رئاسة لجنة تحكيم برنامج "سوبر ستار" وهو أول برنامج عربي لاكتشاف مواهب الغناء، وكان من أعضاء شرف الموسمين 10 و11 من برنامج "ستار أكاديمي".