رئيس التحرير
عصام كامل

نضال "الموصل" هوليوودي بالعربية

عندما أعلنت منصة نتفليكس لإنتاج الأفلام والترفيه التليفزيوني الأميركية، عن عرض فيلم الموصل كأول دراما هوليوودية ناطقة بالعربية، عبر شاشتها بعد مشاركته في مهرجان "البندقية" السينمائي الدولي، ترقب الجميع محتوى الفيلم ومعالجته قضية عراقية بمعايير السينما الأميركية، خصوصا أن الفيلم أخرجه ماثيو كارناهان، وشارك في تنفيذه العراقي محمد الدراجي وآخرون، بينما تصدى لإنتاجه الأخوان أنتوني وجو روسو، منتجا فيلم "Avengers - End game"، الذي حقق إيرادات قياسية في السينما.


أحداث فيلم الموصل مقتبسة من قصة حقيقية لعناصر في فرقة أمن عراقية ناضلوا تنظيم داعش الإرهابي الذي استولى على مدينتهم وخيرها واغتصب نساءها ودمر كل ما فيها، فجاهدوا لتحرير المدينة والقضاء على "الدواعش".
قصة الفرقة العراقية نشرت في تحقيق لصحيفة نيويوركر الأميركية، وأبكت تفاصيلها المنتج جو روسو، فقرر تحويلها إلى فيلم سينمائي بمعايير هوليوود في الإخراج والتصوير والتقنيات، على أن يجسد الشخصيات ممثلون عراقيون يتحدثون لهجتهم العامية ويصبح العمل أول فيلم أميركي ناطق بالعربية، وتمنى روسو في تصريح سابق أن "يغير الفيلم الصورة السيئة للعرب التي ساهمت هوليوود في ترويجها من خلال أعمال عدة".

"التاج" بين السخط والإعجاب

ما أن بدأت منصة نتفليكس عرض فيلم 'Mosul' أو الموصل، حتى حقق مشاهدات تجاوزت مئات الآلاف خلال الأيام الثلاثة الأولى، وسجلت المنصة الأميركية العملاقة ارتفاعا تدريجيا للمشاهدات في دلالة على نيل الفيلم نسبة متابعة يومية متزايدة.

والحقيقة أن فيلم الموصل حظي بعناصر عدة منحته أولوية العرض والمتابعة كمنتج ومحتوى من نوع خاص في أكبر منصة رقمية تلفزيونية، لعل في مقدمتها أنه أول فيلم أميركي ناطق بالعربية، ثم تناوله قضية إنسانية شغلت العالم كله أشهر طويلة مع احتلال داعش مدينة الموصل والفظائع التي ارتكبها فيها، إلى جانب أن أبطاله عراقيون من مذاهب مختلفة توحدوا معا ونبذوا الطائفية المعتادة من أجل النضال ضد "داعش" ومواجهة عناصره الإرهابية..

كما وثق فيلم الموصل تضحيات أبناء الموصل في مطاردة "الدواعش" حتى تم اقتلاع آخر معاقله في المدينة العراقية الكبيرة، ولم يغفل الفيلم إسناد البطولة لممثلين عراقيين لأنهم أصدق من غيرهم في رواية ما جرى من احتلال وسبي واغتصاب ونضال ومقاومة وصولا إلى التحرير، فضلا عن أن الإنتاج الأميركي سيمنحهم انتشارا ونجومية تختصر أمامهم سنوات.

تناول فيلم الموصل القصة الحقيقية لمجموعة من الجنود العراقيين أطلقوا على أنفسهم فرقة نينوى سوات، وهي فرقة مقاتلين طاردت عناصر داعش بعد استيلاء الجماعة الإرهابية على منازلهم وعائلاتهم واحتلال مدينتهم وسبي نسائهم، ولم يرتاحوا إلا بعد طرد آخر عناصر داعش من ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد.

