التعليم بخطة البنك الدولي (5)
وتقرر بدء تطبيق النظام الذي خططه البنك الدولي
للتعليم في مصر وقتها ونفذ بالفعل- على طلاب رياض الأطفال والأول الابتدائي في نوعيات
المدارس المختلفة التي تمنح الشهادة المصرية، ويظهر النظام الجديد بعدم وجود امتحانات
حتى الصف الثالث الابتدائي، إضافة إلى دراسة المناهج في بوتقة واحدة بعد دمجها، مع
احتفاظ بعض المواد مثل اللغة الإنجليزية والتربية الرياضية والدينية بصفتها مادة منفصلة..
إضافة إلى ترجمة المناهج من قبل الوزارة لهذه المدارس، وأيضًا تدريب المعلمين وتقسيم المناهج والمقررات الدراسية إلى 4 مجالات هي "مجال اللغات والفنون ومجال العلوم والتكنولوجيا ومجال التربية الشخصية والاجتماعية والبدنية". أي تطبيق كل شروط ونظام خبراء البنك الدولي، وإذا حاولنا تحليل ونقد خطة البنك الدولي "لإصلاح" التعليم في مصر التي تبنتها وزارة التربية والتعليم تحت قيادة الدكتور طارق شوقي..
التعليم بخطة البنك الدولي (4)
نستطيع أن نذكر الحيلة الماكرة التي لجأ إليها البنك الدولي لتلبيس الأمر على الناس، وهو أنه قدم تشخيصا صحيحا لما يعانيه التعليم في مصر من قبيل معدلات الفقر المرتفعة، وتدني نسب الإتاحة للالتحاق بمرحلة رياض الأطفال، وضعف جودتها، وسوء جودة التدريس، وتخصيص الجانب الأعظم من الإنفاق على التعليم على بند الأجور والمرتبات مقابل تدني نسب المخصصات لنفقات التشغيل والاستثمارات، وضعف المهارات المؤهلة لدخول سوق العمل لخريجي المرحلة الأساسية (السنوات التسعة)، وضعف صلاحيات مديري المدارس في التصرف بالموازنة المالية، وتواضع نظم الحوافز لدى المعلمين، وعدم الربط بين مستوى الحوافز ومستوى الأداء، وسوء التخطيط في توزيع المعلمين.
وكلها مظاهر حقيقية لأزمة النظام التعليمي المصري، ولكنها تظل مجرد مظاهر للأزمة وليست أسبابها الحقيقية، لكن عندما قدم البنك ذلك التشخيص أقنع المسئولين وخاصة وزير التربية والتعليم طارق شوقي بأن البنك الدولي يفهم جيدا في التعليم المصري، وطالما شخَّص بدقة فسيعالج بدقة، وهنا الخطأ الكبير..
فالبنك شخَّص بدقة ليكسب الثقة حتى يتاح له المعالجة فيفعل ما يشاء من تدمير للتعليم بحجة الإصلاح، فنجد أن من أولويات إصلاحه إلغاء مجانية التعليم وتبني سياسة معادية لمجانية التعليم، لذا لم يرد ذكر لها على الإطلاق في كل أوراق خطة البنك الدولي، وكأن البنك الدولي يريد أن يخرج لسانه للدكتور طه حسين، صاحب المقولة الشهيرة "التعليم حق للجميع كالماء والهواء"، والذي عرف باهتمامه الخاص بالتعليم وحرصه فى الوصول إلى جميع المواطنين، مع توليه مهام وزارة التعليم فى 12 يناير 1950، حيث أصدر قرارا فى 1951، بمجانية التعليم الثانوى، اتساقا مع فكرة أن التعليم متاحا ومشاعا كالماء والهواء.
بل إن مجانية التعليم سابقة على عهد طه حسين، حيث ينسب للوالى محمد على باشا إنشاء أول نظام للتعليم الحديث فى مصر، ضمن طموحاته لتأسيس دولته، وبحسب كتاب "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين: ديمقراطية التعليم لمجتمع ديمقراطى"، من إعداد مجموعة من الباحثين، فإن قبل بداية القرن التاسع عشر كان التعليم مقتصرا على الكتاتيب أو المساجد والجامع الأزهر، ولم تتجل مسئولية الدولة إلا مع بداية 1820 فى عهد محمد على، ومع اهتمامه بالتعليم، كانت مجانية التعليم فى ذلك الوقت مقتصرة على قلة من الأعيان، وكان فى الأزهر يقوم على الجراية للفقراء والأغراب من الشعوب الإسلامية.
التعليم بخطة البنك الدولي (3)
لكن مع دخول الاحتلال الإنجليزى فرضت المصروفات على التعليم الحديث، واقتصر التعليم فى المدارس لتكوين الموظفين وكوادر الدولة. وكان دستور 1923 أول دستور مصرى، يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها فى شئون التعليم. ويذكر كتاب "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين: ديمقراطية التعليم لمجتمع ديمقراطى"، إن دستور 1923، تضمن مادة عن التعليم الأولى، حيث تقول المادة 19 من القانون "التعليم الأولى إلزامى للمصريين بنين وبنات وهو مجانى فى المكاتب العامة"، ويوضح الكتاب أن مع قانون التعليم الإلزامى أصبح التعليم فى المدارس الإلزامية التى بدأت الدولة فى إنشائها مجانيا، وظل باقى التعليم التجهيزى والجامعى بمصروفات ولعدد محدود من أبناء كبار الملاك الزراعيين والتجار وكبار موظفى الحكومة.
ويوضح الكتاب أن ضمن القرارات التى تمثل انتصارا لحكومة نجيب الهلالى ذات الفكر الليبرالى، هو صدور قانون مجانية التعليم الابتدائى فى المدارس الحكومية فى المدن عام 1944، بجانب التعليم الإلزامى الذى ظل فى القرى إلى جانب التعليم الحديث الرسمى مجانيا.
وكأن البنك الدولي يريد أن يلغي ما فعله جمال عبد الناصر من أجل جعل التعليم مجاني، فمع قيام ثورة 1952، ودورها الوطنى تضمن دستور 1956، أول دستور للبلاد دائم بعد دستور 1923 بأن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، وتضمنت المادة 50 بأن الدول تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان. حتى جاء عام 1961، وأعلن جمال عبد الناصر الثورة التعليمية الحقيقة، وفيه يتيح التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطنة، وأتت تعديلات الدسنور فى مارس 1966 مؤكدة على مجانية التعليم، حيث ذكر فى المادة 39 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان"..
إضافة إلى ترجمة المناهج من قبل الوزارة لهذه المدارس، وأيضًا تدريب المعلمين وتقسيم المناهج والمقررات الدراسية إلى 4 مجالات هي "مجال اللغات والفنون ومجال العلوم والتكنولوجيا ومجال التربية الشخصية والاجتماعية والبدنية". أي تطبيق كل شروط ونظام خبراء البنك الدولي، وإذا حاولنا تحليل ونقد خطة البنك الدولي "لإصلاح" التعليم في مصر التي تبنتها وزارة التربية والتعليم تحت قيادة الدكتور طارق شوقي..
التعليم بخطة البنك الدولي (4)
نستطيع أن نذكر الحيلة الماكرة التي لجأ إليها البنك الدولي لتلبيس الأمر على الناس، وهو أنه قدم تشخيصا صحيحا لما يعانيه التعليم في مصر من قبيل معدلات الفقر المرتفعة، وتدني نسب الإتاحة للالتحاق بمرحلة رياض الأطفال، وضعف جودتها، وسوء جودة التدريس، وتخصيص الجانب الأعظم من الإنفاق على التعليم على بند الأجور والمرتبات مقابل تدني نسب المخصصات لنفقات التشغيل والاستثمارات، وضعف المهارات المؤهلة لدخول سوق العمل لخريجي المرحلة الأساسية (السنوات التسعة)، وضعف صلاحيات مديري المدارس في التصرف بالموازنة المالية، وتواضع نظم الحوافز لدى المعلمين، وعدم الربط بين مستوى الحوافز ومستوى الأداء، وسوء التخطيط في توزيع المعلمين.
وكلها مظاهر حقيقية لأزمة النظام التعليمي المصري، ولكنها تظل مجرد مظاهر للأزمة وليست أسبابها الحقيقية، لكن عندما قدم البنك ذلك التشخيص أقنع المسئولين وخاصة وزير التربية والتعليم طارق شوقي بأن البنك الدولي يفهم جيدا في التعليم المصري، وطالما شخَّص بدقة فسيعالج بدقة، وهنا الخطأ الكبير..
فالبنك شخَّص بدقة ليكسب الثقة حتى يتاح له المعالجة فيفعل ما يشاء من تدمير للتعليم بحجة الإصلاح، فنجد أن من أولويات إصلاحه إلغاء مجانية التعليم وتبني سياسة معادية لمجانية التعليم، لذا لم يرد ذكر لها على الإطلاق في كل أوراق خطة البنك الدولي، وكأن البنك الدولي يريد أن يخرج لسانه للدكتور طه حسين، صاحب المقولة الشهيرة "التعليم حق للجميع كالماء والهواء"، والذي عرف باهتمامه الخاص بالتعليم وحرصه فى الوصول إلى جميع المواطنين، مع توليه مهام وزارة التعليم فى 12 يناير 1950، حيث أصدر قرارا فى 1951، بمجانية التعليم الثانوى، اتساقا مع فكرة أن التعليم متاحا ومشاعا كالماء والهواء.
بل إن مجانية التعليم سابقة على عهد طه حسين، حيث ينسب للوالى محمد على باشا إنشاء أول نظام للتعليم الحديث فى مصر، ضمن طموحاته لتأسيس دولته، وبحسب كتاب "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين: ديمقراطية التعليم لمجتمع ديمقراطى"، من إعداد مجموعة من الباحثين، فإن قبل بداية القرن التاسع عشر كان التعليم مقتصرا على الكتاتيب أو المساجد والجامع الأزهر، ولم تتجل مسئولية الدولة إلا مع بداية 1820 فى عهد محمد على، ومع اهتمامه بالتعليم، كانت مجانية التعليم فى ذلك الوقت مقتصرة على قلة من الأعيان، وكان فى الأزهر يقوم على الجراية للفقراء والأغراب من الشعوب الإسلامية.
التعليم بخطة البنك الدولي (3)
لكن مع دخول الاحتلال الإنجليزى فرضت المصروفات على التعليم الحديث، واقتصر التعليم فى المدارس لتكوين الموظفين وكوادر الدولة. وكان دستور 1923 أول دستور مصرى، يكفل حق التعليم، بما يمثل انطلاقة حقيقية لمسئولية الدولة وتطورها فى شئون التعليم. ويذكر كتاب "المرشد الأمين لتعليم البنات والبنين فى القرن الحادى والعشرين: ديمقراطية التعليم لمجتمع ديمقراطى"، إن دستور 1923، تضمن مادة عن التعليم الأولى، حيث تقول المادة 19 من القانون "التعليم الأولى إلزامى للمصريين بنين وبنات وهو مجانى فى المكاتب العامة"، ويوضح الكتاب أن مع قانون التعليم الإلزامى أصبح التعليم فى المدارس الإلزامية التى بدأت الدولة فى إنشائها مجانيا، وظل باقى التعليم التجهيزى والجامعى بمصروفات ولعدد محدود من أبناء كبار الملاك الزراعيين والتجار وكبار موظفى الحكومة.
ويوضح الكتاب أن ضمن القرارات التى تمثل انتصارا لحكومة نجيب الهلالى ذات الفكر الليبرالى، هو صدور قانون مجانية التعليم الابتدائى فى المدارس الحكومية فى المدن عام 1944، بجانب التعليم الإلزامى الذى ظل فى القرى إلى جانب التعليم الحديث الرسمى مجانيا.
وكأن البنك الدولي يريد أن يلغي ما فعله جمال عبد الناصر من أجل جعل التعليم مجاني، فمع قيام ثورة 1952، ودورها الوطنى تضمن دستور 1956، أول دستور للبلاد دائم بعد دستور 1923 بأن التعليم حق للمصريين جميعا تكفله الدولة بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية، وتضمنت المادة 50 بأن الدول تشرف على التعليم العام فى جميع مراحله المختلفة بمدارس الدولة بالمجان. حتى جاء عام 1961، وأعلن جمال عبد الناصر الثورة التعليمية الحقيقة، وفيه يتيح التعليم الجامعى بالمجان، كحق من حقوق المواطنة، وأتت تعديلات الدسنور فى مارس 1966 مؤكدة على مجانية التعليم، حيث ذكر فى المادة 39 على "إشراف الدولة على مراحله المختلفة فى مدارس الدولة وجامعاتها بالمجان"..