رئيس التحرير
عصام كامل

لقاح كورونا.. للاغنياء فقط

للأسف، الحقيقة المرة التى لا يعيها فقراء العالم أن لقاحات كورونا التى سيبدأ توزيعها هذا الأسبوع سوف تكون من نصيب الأغنياء فقط، وأن أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى سيكون لهم الأولوية فى الحصول على تلك الامصال التى لن تكون متاحة لأى من الدول الفقيرة ومن بينها مصر قبل النصف الثانى من العام القادم.


فالحقائق على الأرض تؤكد أن بريطانيا قد نجحت يوم الأربعاء الماضى فى إجازة أول لقاح للوقاية من كورونا وبدأت فعليا فى إنتاجه وطرحة فى الأسواق عن طريق شركتى فايزر وبيونتك فى الوقت الذى ستبدأ فيه شركتا مودرنا وأسترازينيكا فى إنتاج لقاحين آخرين خلال أيام.

وعلى الرغم من إعلان فايزر، وبيونتك، ومودرنا، وأسترازينيكا عن توفير نحو 150 مليون جرعة من اللقاحات قبل نهاية هذا العام، إلا أن تلك الجرعات سيتم الدفع بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربى بدءا من الأسبوع الحالى، بعد أن انهت اتفاقات مع فايزر يتم بمقتضاها توريد جرعتي اللقاح للمواطن بسعر 50 دولارا.

حقيقة كورونا فى مصر

ومن المتوقع أن تبدأ وزارة الدفاع الأمريكية ومراكز مكافحة الأمراض الأوربية هذا الأسبوع تحصين العاملين في القطاعات الصحية، والوظائف الحيوية، والذين يعانون من أمراض مزمنة، والذين تزيد أعمارهم على الـ 65 عاما، ثم باقى الفئات، بالترتيب على مراحل.

فى حين يبدو الأمر بالنسبة للدول الفقيرة ومن بينها مصر مختلفا تماما فى توقيت الطرح والأسعار، حيث تم الاتفاق بين التحالف العالمي للقاحات والتحصين المعروف اختصارا بإسم جافى ومشروع كوفاكس الذي تديره منظمة الصحة العالمية، على توريد اللقاحات للدول الفقيرة بأسعار رمزية وللدول الأكثر فقرا بشكل مجانى خالص، وذلك بعد أن نجح التحالف فى جمع نحو ملياري دولار لهذا الغرض، غير ان تلك الدول لن تتمكن دون شك من الحصول على اللقاحات سوى فى مراحل متأخرة من الإنتاج.

الكارثة الأكبر تكمن في أن ذلك التحالف - رغم صدق نواياه - لن يتمكن أيضا من تحصين سوى 3% فقط من أبناء الدول الفقيرة، ويأمل القائمون عليه فى الارتفاع بتلك النسبة إلى 20% على أكثر تقدير، وهو ما يعنى وضع فقراء العالم أمام خيارين كلاهما مر، فإما تدبير الأموال وشراء اللقاحات، وإما الاستسلام للموت بكورونا.

الثابت، أن هناك دولا سوف تطرح اللقاحات لمواطنيها بالمجان مثل كل دول الاتحاد الأوربى الذى أبرم بالفعل اتفاقيات لتوريد مليارى جرعة من 6 لقاحات مختلفة، لتحصين كل مواطنيه بشكل مريح، بل وإتاحة اللقاحات بالصيدليات والمراكز الطبية والمطارات للجمهور مع بداية أبريل القادم، وهو ذات الحال بالنسبة لليابان الذي أقر البرلمان فيها قانونا يلزم الحكومة بالتكفل بكافة نفقات الأمصال لكل أفراد الشعب.

قائمة "أولاد الناس الكويسين"

فى حين يبقى أمر لقاحات كورونا فى مصر وموعد وطرق طرحها، وما إذا كانت بمقابل أو بالمجان مبهما حتى هذه اللحظة، حتى للحكومة المصرية ذاتها، إلا أنها مثل كثير من حكومات الدول النامية، فوضت نهاية الأسبوع الماضى وزيري المالية والصحة للتعاقد مع تحالف جافى لتوفير 20 مليون جرعة من اللقاحات، غير أنه من المتوقع ألا تحصل على أي منها قبل النصف الثاني من العام القادم.

وعلى الرغم من أن الأمر قد يتغير كثيرا بالنسبة لمصر فى حالة نجاح التجارب على اللقاح الصينى الذى تم الاتفاق على تصنيعه بالقاهرة، إلا أن المسئولية الاجتماعية، وخطورة الظرف تفرض على الحكومة ضرورة عدم الانتظار، أو تعليق مصير الشعب على نتائج لقاح بعينه، والسعى بشتى الطرق لإعادة تكرار التجربة الناجحة التى تم بمقتضاها علاج الفقراء مجانا من فيروس سى حينما نجحنا فى الحصول على موافقة لتصنيع عقار السوفالدى وتحويل مصر إلى مركزا إقليميا للعلاج من الفيروس.

وهو ما يمكن أن يتكرر مع لقاحات كورونا فى ظل السباق المحموم بين دول العالم لايجاز نحو 210 لقاحا، دخل 48 منهم بالفعل مرحلة التجارب على البشر، واوشك 10 آخرين على الإنتهاء من المرحلة الثالثة والاخيرة، وهو ما يعنى سهولة استقطاب لقاح أو أكثر للتصنيع في مصر، والاكتفاء ذاتيا من اللقاحات.

وإلا، لن يكون هناك مفر من تكافل مجتمعى جاد، يشارك فيه رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال، لمساندة الدولة، والسعى بأقصى سرعة لتدبير احتياجات المصريين من اللقاحات، انقاذا لمئات الأرواح التى تتساقط يوميا جراء الإصابة بالفيروس اللعين.. ونسأل الله لنا ولكم السلامة.. وكفى.
الجريدة الرسمية