رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رفقا ثم رفقا

جذبتنى متابعة مسلسل "إلا أنا" والذي يحكي قصة فتاة مصابة بمرض البهاق، تعانى تخوفها من إظهار حقيقة مرضها للناس، ما جعلها تلجأ إلى إخفائه بالملابس ذات الأكمام الطويلة أو بوضع إيشارب يغطى الرقبة، مع الاستعانة ببعض المساحيق وأدوات التجميل، في مواجهة التنمر والألسنة المتسائلة، والأعين المشفقة المذعورة، التي تذبح وتقسو وتجهز على الروح بسبب وعى غير مكتمل، وقلة إيمان بأنه ابتلاء من الله عز وجل مثل سائر الابتلاءات لا حيلة أو يد للإنسان فيه.


البهاق هو بقع جلدية بيضاء اللون تظهر على بشرة الانسان بلون مختلف عن لون الجلد الأصلى، تستمر مع الإنسان مدى حياته، إلا أنه وبحسب تأكيدات الأطباء لايهدد الحياة أو يؤثر على مسيرتها، باستثناء القهر النفسي الذي قد يعانيه صاحبه فيؤدى بمن لا يستطيع التعامل مع المجتمع إلى الرغبة في الانزواء والاحتجاب عن نظرات الناس.

الصاخبة المستديرة
عشنا ونحن صغارا خرافة مفادها أن البهاق واسماه البعض "البرص" بفتح الباء والراء، نسبة إلى حيوان البرص وهو من الزواحف الصغيرة، يصاب به الإنسان نتيجة مرور هذا الحيوان المقزز على الأطعمة المكشوفة فيبخ بها سمومه ومن ثم يتناول الإنسان هذا الطعام دون أن يدرى، فيصاب بالمرض، الذى صورته أيضا الخرافة أنه معدى ينتقل عن طريق اللمس!

بمرور الوقت دفعنى الفضول والخوف إلى القراءة عن هذا المرض بعد أن صافحت أحد الأصدقاء المصابين به، وعبث الوهم الزائف برأسي من عدوى مزعومة، ثم تبين بعد الاطلاع أنه مرض أو بوصف أدق عرض يتسبب فى خلل بصبغة خلايا الجلد، ما يؤدى إلى اختلاف اللون فى البشرة الواحدة وظهور تلك البقع، وهو غير معدي على الإطلاق، ويؤكد على هذا مرارا أساتذة طب الأمراض الجلدية.

اخفض أنفك
النظرات الفضولية المتسائلة للمصاب قد تقتل روحه، فتدفع به إلى هوة سحيقة من كراهية النفس والإحباط واليأس، وأذكر فى هذا الموقف يوم أن صعد إلى عربة المترو هذا الرجل الأربعيني المنهك وهو يحمل نجله الصبي المريض وما أن جلس، حتى تسمرت أعين الجالسين أمامه تجاهه، فى لحظات ربما رضي فيها هو بقضاء الله وقدره، ثم تضعه تلك السهام المصوبة إلى نجله فى حالة من الحزن والقنوط.
            
رفقا ثم رفقا إنسان ابتلي فى جسده بإرادة إلهية، وكان ابتلاؤه ظاهرا للناس، معا لنزيل نظرات الفضول وهمهمات الشفقة من سجلات التعامل الانسانى، فالمبتلى أقوى من الجميع إيمانه ورضاه بقدر الله، وهو في غنى عن التعاطف الزائف، ويشعر ويتاذى من التنمر المستتر، فليس التنمر سخرية وحسب، بل هو أيضا، نظرة قاتلة بنية حسنة، فرفقا ثم رفقا.  
 
Advertisements
الجريدة الرسمية