رئيس التحرير
عصام كامل

تعرف على حكم الجهر والإسرار في صلاة الخسوف

خسوف القمر
خسوف القمر
ورد ذكر ظاهرَتَيْ الكسوف والخسوف في السنّة النبوية من غير تفريقٍ بين الكلمتين، فتارةً يُنسب الخسوف للشمس كما في حديث السيدة أسماء-رضي الله عنها- المتفق على صحته: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَدَخَلْتُ علَى عَائِشَةَ وَهي تُصَلِّي، فَقُلتُ: ما شَأْنُ النَّاسِ يُصَلُّونَ؟ فأشَارَتْ برَأْسِهَا إلى السَّمَاءِ...) وتارةً أخرى يُنسب الكسوف للشمس والقمر معاً كما في حديث أبي مسعود -رضي الله عنه-: (إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، ولَكِنَّهُما آيَتانِ مِن آياتِ اللَّهِ، فإذا رَأَيْتُمُوهُما، فَقُومُوا، فَصَلُّوا)، والأشهر على ألسنة الفقهاء تخصيص الكسوف للشمس، وتخصيص الخسوف للقمر، وهو الأفصح كما قال الإمام النووي.



كيفية صلاة الخسوف
 ورد في صفة صلاة الخسوف ثلاث كيفياتٍ بيّنها العلماء فيما ورد عنهم، وتجدر الإشارة إلى أنّ أي كيفيةٍ تُجزئ في الأداء، وفيما يأتي بيان تلك الكيفيات: الهيئة الأولى: تؤدّى ركعتان على هيئة الصلوات المكتوبة الثنائية؛ كصلاة الجمعة وصلاة الفجر، وقد اكتفى الحنفية بهذه الهيئة لصلاة الخسوف؛ فهي عندهم ركعتان كهيئة صلاة النافلة، لعموم قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا رَأَيْتُمْ شيئًا مِن ذلكَ، فافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ ودُعائِهِ واسْتِغْفارِهِ) والصلاة المعهودة في الأذهان هي الصلاة الاعتيادية، وهذا ما استنبطه الحنفية من الأحاديث التي تُفيد بأنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- صلّى بالناس ركعتين دون بيان الكيفية؛ ممّا يعني بأنّها الكيفية المعروفة في غيرها من الصلوات.

 الهيئة الثانية: ركعتان دون تطويلٍ مع زيادة ركوعٍ في كلّ ركعةٍ، فيقرأ المصلّي الفاتحة وما تيسّر من القرآن ثمّ يركع وينهض منه، ثمّ يقرأ الفاتحة وما تيسّر من القرآن ويركع مرةً أخرى وينهض من الركوع الثاني، ثم يهوي ساجداً، وبعد إتمام السجدتين والقيام يفعل في الركعة الثانية ما فعل في الأولى دون إطالةٍ.

 الهيئة الثالثة: تُشبه الهيئة الثانية في الأفعال، إلّا أنّها تختلف عنها في تطويل القراءات وتطويل الركوع والسجود، ودليل ما سبق حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الذي وصف صلاة الكسوف التي صلّاها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- فقال: (خَسفَتِ الشَّمسُ فصلَّى رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ والنَّاسُ معَه فقامَ قيامًا طويلًا بنحوٍ من سورةِ البقرةِ). إن الأكمل لمصلّي صلاة الخسوف أن يُطوّل؛ ويصيب السنة التي نقلها ابن عباس في الحديث السابق، وذلك بأن يقرأ في القيام الأول سورة البقرة، وفي القيام الثاني يقرأ سورة آل عمران، وفي الركعة الثانية يقرأ سورة النساء في قيامها الأول، وفي قيامها الثاني يقرأ سورة المائدة، ويطيل التسبيح في الركوع والسجود، فالتطويل والأناة في صلاة الخسوف تشملانهما، فيسبّح المصلي بمقدار مئة آية من سورة البقرة في الركوع الأول، وبمقدار ثمانين آية في الثاني، والركوع الأول من الركعة الثانية بمقدار سبعين آية، والركوع الثاني بمقدار خمسين آية.



