رئيس التحرير
عصام كامل

اختطاف العميد والفيلسوف!

بخُبث ومكر شديدين.. يتخذ بعض العابثين اللاهين كلاً من: عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة الدكتور زكي نجيب محمود تكئة لترويج أفكارهم المسمومة ضد الإسلام والزعم بأنه لم يعد دينًا صالحًا للحياة وأنه يحتاج إلى عملية إصلاح شاملة وفق أهوائهم، في جريمة أخلاقية وعلمية وفكرية متكاملة الأركان. 


يستغل هذا الفريق في مُخططه الآثم الفاسد أمرين لا ثالث لهما، أولهما: حالة التردد التي لازمت العميد والفيلسوف في مستهل حياتهما الفكرية والمهنية، وهذا أمر طبيعي تعرض له معظم العلماء والمفكرين النوابغ. وثانيهما: حالة الأمية الثقافية التي تلازم قطاعات كبيرة من المصريين، حتى ممن ينسبون أنفسهم إلى النخبة المثقفة، فلا يعتمدون على القراءة والتدقيق وتحري الحقيقة، ويكتفون بقراءة مقال مغرض أو منشور مُوجَّه!

العميد والفيلسوف.. تم اختطافهما مع سبق الإصرار والترصد وتوظيف أفكارهما "الأولى" التي استغفرا الله وتابا وأنابا عنها فيما بعد، لنشر بعض الأكاذيب والأوهام فى شأن الإسلام ودوره الأخلاقى والاجتماعي وتأثيره الإيجابي فى الحياة. ومن يطالع السيرة الذاتية للعميد والفيلسوف سوف يكتشف بسهولة ويسر كيف أصبحا فى النصف الثاني من حياتهما أكبر مدافعين عن الإسلام ضد خصومه ومعارضيه وأعدائه عن علم راسخ واقتناع كامل.

يوسفُ.. أعرضْ عن هذا

أما عميد الأدب العربي طه حسين، الذي عاش بين عامي 1889 -1973، فلم يستمر طويلاً في دائرة إثارة الجدل والغبار حول الإسلام، متأثرًا بالحُقبة التى قضاها فى باريس، بل إنه سرعان ما غيَّر وجهته تمامًا وارتد عن أفكاره ، وتحول إلى ما يمكن وصفه بمرحلة "الإياب التدريجي"، التي يمكن تأريخها بين عامي 1932-1952، حيث خلتْ كتاباته فى هذه الفترة من أيَّة إساءة إلى الإسلام، وتوجَّه خلالها إلى الكتابة في "الإسلاميَّات"، فكتب: "هامش السِّيرة" بأجزائه الثلاثة، وأثبت فيها وعيًا حقيقيًا بالدين، ودعَا إلى إصلاح العقل بالمعجزة القرآنيَّة التي يفهمها العقلُ فلا يستطيعُ إنكارها، ويُكْبرها فلا يستطيع عليها تمردًا ولا طغيانًا.

وخلال هذه الفترة أيضًا.. كتَب طه حسين الكثيرَ من المقالات التي تُناقِض مؤلفه الشخصي المثير للجدل: "مستقبل الثقافة في مصر"، كما نشر مقالاً بمجلة الهلال، فى العام 1940 جاء فيه: "الدِّين الإسلامي كان وسيكون دائمًا أساسَ الحياة الخُلقية للأمَّة الإسلاميَّة، وقد كان في عصر طويل أساسَ الحياة السياسيَّة والعلميَّة لهذه الأمة أيضًا، وهو الآن وسيكون دائمًا أساسًا لهذه الحياة السياسيَّة والعلميَّة إلى حدٍّ بعيد".

وفى المرحلة الثالثة والأخيرة من حياة طه حسين الفكرية التي أعقبت العام 1952، وحتى وفاته، وهو ما اتفق على تسميتها: "مرحلة الإياب الفِكري الصريح والحاسم إلى أحضان العروبة والإسلام"، أظهر العميد طه حسين تحولاً كاملاً نحو العروبة والإسلام، فأكد على: حاكميَّة القرآن، والانتقال من الفِرعونيَّة إلى العروبة التي صاغَها الإسلام، وأثنى على العلماء المجدِّدين، وزار الأراضى المُقدسة فى العام 1955.

وعندما صلى طه حسين فى المسجد النبوي قال: "صليتُ في المسجد النبوي، وشعرتُ بسموِّ رُوحي، ووددتُ أنْ لا أبرحَ المسجد، أتابع صلاة الظهر بصلاة العَصر، فلا أُريد غِذاءً ولا طعامًا ولا شرابًا". وبعد عودته إلى القاهرة اعتكف على إعداد كِتابه: "مرآة الإسلام" الذي كشف فيه عن ألوانٍ من إعجاز النظم القرآني، وبعده بعام أنجز كتابه: "الشيخان".

يوسفُ.. أعرضْ عن هذا

أما فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة الدكتور زكي نجيب محمود، الذي عاش بين عامى: 1905-1993، فإنه لا يزال يتعرض لهذه الحالة من التدليس الفكرى، فالرجل الذى انبهر مثل العميد فى بدايات حياته بالغرب، لم يلبث أن تحول إلى أبرز المدافعين عن الإسلام ضد خصومه فى الداخل أو الخارج، حتى أنه وضع مؤلفًا شهيرًا يحمل هذا الاسم.

يقتاتُ بعض العابثين الذين توقف إنتاجهم العقلى، فراحوا ينبشون فى أوراق قديمة بالية تراجع أصحابها عنها؛ ليقدموا أسانيد وأدلة لأفكارهم البالية المرفوضة، على ما كتبه أمثال الدكتور زكي نجيب محمود فى فترة سفره إلى باريس وعقب عودته، متجاهلين-عن سوء قصد- القناعات والأفكار التى انتهى إليها وعاش بها حتى مات. 

ولمن لا يعلم.. فإن الدكتور زكى نجيب محمود، هو أحد أعلام النهضة الأدبية في مصر والوطن العربي عن جدارة واستحقاق. ورغم أنه نادى في باكورةِ مراحلهِ الفكريةِ، أثناءَ وجوده فى أوروبا، بإلغاء التراث العربي ورفضِه رفضاً تاماً، وسيادة العقل على النقل، وتغيير سُلَّم القيم العربية؛ ليكون على غرار النمط الأوروبي، إلا أنه سرعان ما انقلب على ذلك كله، ليدعوَ إلى فلسفة جديدة برؤية عربية تبدأ من الجذور، ولا تكتفي بها، بل نادى بتجديد الفكر العربي وتوصل إلى أن "الإسلام هو أكثر الديانات السماوية دعوةً إلى العلمِ والعقلِ والتعقلِ"، وهى الرؤية ذاتها التى انتهى إليها العميد كما ذكرنا آنفًا.

هذان هما عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، والفيلسوف العظيم الدكتور زكى نجيب محمود، وتلك هى حقيقتهما الساطعة الصادقة التى لا تقبل تشكيكًا ولا تدليسًا، وصدق الله العظيم إذا يقول: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ".
الجريدة الرسمية