رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

رسالة من مريم

أبي العزيز،
أعتذر أنني لم أصل اليوم إلى المنزل في الموعد المعتاد. لا بد أن أمي انتظرتني طويلًا على الغداء وتساءلت في قلق عن سر غيابي. لقد علمتم الآن السبب ليزول قلقكم على تأخري ويحل بدلا منه حزنكم على فراقي.


كنت في طريق العودة بعد انتهاء عملي حينما تأملت للحظات السماء الصافية. أرسلت الشمس خيوط أشعتها لتنير وجهي وتشعرتني بالسلام والطمأنينة وكأنها تودعني. تذكرت لحظتها ما سمعته في الأرصاد بأن الأجواء ستكون معتدلة في المساء، إنها فرصة مثالية لنجتمع سويًا حول براد الشاي في البلكونة متأملين النجوم خلال استرجاع ذكريات عائلتنا وآمالنا في المستقبل تتخللها ضحكات صافية من القلب ومشاعر صادقة قادرة على تدفئتنا حتى إذا أخطأت الأرصاد وكانت الليلة شديدة البرودة.

مشاهد في جريمة الحي الراقي
تعرفون أنني كنت أنتظر الشتاء بفارغ الصبر إنه فصلي المفضل لكنني للأسف لن أرى هذا العام مشهد سقوط الأمطار أو أتمكن من فتح النافذة على مصراعيها لأبلل يدي وأسمح لقطرات المياه أن تمس وجهي قبل أن تنهرني أمي وتخبرني بأن أغلق النوافذ حتى لا يصيبني البرد. هذا العام لن يصيبني البرد يا أمي فقد أصابني الموت.

انتهى كل شيء في لحظات غادرة بعدما اقتربت سيارة الشيطان حاملة معها الموت في صورة شخصين تشربت أرواحهما بالأذى وانتشروا مسيطرين على شوارعنا حتى شاهدنا انعكاس ظلال أنفسهم المريضة أبطالًا في أفلام العشوائيات وأغاني المهرجانات. رغم أشعة الشمس ألا أنني لا أدرى كيف كان عالمهم معتم لهذه الدرجة داخل الميكروباص لا بد أنها مدينة الشر المطلق المتنقلة التي اعتادت على مخالفة القانون وتحطيمه ليموت تحت عجلاتها هؤلاء الذين يحترمون القانون ويأملون أن يعيشوا آمنين تحت ظلاله.

لم تعد مواقع لدردشة الأصدقاء
انتزع أحدهما شنطتي ليختل توازني ويتحطم رأسي نازفًا روحي ومعها سنوات جهدكم في تجهيزي لمستقبل لم يمهلونني الفرصة لأحياه. كانت حياتي بالنسبة لهؤلاء تساوي خمسة وثمانين جنيها فقط احتوتها حافظة أوراقي. إنها سخرية الأحداث التي جعلت خمسة وعشرين عامًا من متاعبكم في رعايتي ومجابهة الحياة من أجلي تتحطم ليغنم هؤلاء مبلغا يوازي أقل من أربعة جنيهات عن كل عام بذلتم الدم والدموع خلاله.

أبي العزيز.. أمي الغالية،
اختتم رسالتي بقلب محطم على فراقكم. أشاهد في لحظاتي الأخيرة هروب الميكروباص سريعًا بينما تمر الدقائق بطيئة في انتظار الإسعاف.
حينما كادت أنفاسي الأخيرة تغادرني كان عقلي يتساءل عن السبب وراء قتلي في واضح النهار بالطريق العام، وعن السبب وراء استباحة البعض للنساء إما بالسرقة أو التحرش أو الإهانة؟ وإلى متى يستمر غياب الأمان للسيدات في شوارعنا؟!
Advertisements
الجريدة الرسمية