أسوار حول النهر العظيم
ألح الهاتف في الرنين
فتوازيت مع الرصيف، وتوقفت بسيارتي للرد على طالبي، بعد انتهاء المكالمة وقبل أن أتحرك
أشار إليّ شاب عربي، يبدو أن بصحبته زوجته، ففتحت زجاج السيارة للرد على استفساره، وكانت
المفاجأة: من فضلك كيف أصل إلى كورنيش النيل حتى أراه؟! دُهشت.. ومن فرط دهشتى تلعثمت،
وأنا أخبر الرجل أنه بالفعل على كورنيش النيل.
كنت على طريق الكورنيش قبل الوصول إلى بناية المحكمة الدستورية العليا، أشرت إلى الرجل أن خلف كل هذه البنايات المتراصة على النيل من مطاعم وأسوار ومقاه وأندية يقبع النيل، كما كان منذ قديم الزمان، لم يقتنع الرجل بما قلت وبدأ يشرح لي أن هذه ليست المرة الأولى له بالقاهرة، وأن سائق التاكسي أنزله في هذا الموقع، مؤكدا له أنه على كورنيش النيل، غير أنه يدور في هذه المسافة منذ ساعة دون أن يرى النيل.
مد مهلة التصالح ضرورة ملحة
يبدو أن حوارا بدأ بينى وبين الرجل.. حوارا لا أملك قناعات في الرد عليه، فالرجل يريد أن يرى النيل الذي كان يراه ممتدا أمامه باتساعه المدهش، ومياهه الصافية، وضفتيه المزدانتين بالأشجار، الرجل يبحث عن بائع الترمس في الأفلام العربية القديمة، وبائع الذرة، وعن تلك المشاهد التي صدرناها في أفلامنا أيام أن كان كورنيش النيل حقا لكل مواطن.
قلت للرجل: يمكنك الدخول إلى أي مطعم أو مقهى أو ناد، للاستمتاع أكثر بالنيل، فظهرت على وجهه ملامح الرفض ومضى مصطحبا زوجته وهو غير مقتنع بما قلت.. وللأمانة أنا شخصيا لم أكن مقتنعا!!
لم يكن النيل حتى وقت قريب حكرا على فئة بعينها، تقيم الأسوار والمطاعم حوله، فإذا أردت أن تراه عليك الدفع أو الانضمام إلى فئات المحظوظين من الصحفيين والضباط ورجال القضاء، فإن لم تكن منهم، فعليك دفع المعلوم في مطعم أو مقهى أو عائمة تجثم بصدرها وأسوارها حول النهر الخالد.
كان المصري القديم يكتب في وصيته التي تصاحبه في عالم الخلود بعد الموت، أنه لم يلوث النيل كشهادة على إخلاصه وصلاحه واحترامه لأسباب الحياة، مضت الأيام وتكبل النيل بالأسوار، وحجبت مناظره الخلابة التي كانت تظهر قدرته على بث الطمأنينة في قلوب العامة، وإشاعته لمظاهر الجمال وقدرته على رسم ملامح الرقة والعذوبة في نفوس الناس.
المانح والممنوح
لم يعد الفخر أمام الخالق بعدم تلويث النيل واحدا من مفردات الحياة اليومية في بلادنا، بعد أن سيطرت نزعة الخصخصة على ضفتى النهر الذي هو حق دستوري أصيل للناس.. كل الناس.
تقول المادة الخامسة والأربعون من الدستور المصري الحالي: "تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية، ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدى عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر".
إذن رؤية النيل والاستمتاع بالشواطئ حق أصيل للمصريين دون دفع المعلوم، أضف إلى ذلك أن إتاحة النيل للناس من شأنه أن يبث في النفوس قيما للجمال، وهي قيم لا تخضع للبيع والشراء والخصخصة.
إن السير موازيا للنيل يكشف حجم الكارثة التي حلت به، إذ لا يجوز أن يحبس خلف أسوار وعوامات وعائمات ومطاعم ونواد تحتكر مصدرا طبيعيا للجمال والراحة ومتنفسا طبيعيا بالمجان!!
كنت على طريق الكورنيش قبل الوصول إلى بناية المحكمة الدستورية العليا، أشرت إلى الرجل أن خلف كل هذه البنايات المتراصة على النيل من مطاعم وأسوار ومقاه وأندية يقبع النيل، كما كان منذ قديم الزمان، لم يقتنع الرجل بما قلت وبدأ يشرح لي أن هذه ليست المرة الأولى له بالقاهرة، وأن سائق التاكسي أنزله في هذا الموقع، مؤكدا له أنه على كورنيش النيل، غير أنه يدور في هذه المسافة منذ ساعة دون أن يرى النيل.
مد مهلة التصالح ضرورة ملحة
يبدو أن حوارا بدأ بينى وبين الرجل.. حوارا لا أملك قناعات في الرد عليه، فالرجل يريد أن يرى النيل الذي كان يراه ممتدا أمامه باتساعه المدهش، ومياهه الصافية، وضفتيه المزدانتين بالأشجار، الرجل يبحث عن بائع الترمس في الأفلام العربية القديمة، وبائع الذرة، وعن تلك المشاهد التي صدرناها في أفلامنا أيام أن كان كورنيش النيل حقا لكل مواطن.
قلت للرجل: يمكنك الدخول إلى أي مطعم أو مقهى أو ناد، للاستمتاع أكثر بالنيل، فظهرت على وجهه ملامح الرفض ومضى مصطحبا زوجته وهو غير مقتنع بما قلت.. وللأمانة أنا شخصيا لم أكن مقتنعا!!
لم يكن النيل حتى وقت قريب حكرا على فئة بعينها، تقيم الأسوار والمطاعم حوله، فإذا أردت أن تراه عليك الدفع أو الانضمام إلى فئات المحظوظين من الصحفيين والضباط ورجال القضاء، فإن لم تكن منهم، فعليك دفع المعلوم في مطعم أو مقهى أو عائمة تجثم بصدرها وأسوارها حول النهر الخالد.
كان المصري القديم يكتب في وصيته التي تصاحبه في عالم الخلود بعد الموت، أنه لم يلوث النيل كشهادة على إخلاصه وصلاحه واحترامه لأسباب الحياة، مضت الأيام وتكبل النيل بالأسوار، وحجبت مناظره الخلابة التي كانت تظهر قدرته على بث الطمأنينة في قلوب العامة، وإشاعته لمظاهر الجمال وقدرته على رسم ملامح الرقة والعذوبة في نفوس الناس.
المانح والممنوح
لم يعد الفخر أمام الخالق بعدم تلويث النيل واحدا من مفردات الحياة اليومية في بلادنا، بعد أن سيطرت نزعة الخصخصة على ضفتى النهر الذي هو حق دستوري أصيل للناس.. كل الناس.
تقول المادة الخامسة والأربعون من الدستور المصري الحالي: "تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية، ومحمياتها الطبيعية. ويحظر التعدى عليها، أو تلويثها، أو استخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن في التمتع بها مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر".
إذن رؤية النيل والاستمتاع بالشواطئ حق أصيل للمصريين دون دفع المعلوم، أضف إلى ذلك أن إتاحة النيل للناس من شأنه أن يبث في النفوس قيما للجمال، وهي قيم لا تخضع للبيع والشراء والخصخصة.
إن السير موازيا للنيل يكشف حجم الكارثة التي حلت به، إذ لا يجوز أن يحبس خلف أسوار وعوامات وعائمات ومطاعم ونواد تحتكر مصدرا طبيعيا للجمال والراحة ومتنفسا طبيعيا بالمجان!!