رئيس التحرير
عصام كامل

صفعة على وجه إسرائيل

منذ أيام، أسدل القضاء المصرى الستار وبشكل نهائى على أحد "مسامير جحا" التى كان "الكيان الصهيونى" يتخذها ذريعة لتدنيس الأراضى المصرية، بعد أن رفض طعن الجهة الإدارية على حكم محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الصادر فى ديسمبر عام 2014، بوقف الاحتفالات السنوية للصهاينة بمولد "أبو حصيرة" ورفض تسليم رفاته لإسرائيل، وإلغاء قرار وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، باعتبار ضريحه أثرا إسلاميا، وإخطار منظمة اليونسكو بالحكم.


وعلى الرغم من أن الحكم التاريخى للمحكمة الإدارية العليا فى مصر، لم يلقى رواجا إعلاميا، إلا أنه يعد ضربة قاسمة لـ "الكيان الصهيونى" الذى ظل يتحايل منذ سنوات لاختلاق ذرائع وقصص وهمية يجعل منها مبررا لتدنيس الأراضى المصرية.

حيث ظلوا طوال عهد مبارك، يتوافدون سنويا بالآلاف إلى الضريح الذى يقع بقرية "دميتوه" التابعة لمركز دمنهور بمحافظة البحيرة، وإقامة احتفالات شاذة تمتد لعدة أيام، يتم خلالها ذبح الخراف والخنازير، وشرب الخمر، وسكبها فوق الضريح، ولعقها بألسنتهم، والرقص عرايا على أنغام وتراتيل يهودية بشكل هستيري، وغيرها من الممارسات الشاذة، التى تستفز مشاعر المصريين، وتربك الحالة الأمنية بالمحافظة رأسا على عقب طوال فترة تواجدهم بالقرية.
ملحدون بلدنا
ويمكن القول، إن الاهتمام الصهيوني بـ "أبو حصيرة" قد بدأ يتصاعد ويستفز مشاعر المصريين بشكل كبير  منذ عام 2001، وتحديدا عندما قدم الدكتور فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق لإسرائيل هدية على طبق من ذهب، وأصدر قرارا بضم ضريح الحاخام اليهودى إلى قائمة الآثار الإسلامية، مما أعطى للصهاينة الحق فى تدنيس الأراضى المصرية وزيارة الضريح طوال العام، وليس مرة كل عام.

فى الوقت الذى سعت فيه إسرائيل إلى توسيع سيطرتها على الضريح والمنطقة المحيطة به، وبدأت فى إغراء الأهالى بمبالغ خرافية لبيع الأراضى الملاصقة له، وبالفعل نجحت فى شراء نحو 500 متر، وزادت من مساحة الضريح من 350 إلى 840 مترا، تم بداخلها بناء استراحات محاطة بسور ضخم، مما جعل أطماعهم تزيد فى التوسع وشراء المزيد من أراضى القرية.

وبالفعل، بدأت التبرعات تنهال من تل أبيب للسيطرة على باقى أراضى القرية، حيث قدمت إسرائيل فى ذلك الحين معونة لمصر لبناء جسر "أبو حصيرة" الذى يربط القرية بطريق علوى مباشر من مدينة دمنهور، لتيسير وصول اليهود إليها، فى الوقت الذى بدأ فيه الصهاينة مخططا منظما لإغراء أهالى قرية دميتوه بمبالغ خرافية، كمقابل لشراء 5 أفدنة أخرى بجوار الضريح، لبناء مجموعة فنادق عليها، إلا أن الحملة الشعبية ضد تدنيس الصهاينة لأراضى البحيرة كانت كانت قد تصاعدت ضد الوجود الصهيونى، وبدأت فى توعية أهالى القرية، الذين اعطوا ظهورهم لكل الإغراءات الصهيونية.

وبدأت الحركة الشعبية المناهضة للوجود الصهيونى معركة من نوع آخر أمام القضاء المصرى، لوقف مهزلة تدنيس الصهاينة لأرض محافظة البحيرة، إلى أن انتصرت لهم محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية فى 29 ديسمبر عام 2014 وأصدرت حكما تاريخيا بإلغاء الاحتفالات السنوية بمولد "أبو حصيرة" وإلغاء قرار فاروق حسنى باعتبار ضريحه أثرا إسلاميا.