حكم الجهر والإسرار في القراءة

قال الشافعية بالجهر في صلاة خسوف القمر؛ إذ ألحقوها بصلوات الليل التي تؤدّى بالجهر، وأمّا صلاة كسوف الشمس فتؤدّى بالإسرار، وأيّدهم المالكية والحنفية، وخالفهم أحمد بن حنبل وأبو يوسف من الحنفية محتجّين بحديث عائشة -رضي الله عنها-: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى صلاةَ الكُسُوفِ وجَهَرَ بِالقراءةِ فِيها)، كما أنّها كغيرها من صلوات النافلة فيُجهر بها كصلاة العيد والاستسقاء.


صلاة الخسوف

تعرّف صلاة الخسوف في الاصطلاح الشرعي بأنّها الصلاة التي تُؤدى بكيفيةٍ مخصوصةٍ عند ذهاب ضوء القمر أو الشمس كلياً أو جزئياً، وتتعلّق بها عدّة أحكام فيما يأتي بيان البعض منها بشيءٍ مفصّلٍ.


دليلها وحكمة مشروعيتها
 وردت أحاديث كثيرةٌ تدلّ على مشروعية صلاة الكسوف والخسوف، منها أمرُ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الناس بالصلاة والدعاء عند وقوع الكسوف أو الخسوف، إذ قال: (إنَّ الشَّمْسَ والْقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بهِما عِبادَهُ، وإنَّهُما لا يَنْكَسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فإذا رَأَيْتُمْ مِنْها شيئًا فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ حتَّى يُكْشَفَ ما بكُمْ)، وممّا يؤكّد مشروعية صلاة الخسوف ما ثبت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه صلّى بالناس عندما كُسفت الشمس، ممّا يدل على أنّ صلاة الكسوف والخسوف من السنة الفعليّة، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- قال: (كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بنَا رَكْعَتَيْنِ حتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ).

 أمّا الحكمة من صلاتي الكسوف والخسوف فتتمثل في تحقيق عبودية الخوف من الله -تعالى-، لقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عن الكسوف: (يُخَوِّفُ اللَّهُ بهِما عِبادَهُ)، ففي الحديث إشارةٌ واضحةٌ إلى أنّ هذه الظاهرة تقذف الخوف في قلب المسلم فيفزع إلى الله بالصلاة والدعاء والتضرّع واللجوء إليه، والخوف في هذه الحالة يدلّ على أن ما يعتري الشمس والقمر من تغيّرٍ لم يعتده الناس تنبيهٌ لهم على قدرة الله بإنزال عقابه بهم، وتذكيرٌ لهم كذلك بيوم القيامة وما يحدث فيه من عجائب في الكون غير ما اعتاده العباد، قال -تعالى-: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)) وقال أيضاً: (فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)، ويتجلّى في ظاهرتي الكسوف والخسوف تخويف الناس من قدرة الله على سلب النعم.

 حُكمها
 قال الفقهاء بأنّ الصلاة لكسوف الشمس من السنن المؤكدة الواردة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، أمّا حكم صلاة لخسوف القمر فقد ذهب كلٌّ من الشافعية والحنابلة إلى القول بأنّها سنةٌ مؤكدةٌ، وقال الحنفية بأنّها حسنةٌ، أمّا المالكية فقالوا بأنّها مندوبةٌ، وثبت حكمها بالقرآن الكريم والسنة النبوية الفعلية، قال تعالى: (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ)، كما ورد أنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- صلّى بالناس حين كُسفت الشمس في عهده، وبيّن لهم أنّ الكسوف آيةٌ من آيات الله لعباده. وقتها يبدأ وقت صلاة الخسوف والكسوف من حصولهما إلى انتهائهما، فِهماً من السنة القولية والعملية للنبي -صلّى الله عليه وسلّم-؛ ففي حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-: (قَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بنَا رَكْعَتَيْنِ حتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ) والفزع والإسراع دلالةٌ عمليةٌ على المبادرة لأداء الصلاة حين حدوث الخسوف أو الكسوف، ومن الحديث ذاته يُستدلّ على أنّ وقت الصلاة يستمر إلى انجلاء الخسوف أو الكسوف؛ فقد صلّى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالناس حتى ذهبا.
الجريدة الرسمية