رئيس التحرير
عصام كامل

يوم انتخبت "صدام" رئيساً للجمهورية

لا أدرى السبب وراء عدم قناعة البعض، خاصة من ينتمون إلى اليسار المصرى، بأن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة "طبيعية" وإنها لم تختلف كثيرا عن نتائج كل الانتخابات والاستفتاءات التى تم إجراؤها فى مصر منذ ثورة يوليو 1952، وستستمر على تلك الوتيرة مع "اختلاف الوجوه" إلى ما شاء الله.


فمنذ أيام، جمعنى القدر مصادفة بصديق قديم من أقطاب اليسار المصرى، وعلى الرغم مما يتمتع به من دهاء ووعى سياسى، وقدرة على قراءة وتحليل الأحداث، وجدته محتدا وناقما على الأغلبية العظمى من الأسماء التى أفرزتها الانتخابات الأخيرة لمجلسى الشيوخ والنواب، وسألنى بانفعال شديد، هل ترى أن ما حدث فى تلك الانتخابات طبيعيا؟.

فقلت له بهدوء: بالتأكيد طبيعيا، وكل الوجوه التى أتت بها الانتخابات طبيعية للغاية، ولست مصدوما أو مذهولا مثلك.

فقال: كيف، وكل الشواهد تؤكد أنه قد تم إسقاط كل أصحاب الرأى فى البرلمان السابق عن عمد، واتخام مجلسى الشيوخ والنواب بأغلبية من أصحاب الخبرات المحدودة، الذين لا صلة لهم بالشارع، ولا سابق عهد لهم بالعمل السياسى أو العمل العام.

مافيا "تجارة الموت"

فقلت: وما الاعتراض أو الغريب فى ذلك، إذا كانت هذه الوجوه هي إفراز الصناديق، وجاءت بناء على تصويت الأغلبية.

فقال: من المستحيل أن يكون هذا هو إفراز الصناديق، أو اختيار الاغلبية، بل إن أغلب هؤلاء النواب جاءوا نتيجة لتدخل السلطات، وإقصاء وجوه بعينها، واستبدالها بشخصيات تدين لها بالولاء.

فقلت: قد تندهش إننى لا أدرى سببا منطقيا لانزعاجك، خاصة وإنك تعلم أن هذا هو حال كل الانتخابات فى كل دول العالم الثالث.

قال: لا أفهم ماذا تقصد؟.

قلت: يا صديقى حتى لو لم تتدخل السلطات بشكل مباشر لتزوير النتائج، فالجهل وعدم الوعي يتدخل ويساند توجه السلطات والإتيان بمن تريد، خاصة وان "الكفاءة" مازالت العامل الأخير، الذى من الممكن أن يختار على أساسه الناخب، من يمثله فى أى من المجالس النيابية، فى كل دول العالم الثالث، ومازال المال السياسى، والقبلية، والطائفية، وسطوة السلطة تتحكم في الاختيارات بشكل كبير.

قال: معنى ذلك أنك مقتنع إن السلطة تدخلت بالفعل فى حسم نجاح أو إخفاق عدد من المرشحين؟.

قلت: وحتى إن لم تتدخل بشكل مباشر، فمازال هناك من ينصاعون لأوامر أصحاب النفوذ، وعباد السلطة، بانتخاب فلان وعدم انتخاب فلان بحكم "الجهل" ويبيعون أصواتهم لمن يدفع أكثر بحكم "فقر" وهو ما يتم وسيظل سائدا فى كل الانتخابات والاستفتاءات فى كل دول العالم الثالث، طالما هناك جهل وأمية، وفقر وجوع وجميعها أسباب تؤدى فى كل الدول المتخلفة إلى خروج الانتخابات فى أجواء احتفالية، يخرج خلالها الشعب يرقص ويغنى ويهتف تأييدا لما ترتضيه السلطة، التى عادة ما تطلق عليه عرس ديمقراطى.

قائمة "أولاد الناس الكويسين"

فأذكر يا صديقى انتي تلقيت دعوة من وزارة الإعلام العراقية فى أكتوبر عام 2002 لتغطية أحداث الاستفتاء الرئاسى الأخير للرئيس الراحل "صدام حسين" وعلى الرغم مما كانت تغرق فيه العراق فى ذلك الوقت من كوارث اقتصادية وعسكرية وحصار وعلاقات متوترة مع العديد من دول العالم، إلا اننى رأيت العراق فى ذلك اليوم وقد انتفضت عن بكرة ابيها تأييدا للرئيس، وخرج الشعب يغنى ويرقص ويهتف بحياة "صدام حسين".

لدرجة ان حجم التملق وصل لحد اننى رأيت مواطنا عراقيا فى إحدى لجان الإستفتاء فى ذلك اليوم، أراد أمام كاميرات التليفزيون وعدسات المصورين أن يبايع الرئيس بالدم، فوضع يده على منضدة، وأمسك بساطور، واخذ يضرب به على يده بهوس، إلى أن اندفع الدم من كل جزء فيها بشكل مرعب، واخذ يضعه على ورقة الإستفتاء، وكتب به على علم العراق "ابايعك بدمى يا صدام".

وحتى لا تغضب من إفراز الانتخابات الأخيرة يا صديقى، أقسم لك انه على الرغم من حالة الفوضى التى سادت لجان التصويت، وأننى مصريا، ولا يحق لى المشاركة فى الإستفتاء على الرئيس العراقى، فقد قمت فى كل لجنة من اللجان التى دخلتها بالحصول على بطاقة أو أكثر من بطاقات الإستفتاء ووضعت صوتى بالرفض تارة، وبالقبول تارة أخرى، ومازلت أحتفظ بعدد من أوراق ذلك الاستفاء حتى اليوم.

ورغم ذلك، أعلن "عزة إبراهيم الدورى" نائب الرئيس العراقى فى اليوم التالى، فوز “صدام حسين” بنسبة 100% من مجموع الأصوات.

للأسف يا صديقى هذا هو حال كل الانتخابات والاستفتاءات فى دول العالم الثالث، وكل ما أحاط بالاستفتاء على "صدام حسين" سيظل طبيعيا، وسيظل كل "عرس ديمقراطى" يأتى بمن على هوى السلطة، إلى أن نستطيع القضاء على الجهل، والفقر، والجوع، وانهيار المنظومة التعليمية ونستطيع الاختيار بوعى بعيدا عن سطوة السلطة، وزل المال السياسى.. وكفى.
الجريدة الرسمية