الغريب، أنه رغم الحكمين التاريخيين للقضاء الإدارى المصرى، إلا أن التاريخ لم يذكر أن "أبو حصيرة" كان يهوديا كما يدعى الصهاينة، وأن كل روايتهم لا أساس لها من الصحة، وأن طلبهم بنقل رفاته إلى مدينة القدس العربية المحتلة قائم على رواية لا سند لها.

ويدعى الصهاينة حسب روايتهم المزعومة، أن "أبوحصيرة" عاش ودفن في "دميتوه" منذ ما يزيد على 100 عام، إلا أن الخرائط المساحية لمدينة دمنهور تؤكد أن قبر الحاخام اليهودى المزعوم لم يظهر إلا عام 1910، وأنه قبل ذلك التاريخ لم يكن له وجود في كل الخرائط.
خيبة إعلام بلدنا
وتدعى أساطيرهم الكاذبة، أن "يعقوب أبو حصيرة" كان يعيش منذ مائة عام في مدينة مراكش بالمغرب، وأنه عندما أراد الحج إلى القدس، ركب سفينة، إلا أنها غرقت بمن فيها، إلا الحاخام اليهودي، الذي فرد "حصيرته" التي كان ينام عليها على سطح الماء، وجلس فوقها، وظل مبحرًا حتى وصل إلى السواحل السورية، ومنها اتجه إلى القدس، وبعد أن أدى شعائر الحج وزار حائط المبكى، حمل حصيرته على كتفه، وظل يمشي إلى أن وصل إلى مصر، حيث أعجبه الحال بقرية "دميتوه" فاستقر بها، وعمل "إسكافيًا" وظل بالقرية إلى أن مات، في عهد الخديو توفيق، ودفن بمقابر اليهود بالقرية.

في حين أن الرواية التاريخية الصحيحة التي أخذت بها المحكمة تؤكد، أن "أبو حصيرة " مسلم مغربى، عاش في مراكش باسم "محمد بن يوسف بن يعقوب الصاني" وعمل بالفعل في إصلاح النعال، وكان رجلا ناسكًا زاهدًا، حج بيت الله الحرام عدة مرات، وأن المغاربة يؤكدون بالوثائق أن نسبه يمتد إلى طارق بن زياد.

وأنه استقر في نهاية حياته في قرية "دميتوه" حيث أطلق البعض عليه لقب "أبو حصيرة" نظرا لأنه كان فقيرا ولا يمتلك سوى حصيرة ينام عليها، وعندما مات، لم يكن أحد يعرف له نسبا أو قريبا، فقام أحد تجار القطن بالقرية بدفنه في مقابر اليهود.

الغريب، أن الصهاينة ظلوا على إصرارهم لفرض واقع مزور لهم في مصر، وشرعوا فى اختراع كرامات ومعجزات لـ "أبو حصيرة" لتبرير تدنيسهم للأراضى المصرية، إلى أن انتصر القضاء لإرادة المصريين وأوقف مهازلهم السنوية، وهو ما دفع كبار الحاخامات فى إسرائيل للمطالبة بنقل رفات "أبو حصيرة" إلى القدس.

وعلى الرغم من ممارسة تل أبيب لضغوط سياسية كبيرة على القاهرة لإعادة الاحتفالات وعربدة الصهاينة بمولد "أبو حصيرة" أو نقل رفاته إلى القدس، إلا أن القضاء المصرى عاد منذ أيام ورفض الدعوى، وانتصر لارادة المصريين مرة اخرى، وأسدل الستار بشكل نهائى عن تلك المهزلة.

المضحك، أن الصهاينة فسروا حكم القضاء المصرى بأن "أبو حصيرة" رفض مغادرة مصر، وأنه طالما رفض الانتقال لإسرائيل، فالواجب يحتم ضرورة أن يأتوا إلى مصر لزيارته.. وكفانا الله وإياكم شر الهبل.. وكفى.
الجريدة الرسمية