رئيس التحرير
عصام كامل

هل انتهت الحركة الوهابية؟!

قبل سنوات، كان من المنطقي أن نكتب عن خطر الوهابية، ولم يكن من المعقول أن نكتب عن انتهاء الحركة الوهابية، فهذه التعاليم التي تعتبر تشويها للدين الإسلامي الحنيف، كان يجد مؤيدين في كل مكان، وخاصة في المملكة السعودية، بل ويعتنقه جماعات من كافة أصقاع الأرض، مثل جماعة الإخوان والسلفيين، وغيرهم.. وزايد المتطرفون على تعاليم الوهابية، وضربوا خيامهم في شتى البقاع؛ لينشروا الفزع والرعب، ويسقطوا القتلى من كافة الجنسيات، دون اعتبار لمن يصلي إلى القبلة، ويردد الشهادتين، ولا التفات إلى إنسانية، ولا اعتبار لرحمة وتسامح !!


الآن، وبعد أن حدث ما لم يكن متوقعا، البتة، والانفصال القاطع بين المملكة السعودية والإخوان.. وفتح السلطات هناك صفحة جديدة مع الجميع، والترحيب بكل الانتماءات، والاستجابة لنداءات الحداثة.. تعيش الوهابية أسوأ أيامها. فهي لا تنتعش غلا في الظلام والانفلاق، ويقتلها النور، ويخنقها الانفتاح.

نشأت الحركة الوهابية منتصف القرن الثامن عشر في شبه الجزيرة العربية، ومؤسسها هو محمد بن عبد الوهاب الذي قرأ وتشبع بفقه أحمد بن حنبل و"فتاوى" ابن تيمية ومؤلفات ابن القيم.. وكانت قناعته أن المسلمين عادوا إلى الجاهلية والشرك، وأن الإسلام غير موجود ويجب إعادته بالقوة.

السعودية والإخوان.. الإرهاب يترنح

أبرز مظاهر "الشرك" في نظره كانت بناء الأضرحة والتبرك بها (وبالتالي تكفير من يقدسها كالشيعة، بل والصوفية). أعلن الجهاد لإقامةً دولة التوحيد وتطهيرً الأمة، واتبع طريقة الخوارج في التكفير، وهي الاستناد إلى نصوص في الكتاب والسنة نزلت في حق الكفار والمشركين ليسقطها على المسلمين.

بحث ابن عبد الوهاب عن حليف سياسي فكان الأمير محمد بن سعود.. اتفقا وبايع كل منهما الآخر؛ هذا يقيم دولة ويحكمها، وهذا ينشر دعوته فيها وينطلق بها لاحقا إلى باقي الدول الإسلامية.. وبالفعل تأسست الدولة الأولى في إمارة الدرعية، وبدأت بهدم الأضرحة في مكة والمدينة والاستيلاء على صناديق النذور، وسرقة أموالها، وتطبيق الحدود من قتل ورجم، ووضع قواعد جديدة للحج والعبادات، وحبس المرأة وتغطيتها بالكامل لو خرجت من بيتها.

لم تلق هذه الدعوة ترحيبا شعبيا ولا إقليميا عند نشأتها. ففي عام 1818 تمكن إبراهيم باشا بن محمد علي من تدمير الدرعية وأسقاط الدولة الوهابية الأولى بتشجيع من الخليفة العثماني، وقامت مرة أخرى وسقطت بعد صراع داخلي، ثم قامت للمرة الثالثة مع تأسيس المملكة العربية السعودية بزعامة عبدالعزيز آل سعود عام 1932.. لكن هذه المرة قويت شوكتها وكان النفط قد ظهر، فاستخدمت أمواله الطائلة لتمكين الدولة ونشر مذهبها.

الوهابية لا تؤمن بالعلم الحديث، حتى أن من علمائها من أنكر كروية الأرض، كذلك تحريم الموسيقى والغناء، وتحقير الدنيا وتكفير من يحبها، والتنطع في العبادات إلى درجة حل المشاكل بالدعاء والأذكار، وليس بالعقل والأخذ بالأسباب، فتوقف نموُّ العقل المسلم حتى أصبح المسلمون يستوردون كل شيء ولا يصنعون شيئًا، ولا يملك المسلم سلاحا ولا يعرف من فنون القتال إلا أن يفجر نفسه. صارت العبادات مجرد عادات.. واختفت الروحانيات، وأمسى المظهر هو كل شيء في الدين، دون اعتبار للجوهر.

في الستينيات لم تكن في الجامعات المصرية أو العربية أي فتاة منقبة، لكن مع هبوب الريح الوهابية وعودة زوجات العاملين المصريين من السعودية وهن منقبات، مع حملة منظمة في الداخل ضد حرية المرأة واختلاطها.. فما هي إلا عشرين سنة فقط، وإذا بالنقاب يغزو الجامعات والمستشفيات والدوائر الحكومية والشوارع المصرية.

حملة "داعش" على الرسول !!

ربما النقطة الوحيدة من مجمل الفكر الوهابي التي رفضها المصريون ولم يعيروها انتباها هي هدم الأضرحة ومنع زيارتها أو الصلاة في المساجد التى تحتويها، فحافظوا على تلك الأضرحة واستمروا في زيارتها والتبرك بها.

المصريون محبون للأولياء وآل البيت؛ لهذا فشل الفكر الوهابي في هدم الأضرحة في مصر، ولم ينجح في غرس كراهية آل البيت في قلوبهم.. فلا يزالون يهرعون في الملمات إلى سيدنا الإمام الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، وسيدنا علي زين العابدين، وغيرهم، رضي الله عنهم وأرضاهم.

المشكلة الكبرى حاليا، أن الوهابية تلفظ أنفاسها في بلد المنشأ؛ السعودية، بينما آثارها السلبية باقية ولن تمحى بسهولة من كل دول العالم التي وصلت إليها.

نحتاج بشدة إلى حملات عميقة وقوية في الريف والمناطق التي تسود فيها الأمية، ويغلب عليها الفقر، والجهل، لتصويب الأوضاع، وتعرية الوهابية وكشف مساوئها، وإعادة عقول العامة إلى جادة الصواب، وهذا، بالأساس، دور الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، والأوقاف، وإن كانت الوزارة بحاجة ماسة إلى ثورة تصحيح لـ "غربلة" الأئمة، واستبعاد أصحاب الفكر الإخواني، والمتشددين منهم.
الجريدة الرسمية