رئيس التحرير
عصام كامل

ألاعيب أبناء وأحفاد البنا!

لم نكتب منذ فترة طويلة عن جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أن غالبية مقالاتي منذ 25 يناير 2011 وحتى 30 يونيو 2013 وما بعد ذلك بعام تقريبا لم تكن إلا عن الجماعة وخطورتها على المجتمع المصرى، وكنت دائما ما أحذر من ألاعيب أبناء وأحفاد البنا، وذلك من واقع خبرة علمية بفكر التنظيم وحركته التاريخية.


واليوم أجد إلحاحا من بعض الأصدقاء بضرورة العودة للكتابة مرة أخرى عن التنظيم وفكره وحركته بعد أن عاد للعمل من جديد ويحاول زعزعة الأمن والاستقرار بالداخل المصري، والقضاء على كل منجز تقوم به الدولة المصرية على طريق النهوض والتنمية، مستغلا بعض الأخطاء من ناحية، وعدم القدرة على الفهم والتعامل مع ألاعيب الجماعة من ناحية أخرى.
نصف قرن على رحيل زعيم الفقراء !
ونعود للخلف قليلا ففي أعقاب 30 يونيو 2013 والإطاحة بالجماعة من سدة الحكم تحدثنا عن الخيارات المتاحة أمام الجماعة باعتبارها إحدى القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة على الساحة المجتمعية المصرية - فهذه حقيقة علمية سواء قبلها البعض أو حاول إنكارها- ولعل محاولات إنكارها هى ما أوصلنا لهذه الحالة الراهنة التى كبرت فيها الجماعة وتوحشت وكادت تبتلع الوطن بكامله.

فأخطاء السلطة السياسية عبر ما يقرب من الخمسة عقود الماضية كانت سببا فيما وصلنا إليه الآن من مواجهة شاملة مع هذه القوى الإرهابية، فعندما ظن الرئيس السادات أنه بإمكانه القيام بثورة مضادة لثورة 23 يوليو 1952 يتخلص على أثرها من خصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين فاستعان على الفور بخصمهم العنيد جماعة الإخوان المسلمين فأخرجهم من السجون والمعتقلات وأطلق سراحهم لمواجهة هؤلاء الخصوم، لكن هذه المواجهة انتهت باغتياله شخصيا بعد أن ظن أنهم فرغوا من مهمتهم التى أوكلها لهم..

ثم جاء الرئيس مبارك ليسير فى نفس الطريق حيث قرر منذ البداية استمالة الجماعة وعقد صفقات تحتية معها، تمكنت على أثرها من التغلغل داخل بنية المجتمع انتظارا للفرصة التي تمكنها من الانقضاض على السلطة السياسية وانتزاعها، وساعدتها على ذلك سياسات مبارك المنسحبة من الأدوار الرئيسية للدولة وتخليها عن مسئوليتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها، مما خلق فراغا تمكنت هذه الجماعة وحلفاؤها من ملئه خاصة في الأحياء والمناطق الأكثر فقرا في الريف والحضر.

وفي أعقاب الإطاحة بالجماعة من سدة الحكم طرحنا مجموعة من الخيارات المتاحة أمامها، من خلال قراءة علمية نقدية فى أدبيات الجماعة الفكرية، وحركتها التنظيمية، وتجاربها التاريخية داخل المجتمع المصرى، وتوصلنا إلى ثلاثة خيارات متاحة أمامها في اللحظة الراهنة وهى: إلى الأمام، والاعتذار عن الفشل وإعادة النظر في تجربتها والاندماج مرة أخرى في المجتمع بعد مصالحة يتم على إثرها معاقبة من أخطأ.
جنون ترامب يفضح سياسات الإدارة الأمريكية!
والخيار الثانى هو: إلى الخلف، وخوض مواجهة مفتوحة مع الجميع المجتمع والدولة والسلطة السياسية، وهذا خيار اللاعودة فإما الانتصار باستخدام الإرهاب على الشعب والحكومة والدولة، أو الانتحار.

والخيار الثالث هو: في المكان، واتباع مبدأ التقية والعودة مرة أخرى لعقد صفقات وتحالفات مرحلية ومؤقتة مع السلطة السياسية، كما كان يحدث في الماضى، وهى لعبة تجيدها الجماعة تاريخيا، بل هى جزء من عقيدتها حيث اتقاء شر السلطة السياسية حين تكون الجماعة في مرحلة استضعاف، وهو ما تم على مدار حكم مبارك، ثم انتهاز الفرصة للانقضاض عليه والإطاحة به والجلوس محله، وهى المرحلة التى تعرف بمرحلة الاستقواء والتمكين.

وكنا قد أكدنا أن كل الشواهد والأدلة والبراهين تشير إلى أن الجماعة تسير بالفعل في اتجاه اللاعودة أى الخيار الثانى إلى الخلف، فالجماعة قد حسمت أمرها وقررت خوض معركة إلى الخلف للنهاية، وذلك من خلال تحالفها مع باقى الجماعات الإرهابية التي خرجت من تحت عباءتها والتي تطلق على نفسها مسميات مختلفة -سلفية وجهادية وغيرها – حيث أعلنوا النزول ضد الشعب والدولة والسلطة السياسية في مواجهة شاملة سيقومون من خلالها باستدعاء كل الحيل التاريخية لقوى الإسلام السياسي التي استخدمت من أجل الوصول إلى السلطة والسيطرة على مقاليد الحكم باسم الله والدين، والله والدين منهم براء.

لكن الجديد في الأمر هو استخدام الجماعة وأعوانها حيل جديدة حيث استخدمت المنصات الإعلامية في الخارج سواء في تركيا أو قطر، وشكلت كتائب إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على مدار الساعة لنشر الفتن والأكاذيب وتضخيم الأحداث الصغيرة، والدعوة الدائمة للخروج والتظاهر مستغلين بعض السياسات غير الرشيدة من السلطة السياسية سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. 

لذلك يجب أن يعى الشعب المصرى والسلطة السياسية معا أن المعركة الراهنة، هى الخيار الأخير أمام هذه الجماعة الإرهابية، وعلى الجميع أن يتوحد تحت مظلة الوطن فالمعركة لا يمكن أن تحسم من خلال الأجهزة الأمنية فقط وإنما تحتاج لدعم شعبى ومواجهة مجتمعية شاملة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والإعلامية.

وليدرك الجميع أن هذه المعركة ستطول ولن تحسم في المنظور القريب، وما المعركة الدائرة اليوم من خلال تحريض المواطنين الغاضبين من بعض السياسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا جولة من جولات الصراع بين الوطن وأعداء الوطن، لذلك لابد أن تتحرك السلطة السياسية لنزع فتيل الغضب بمجموعة من السياسات المنحازة للفقراء والكادحين والمهمشين، وإحداث إصلاح سياسي حقيقي، خاصة وأن أبناء وأحفاد البنا مازالوا يتلاعبون بالعقول وينفخون في النار، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية