رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نصف قرن على رحيل زعيم الفقراء !

في الثامن والعشرين من سبتمبر/ أيلول من كل عام تتجدد ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر الذى يكمل هذا العام خمسين عاما على الرحيل، ففي نفس هذا اليوم من العام 1970 وفي ليلة الإسراء والمعراج رحل زعيم الفقراء وحبيب الملايين، خرجت جموع الشعب المصري والعربي وكل الأحرار في العالم لوداعه في جنازة مهيبة لم يشهدها التاريخ من قبله أو بعده..


وأثناء الجنازة خرجت الكلمات من القلب ودون تجهيز "يا جمال يا حبيب الملايين"، "رايح فين وسايبنا لمين"، "لا إله إلا الله عبد الناصر حبيب الله"، "9 و10 أيدناك ليلة الإسراء ودعناك"، "ناصر يا عود الفل من بعدك هنشوف الذل"، وبالطبع قد يتعجب البعض اليوم على هذه الحالة النادرة في التاريخ، فيوميا يرحل رؤساء دول دون أن يتحرك ساكنا لشعوبهم.

كيف نفكك منظومة الفساد في الوطن العربي؟!
لكن قد يزول العجب عند معرفة أحوال الشعب المصري قبل قيام جمال عبد الناصر ورفاقه بثورة 23 يوليو 1952 ويلخص جمال نفسه أحوال المصريين في إحدى خطبه حيث يقول: "500 مليون جنيه مع 700 واحد.. طب وال 27 مليون عندهم أيه.. ده الوضع اللى ورثناه.. الاشتراكية لما يبقى فيه عدالة اجتماعية.. لكن مش العدالة الاجتماعية ولا المجتمع اللى نعيش فيه واحد بيكسب نصف مليون جنيه فى السنة.. وبعدين كاتب لأولاده أسهم كل واحد نصف مليون جنيه.. طب والباقين..

الناس اللى ليهم حق فى هذه البلد.. أيه نصيبهم فى هذه البلد.. يورثوا أيه فى هذه البلد.. لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون الغنى أرث والفقر أرث والنفوذ أرث والذل أرث.. ولكن نريد العدالة الاجتماعية.. نريد الكفاية والعدل.. ولا سبيل لنا بهذا إلا بإذابة الفوارق بين الطبقات.. ولكل فرد حسب عمله.. لكل واحد يعمل.. لكل واحد الفرصة.. ثم لكل واحد ناتج عمله".

وبتأمل كلمات الزعيم تكتشف كيف كانت أحوال المصريين؟ وكيف كانت الخريطة الطبقية؟ وتكتشف أيضا رؤيته الثاقبة وقراءته النافذة التي مكنته من وضع يده على الجرح العميق في جسد المجتمع المصري، وقدرته الفائقة على التشخيص السليم ووضع روشتة العلاج، والذي تمثل في تحديد الأولويات التي جعلت من العدالة الاجتماعية الحل الأمثل التي لا يمكن أن تتحقق إلا بتذويب الفوارق بين الطبقات..

 لذلك جاء مشروعه المنحاز للفقراء منذ اللحظة الأولى ليوجه ضربات قاسمة إلى الاقطاعيين والرأسماليين الأجانب الذين لم يتجاوز عددهم 700 شخص كانوا يحوزون الثروة والسلطة والنفوذ، فكان قانون الاصلاح الزراعي وقرارات الـتأميم والتمصير ثم القرارات الاشتراكية، وهو ما أتاح الفرصة لتذويب الفوارق بين الطبقات، وإتاحة فرص التعليم والعمل أمام الجميع..

وهو ما حقق مجتمع الكفاية والعدل إلى حد كبير، حيث تغيرت الخريطة الطبقية للمجتمع المصرى ونمت الطبقة الوسطى بشكل غير مسبوق في تاريخ المجتمع المصرى.

جمال عبد الناصر والأمن القومي المصري !
وكان جمال عبد الناصر سريع الاستجابة للفقراء وقادر على فهم احتياجاتهم دون تصريح، ففى إحدى زياراته لصعيد مصر توقف القطار في إحدى المحطات ففوجئ عبد الناصر ومرافقيه برجل بسيط يصيح "أنا جابر السوهاجى يا ريس" ويلقى بصرة داخل الديوان الذى يقف فيه عبد الناصر ورفاقه وقعت بين أرجلهم وتملك الحضور شئ من الارتباك والمفاجأة، وسارع أحد ضباط الحراسة الخاصة بالتقاط هذه الصرة بحذر، وبعد فتحها كانت المفاجأة أن الصرة لا تحوي إلا رغيف من الخبز الناشف (بتاو) وبصلة في منديل محلاوى، ولم يفهم أحد من الحضور لماذا رمي الرجل بهذه الصرة؟!

إلا أن زعيم الفقراء كان الوحيد الذي فهم معنى الرسالة، وأطل برأسه بسرعة من القطار وأخذ يرفع صوته في اتجاه الرجل الذي ألقى بالصرة قائلا له: "الرسالة وصلت يا أبويا، الرسالة وصلت"، وفور الوصول إلى أسوان طلب جمال عبد الناصر تقريرا عاجلا عن عمال التراحيل وأحوالهم المعيشية، وفي خطابه مساء نفس اليوم في جماهير أسوان قال: "يا عم جابر أحب أقولك إن الرسالة وصلت، وإننا قررنا زيادة أجر عامل التراحيل إلى 25 قرشا في اليوم بدلا من 12 قرشا فقط، كما قرر تطبيق نظام التأمين الإجتماعى والصحى على عمال التراحيل لأول مرة في مصر".

لذلك لا عجب أن يطلق الفقراء على قائدهم جمال عبد الناصر لقب زعيم الفقراء، فقد إنحاز لهم قولا وفعلا، وإتخذ من أجلهم العديد من الاجراءات الحاسمة، ودخل في العديد من المعارك لإنصافهم، وتحمل ما يفوق طاقة البشر من الضغوط المحلية والإقليمية والدولية لكى يتراجع عن مواقفه وسياساته الاقتصادية والاجتماعية الداعمة للفقراء في مصر والوطن العربي والعالم الثالث..

لذلك حين وافته المنية خرجت جموع الفقراء في مصر والعالم لوداعه، ومازالت ترفع هذه الجماهير صوره في كل مناسبة وفي كل بقاع الأرض كرمز للعدالة الاجتماعية، وفي ذكرى رحيله الخمسين نقول ما أحوج الفقراء في مصر والوطن العربي والعالم لزعيم جديد للفقراء، الذين لا يجدون من يشعر ببؤسهم في ظل سياسات رأسمالية محلية وإقليمية ودولية تطحنهم دون رحمة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية