محلاها عيشة فلاح المزرعة السعيدة!
كان الفلاحون يتضاحكون
عندما يشدو موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عبر المذياع: "محلاها عيشة الفلاح/
مطمن قلبه مرتاح/ يتمرغ على أرض براح والخيمة الزرقا ساتراه.. القعدة ويّا الخلان
والقلب مزقطط فرحان/ تثاقلها بجنة رضوان.. الشكوى عمره ما قالهاش/ إن لاقى ولاّ ما
لاقاش"؛ لأنَّ كلماتها لا تشبهم ولا تُجسِّد واقعهم الحقيقى.
"عبد الوهاب" لم يكن فلاحًا، ومؤلف الأغنية بيرم التونسى لم يمتهن يومًا الزراعة، أما نجاة وأسمهان اللتان قدمتا الأغنية أيضًا، فلم يكن لأيهما علاقة بشئون الفلاحة وتربية الماشية والدواجن ورعايتها.
الأغنية، التى تم تقديمها للمرة الأولى فى نهاية ثلاثينيات القرن الماضى، لم تواكب الحياة القاسية والصعبة لعموم مزارعى مصر من قريب أو بعيد، قديمًا أو حديثًا.
صُناع الأغنية اختصروا الزراعة فى مجرد "جلسة عصارى وكوب شاي" بعد يوم شاق من العمل البدني بدأ مع طلوع الفجر. الفن لا يكون صادقًا عندما لا يكون معبرًا أو منفصلاً عن الواقع؛ لذا كان الفلاحون يتضاحكون سخرية من أغنية "عبد الوهاب"، الذى كانت وساوسه تدفعه إلى غسل الماء بالماء قبل استخدامه!
أولويات الإعلام!
وإنْ كان انفصال الفن عن الواقع قاسيًا، فإنَّ انفصال الساسة وصانعى القرار يكون أكثر قسوة وأشد إيلامًا. تصريح وزير الرى والموارد المائية، فى ختام الأسبوع الماضى، الذى أكد من خلاله أن الفلاح سوف يكون بمقدوره رىُّ أرضه عبر الهاتف المحمول دون أن يغادر منزله، يشبه أغنية "محلاها عيشة الفلاح" تمامًا، فى خرافتها وأسطوريتها ووهميتها وسذاجتها وعدم منطقيتها.
قرأتُ وطالعتُ تفسيراتٍ علمية دقيقة من أهل الرأى والاختصاص عن إمكانية تنفيذ التقنية التى تحدث عنها الوزير، الذى يخشى أن يشمله تغيير وزارى مرتقب، ولكن وفق ضوابط وشروط ومعايير معينة، لا تتوافر لصغار الفلاحين الذين يمثلون النسبة الأكبر من أكثر من 40 مليون فلاح يكابدون فقر المال وفقر الماء، ويعانون الإهمال فى ظل الحكومة الحالية والسابقة واللاحقة، وبعضهم مهدد بالسجن؛ لعجزه عن سداد ديونه لبنك التنمية والائتمان الزراعى، وعدد آخر من مزارعى الأوقاف مهدد بالطرد والتشريد، والسواد الأعظم من الفلاحين يذوقون الأمرَّين فى توفير مياه الرى من الأساس، ما يدفعهم إلى الاعتماد على المياه الجوفية، وما يرافق ذلك من مشقة مالية وجسدية مريرة، كما يفتقدون إلى الرعاية الطبية والتأمين الصحى، رغم أنهم أنفع وأجدى من غيرهم؛ باعتبارهم قطاعًا مُنتجًا، وليسوا عالة مثل غيرهم من ذوى الرواتب الخرافية والذين لا يقدمون شيئًا ملموسًا لوطنهم وشعبهم.
فى وقت سابق.. قال وزير الزراعة السابق ردًا على غياب "المرشد الزراعى"، إنه سوف يتم استبداله بتطبيق إلكترونى عبر الهاتف المحمول، وحصل أيضا يومئذ على حظه من السخرية، وانطوت صفحة هذا الوزير، وذهب حلمه مع الريح. واستكمل خليفته "الوزير الحالى" رحلة إذلال الفلاحين وإفقارهم وتجفيف موارد دخولهم.
اختطاف العميد والفيلسوف!
إجمالاً.. كفاكم عبثًا وتهريجًا واستفزازًا لأكبر قطاع مُنتج ومُهم من المصريين.
الفلاحون – أقصد صغارهم وليس الإقطاعيين الجدد وأصحاب المساحات الواسعة- لا يريدون مرشدًا زراعيًا إلكترونيًا، ولا يتطلعون إلى رىِّ أراضيهم عبر الهاتف المحمول، ولا يتطلعون إلى مباشرة أعمالهم الزراعية "أونلاين"، ولا متابعة أعمالهم والتواصُل معهم عبر تقنية "زووم"، ولا الاستعانة بـ"روبوتات" لتوفير "أكل الماشية" ورعايتها، ولكن يحتاجون قلوبًا رحيمة، ومسئولين يتمتعون بقدر كافٍ من الإنسانية يشعرون بهم وباحتياجاتهم.
يا وزيرى الرزاعة والرى ويا كل مسئول له علاقة بقطاع الزراعة.. إنهم فلاحون مصريون، بشر أمثالكم، يستحقون كل اهتمام ورعاية وتقدير، وليسوا مزارعين فى المزرعة السعيدة!
"عبد الوهاب" لم يكن فلاحًا، ومؤلف الأغنية بيرم التونسى لم يمتهن يومًا الزراعة، أما نجاة وأسمهان اللتان قدمتا الأغنية أيضًا، فلم يكن لأيهما علاقة بشئون الفلاحة وتربية الماشية والدواجن ورعايتها.
الأغنية، التى تم تقديمها للمرة الأولى فى نهاية ثلاثينيات القرن الماضى، لم تواكب الحياة القاسية والصعبة لعموم مزارعى مصر من قريب أو بعيد، قديمًا أو حديثًا.
صُناع الأغنية اختصروا الزراعة فى مجرد "جلسة عصارى وكوب شاي" بعد يوم شاق من العمل البدني بدأ مع طلوع الفجر. الفن لا يكون صادقًا عندما لا يكون معبرًا أو منفصلاً عن الواقع؛ لذا كان الفلاحون يتضاحكون سخرية من أغنية "عبد الوهاب"، الذى كانت وساوسه تدفعه إلى غسل الماء بالماء قبل استخدامه!
أولويات الإعلام!
وإنْ كان انفصال الفن عن الواقع قاسيًا، فإنَّ انفصال الساسة وصانعى القرار يكون أكثر قسوة وأشد إيلامًا. تصريح وزير الرى والموارد المائية، فى ختام الأسبوع الماضى، الذى أكد من خلاله أن الفلاح سوف يكون بمقدوره رىُّ أرضه عبر الهاتف المحمول دون أن يغادر منزله، يشبه أغنية "محلاها عيشة الفلاح" تمامًا، فى خرافتها وأسطوريتها ووهميتها وسذاجتها وعدم منطقيتها.
قرأتُ وطالعتُ تفسيراتٍ علمية دقيقة من أهل الرأى والاختصاص عن إمكانية تنفيذ التقنية التى تحدث عنها الوزير، الذى يخشى أن يشمله تغيير وزارى مرتقب، ولكن وفق ضوابط وشروط ومعايير معينة، لا تتوافر لصغار الفلاحين الذين يمثلون النسبة الأكبر من أكثر من 40 مليون فلاح يكابدون فقر المال وفقر الماء، ويعانون الإهمال فى ظل الحكومة الحالية والسابقة واللاحقة، وبعضهم مهدد بالسجن؛ لعجزه عن سداد ديونه لبنك التنمية والائتمان الزراعى، وعدد آخر من مزارعى الأوقاف مهدد بالطرد والتشريد، والسواد الأعظم من الفلاحين يذوقون الأمرَّين فى توفير مياه الرى من الأساس، ما يدفعهم إلى الاعتماد على المياه الجوفية، وما يرافق ذلك من مشقة مالية وجسدية مريرة، كما يفتقدون إلى الرعاية الطبية والتأمين الصحى، رغم أنهم أنفع وأجدى من غيرهم؛ باعتبارهم قطاعًا مُنتجًا، وليسوا عالة مثل غيرهم من ذوى الرواتب الخرافية والذين لا يقدمون شيئًا ملموسًا لوطنهم وشعبهم.
فى وقت سابق.. قال وزير الزراعة السابق ردًا على غياب "المرشد الزراعى"، إنه سوف يتم استبداله بتطبيق إلكترونى عبر الهاتف المحمول، وحصل أيضا يومئذ على حظه من السخرية، وانطوت صفحة هذا الوزير، وذهب حلمه مع الريح. واستكمل خليفته "الوزير الحالى" رحلة إذلال الفلاحين وإفقارهم وتجفيف موارد دخولهم.
اختطاف العميد والفيلسوف!
إجمالاً.. كفاكم عبثًا وتهريجًا واستفزازًا لأكبر قطاع مُنتج ومُهم من المصريين.
الفلاحون – أقصد صغارهم وليس الإقطاعيين الجدد وأصحاب المساحات الواسعة- لا يريدون مرشدًا زراعيًا إلكترونيًا، ولا يتطلعون إلى رىِّ أراضيهم عبر الهاتف المحمول، ولا يتطلعون إلى مباشرة أعمالهم الزراعية "أونلاين"، ولا متابعة أعمالهم والتواصُل معهم عبر تقنية "زووم"، ولا الاستعانة بـ"روبوتات" لتوفير "أكل الماشية" ورعايتها، ولكن يحتاجون قلوبًا رحيمة، ومسئولين يتمتعون بقدر كافٍ من الإنسانية يشعرون بهم وباحتياجاتهم.
يا وزيرى الرزاعة والرى ويا كل مسئول له علاقة بقطاع الزراعة.. إنهم فلاحون مصريون، بشر أمثالكم، يستحقون كل اهتمام ورعاية وتقدير، وليسوا مزارعين فى المزرعة السعيدة!