شارك في بطولة فيلم الموصل كل من سهيل دباخ بدور "الرائد جاسم" قائد الفرقة، آدم بيسا بدور "الجندي الكردي كانوا" واسحق إلياس بدور "المقاتل وليد"، هؤلاء الجنود الثلاثة كانوا ضمن فرقة عسكرية حملت على عاتقها تطهير الموصل، التي تحولت إلى مدينة أشباح تسكنها أرواح بائسة فقدت كل شيء.

لا تغيروا زوجاتكم وأولادكم

في فيلم الموصل طغت لمسات ورؤية المخرج الأميركي، ووضحت صبغة أفلام الإثارة ومشاهد الحرب والأكشن المألوفة في أعمال هوليوود، لكن مع حرصه على اختيار ممثلين عراقيين وتحدثهم باللهجة العراقية، إلا أنه ألبسهم زي جنود أميركان، ما يذكر المشاهد بسنوات احتلت فيها أميركا العراق وعينت حاكما أميركيا عليها بعد إسقاط الرئيس الأسبق صدام حسين، لكن قد لا يتوقف البعض أمام ملابس الجنود الأميركية لفرقة نينوى سوات ما دام أنهم يتحدثون اللهجة العراقية وناضلوا وصمدوا في مواجهة داعش بمحافظة "نينوى" إثر تدميره أكبر مدنها "الموصل" واعتدائه على نسائها، وغيرها الكثير.

سعى الفيلم للجمع بين التوثيق والروائية، فهو نفذ بحبكة درامية واضحة وخط تصاعدي للأحداث بدأ بمجموعة مقاتلين انتهى بهم الأمر بالاستشهاد وتحرير البلد، إلى جانب توثيق نضال فرقة عسكرية جمعت أفرادها تحت لواء قائد وطني متمكن، لكن افتقدت الأحداث سيناريو الأفلام الوثائقية ومع هذا تابع المشاهد الفيلم بشغف، خصوصا أنه عايش مرحلة "داعش" الكارثية، وربما يكون المخرج اعتمد على أن أحداث داعش قريبة زمنيا وعايشها المتلقي، لذا لم يمهد لأحداث مهمة في بداية الفيلم..

حيث بدأ المشهد الأول بمواجهة بين شرطة مدينة الموصل وبعض عناصر داعش هجمت على مركز الشرطة لتخليص زملائهم قبل أن تتدخل فرقة نينوى سوات ليهرب الدواعش، بمعنى أن المخرج والكاتب افترضا أن الجمهور على بينة بتفاصيل فرقة "نينوى سوات" وما جرى في "الموصل"، رغم أن هناك الكثير يجهل ما حدث في العراق منذ احتلال "داعش" مدنه الواحدة تلو الأخرى، قبل أن تتمكن قوات الجيش و"الحشد الشعبي" من هزيمة التنظيم الإرهابي.

عاب فيلم الموصل ضعف الصوت وبالكاد يسمع المشاهد حوار الممثلين، كما خلا من العنصر النسائي وكان يفترض الإضاءة على معاناة النساء من داعش خصوصا أنه قام بسبي العراقيات واغتصب كثيرات منهن، ويؤخذ على فيلم الموصل أيضاً أنه جعل "الخونة" من الجنود العراقيين، فبعضهم يتعاون مع "داعش" مقابل المال ويخون بلده، بينما الجندي السوري هو الشريف المضحي من أجل تحرير "الموصل" وهذا غير صحيح بدليل تجنيد المرتزقة السوريين للحرب ضد الجيوش العربية بمعرفة تركيا وقطر وإيران..

وعلى ذكر إيران تضمن الفيلم مواجهة بين "الرائد جاسم" قائد الفرقة والضابط الإيراني الذي يقود "الحشد الشعبي" في دلالة على تحكم إيران في العراق، كما أشار إلى تفشي ظاهرة الرشوة بين العاملين في الهيئات الحكومية العراقية، غير أنه أكد على توحد العراقيين في مواجهة العدو الخارجي رغم اختلاف مذاهبهم الدينية وبين ذلك من طريقة صلاة كل طائفة.

الجريدة الرسمية