رئيس التحرير
عصام كامل

التعليم بخطة البنك الدولي (7)

ونستطيع أن نؤكد بقوة أن نظام التعليم الحالي الذي وضعه البنك الدولي ويرعاه وزير التربية التعليم الدكتور طارق شوقي لا يمكن أن يحقق ما تصبو إليه مصر من تقدم، بل العكس صحيح فها هو نظام التابلت يفشل أحيانا مما جعل الوزارة تحدد ساعات الامتحانات على ساعات متفرقة من اليوم وأيام متعددة وليس وقتا محددا كالامتحان العادي، ويخرج الطالب من الصف الأول الثانوي لم يتعرف على معلومة، وغير مدرك ما سيكون عليه الوضع في السنوات القادمة..


فالوزير يطلب من الطالب أن يدرس المناهج الموجودة في التابلت ولكن لن يمتحن فيها بل ستأتي له الأسئلة كأسئلة ثقافية، وهذا النهج يختلف تماما عن التعليم، فالتعليم يعني أن تعطي الطالب معلومات متدرجة سنويا ليستعين بها في ثقل مهارته لسوق العمل، وتختبره في هذه المعلومات، فإن وجدته قد فهمها يلتحق بالسنة التالية وإلا يعيد السنة ليتقن هذه المعلومات، أما أن تطلب منه أن يعرف معلومات مختلفة من مصادر مختلفة مثل بنك الأسئلة والمعرفة والمكتبة الإلكترونية الخ؛ لتختبره في أسئلة عامة حول ذلك، فهذا من قبيل التثقيف وليس التعليم..

ومن المفترض أن يتعلم الطالب ويتثقف وليس يتثقف فقط كما يريد وزير التعليم والبنك الدولي؛ لأن الثقافة لن تنشئ متعلما ماهرا في فرع من العلوم يستطيع أن ينافس قرناءه في العالم في ذلك الفرع، ويتفوق عليهم كما حدث كثيرا من عظماء مصر ونوابغها، وطبعا ذلك – أي عدم وجود متعلم حقيقي – هو ما يسعى إليه البنك الدولي مع وزير التعليم . والغريب أن خطة البنك الدولي مع وزير التعليم تركز على تغيير الطريقة التي يتم بها قياس مهارات الطلاب واستيعابهم بها، وتغيير شكل أسئلة الامتحان لأسئلة ثقافية ولا تركز على إعطاء الطالب منهجا محددا يتقنه ويتدرج فيه حتى يصل إلى درجة العلم في هذا الفرع من المعرفة كما يحدث في العالم أجمع.

التعليم بخطة البنك الدولي (6)

وقد اتضح بعد التجربة أن خطة البنك الدولي غير دقيقة فها هو فشل التابلت كثيرا في بعض الأوقات، وها هو التراجع عن جعل الثانوية على سنوات ثلاث، وها هو التراجع عن امتحان التابلت للورقي في بعض الأوقات، وها هو عدم استفادة طالب الصف الأول الثانوي أو الثاني بأي معلومة إلخ، ولن يساعد إلغاء نظام الثانوية العامة الحالي واستبداله بالنظام الذي طرحه وزير التربية والتعليم على حل مشكلات وأزمات الثانوية العامة، المتكررة كل عام، ولكنه سينتج عنه ظهور وإشعال أزمات جديدة..

فالنظام الجديد يُضاعف الأعباء على الأًسرة المصرية، ولا زالت الدروس الخصوصية مستمرة في ظل عدم معرفة ولي الأمر ولا الطالب ما الذي ينبغي دراسته والتركيز عليه وتعلمه، فأدت هذه الحيرة إلى انطلاق الطالب للمدرس عله يعينه في حل هذه الحيرة، رغم أن المعلم أكثر حيرة من الطالب.

وقد أراد الدكتور طارق شوقي استثمار هذه الحيرة فقرر قرارات بحجة كورونا، وهي أن تكون المدرسة مكانا للتدريب على ما درسه الطالب في التلفزيون أو النت، وهو يعلم أن الطالب المصري غير معتاد على أن يتلقى الشرح عن طريق الميديا، فالطالب يريد أن يكون متفاعلا مع معلمه وجها لوجه، فإذا شرح المعلم معلومة غير مفهومة للطالب أوقفه هذا الأخير ليعيد المعلم شرحها، فيتوالى فهم الطالب، وهذا طبعا لن يحدث مع معلم التلفزيون أو النت.

أما المدرس فليس عليه أن يشرح للطالب بل يكون مفسرا ومرشدا له عندما يسأله الطالب عن شيء، وهنا بالتأكيد لن يستوعب الطالب من النت ومعلم التلفزيون الكثير، وسيلجأ لمعلمه الطبيعي، فأراد وزير التربية والتعليم أن يزيد من دخل المعلم على حساب الأسرة وولي الأمر..

التعليم بخطة البنك الدولي (5)

فقرر أن يعطي المدرس مجموعة في المدرسة وفيها يشرح للطالب الدروس، وبالطبع سيقبل عليه الطلاب، والمجموعة بأموال داخل المدرسة؛ مما يحول التعليم من مجاني إلى غير مجاني تحت إشراف وزارة التربية والتعليم التي تحفز المدرسين في المدارس بأموال المجموعات، وتثقل على كاهل ولي الأمر ليفهم أن التعليم لم يعد مجانيا، وأن ابنه عندما يذهب للمدرسة في وقت الدراسة فليس للتعلم وإنما يتعلم فقط في وقت المجموعة، فلو لم يكن لديه مال المجموعة فلن يتعلم شيئا .

كما أكد الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أنه سيتم مع تطبيق وإقرار قانون التعليم – ذلك الذي رفضه من قبل مجلس النواب لعدم وجود عدالة به، ويصر عليه الوزير؛ لأن ذلك أمر من البنك الدولي – في غضون 4 أو 5 سنوات على الأكثر إلغاء مكتب التنسيق، واستحداث طرق جديدة للالتحاق بالجامعات..

بمعنى أن الطالب الذي حصل على 50 % يتساوى مع الطالب الذي حصل على 100%، فعندما تعلن كلية الطب مثلا عن قبولها دفعة من طلاب الثانوية العامة يتقدم الاثنان للكلية، وتختبرهما وقد ينجح صاحب ال50% في الالتحاق بينما صاحب ال 100% يفشل، وهذا أمر جيد، لكنه يضيع الفرص على الطالب المجتهد الفقير؛ لأنه بلا جدال ستتدخل المحسوبية والرشوة كما هو الحال في بعض الكليات التي تقبل الطلاب مباشرة دون مكتب تنسيق، كما أن الوضع وقتها سيخضع للمال، حيث ستكون معظم الجامعات إما خاصة أو أهلية، والدولة تسعى بقوة لإنشاء الجامعات الخاصة والأهلية لتكون بديلا عن الجامعات الحكومية في إطار إلغاء مجانية التعليم، وتحويل الجامعات الحكومية إلى نظام المال..

وبالتالي لن يستطيع الطالب الفقير أن يلتحق بالكلية التي يريدها لأنه لن يكون معه المال لذلك، وسيكتفي بشهادة الثانوية العامة التي هي في القانون الجديد شهادة منتهية، ولن يتعلم تعليما مميزا وجامعيا سوى أبناء الأغنياء، مما يقتل كل ما فعله جمال عبد الناصر من أجل مجانية التعليم والارتقاء بالفقراء، وسيكون معظم الشعب مكتف بشهادة الثانوية العامة، ولا يتعلم سوى أبناء الأثرياء في العاصمة الإدارية الجديدة والعالمين الجديدة وشرم الشيخ الجديدة والجلالة الخ من أماكن وتجمعات الاثرياء المصريين، ليعود مجتمع النصف في المائة والباشاوات الذي هدمه جمال عبد الناصر وثورة 1952 .
الجريدة الرسمية